«وقفة لله» على دماءِ الأبرياء… «أردوغان»، «ليبرمان»، و«داعش» ثالثهما…

«وقفة لله» على دماءِ الأبرياء… «أردوغان»، «ليبرمان»، و«داعش» ثالثهما…

تحليل وآراء

الأحد، ١١ ديسمبر ٢٠١٦

عندما يتجدَّد المديح للكيانِ الصهيوني من معارضٍ سوري، ويصف قيامه بقصفِ محيطِ «مطار المزة» بالعملِ الإنساني الذي سيساعد الثورة على الانتصار، فإن هذا الأمر يذكِّرنا بكلام مفتي الناتو الإرهابي «يوسف القرضاوي» الذي طلب من الولاياتِ المتحدة مع الأشهر الأولى للأحداث في سورية ما سماها «وقفة لله»، والموافقة على تسليحِ الإرهابيين السوريين بما سماها «أسلحة فتاكة». إن «إنسانية» الثوار السوريين في الحقيقة هي امتداد لإرهاب شيوخ الفتنة في شرقنا البائس، وكلاهما يقودانا نحو مفارقةٍ كوميدية:
أنت لست أمام ثوراتٍ إرهابية، تمثل تطلعات «إسرائيل» وعملائها نحو عالمٍ خالٍ من فكرِ المقاومة فحسب، بل عليك أن ترتدي رداء الغباء لتصدقَ الكذبة المكررة على إعلام (البترودولار) ليل نهار، الأسد… يحمي حدود «إسرائيل»!!
كذلك الأمر؛ عندما يصبح لدى الأمم المتحدة أوراق قراراتٍ «غيرَ ملزمةٍ» تدين ما يسمونه «النظام السوري»، تكفينا لافتتاح «مطعم فلافل»، فاعلم أن الهدف هو الإكثار من هذه القرارات كي يسجِّل تاريخَ الأمم المتحدة إدانات متعددة لما يسمونه «النظامَ» الذي يقتل شعبهُ، بعد فشلهم باستصدارِ أي قرارٍ عبر مجلس الأمن يقدم لهم سورية على طبقٍ من الدماءِ والأشلاء؛ لكي ينجزوا باسم «الشرعية الدولية» ما عجزوا عن تحقيقهِ باستخدام الإرهاب كوسيلةٍ للسيطرةِ على الدول. لكن عليهم أن يتذكروا أيضاً أن التاريخ سيسجل في ذاكرةِ الأبرياء في هذا الشرق البائس أن «أمماً متحدة» أزعجتها المصالحات بين السوريين. أن مبعوثاً للأمم المتحدة وما يحمله هذا التوصيف من شعورٍ بالسلام والطمأنينة، دافع عن كرامةِ الإرهابيين أكثر مما دافع «جورج بوش» عن شرعية غزوهِ للعراق، بل إنه وقع في مغالطاتٍ وأكاذيب لا يقع فيها حتى المبتدؤون في العمل الدبلوماسي، كأن يدعو دمشق للعودةِ فوراً إلى مفاوضات «جنيف»، وعندما تبحث عن تاريخ لهذا الاجتماع الذي من المفترض أن دمشق رفضت الذهاب إليه؛ لا تجده، وعندما تبحث عن تصريحٍ لمسؤولٍ سوري يرفض فيه العودة إلى «جنيف» فإن البحثَ سيضنيك، فهل إن «ديمستورا» على شاكلةِ منظمتهِ الدولية دخل مرحلة الهذيان، أم أنه بات يخلط بين واجبهِ كمبعوثٍ دولي، ودوره كـ»خليفة» يسعى لنصرة «الوهابية القميئة» أينما وجدت؟!
ختاماً؛ عندما يستيقظ فجأة ذاك «الوهم» المسمى «داعش» عند الحاجةِ له؛ بعد أن غفا لأشهر -على الورقِ- بين ذراعي طموح الإدارة الديمقراطية المنصرِفةِ من البيتِ الأبيض وادِعائها تحقيق انتصاراتٍ وهمية في «الموصل» أو «ريف الرقة» تنقذهم في الانتخابات الرئاسية، ليشنَّ هذا الهجومِ المحكم على مناطق حقول الغاز والنفط، وصولاً لأطراف «تدمر»، فاعلم أن هذا الهجوم لا يمكن بأي شكلٍ من الأشكال فصلهُ عن كل ما يجري من تشابكاتٍ سياسيةٍ وعسكرية، ليس في حلب فحسب، لكن في كاملِ المنطقة فكيف ذلك؟
غالباً ما يكرر السياسيون والمحللون عبارةَ أن الطموحات التركية في سورية فشِلَت، نتفق مع الطرح، لكن ما نختلف معه أن هذه العبارة باتت أشبه بعبارةِ (لا تقربوا الصلاة)، لأن الواقع يقول إن الطموحات فشلت لكنها لم تتوقف، وإن كل ما يحكى عن محاولاتٍ (روسيةٍ أو إيرانية) لفرملةِ أو تبديل مواقف «أردوغان» تجاه ما يجري في سورية، هو حديث لا معنى له، بل إن تكرارهُ في ظل الوقائع المناقضة له، بات أشبهَ بتفسيرِ الماء بعد الجهدٍ بالماء. حتى الحديث عن إمكانية فرملة «أردوغان» من قبل الداخل التركي؛ هو مطلبٌ صعبَ التحقق، فلا هو من النوعيةِ التي تتراجع أو تصغي، ولا العقلاء في تركيا يمتلكون أي تأثير في الشارع، أما المعارضون فإن تصريحاتهم مكررة ومملة أكثر من الجلوسِ والإصغاءِ للملك «سلمان» وهو يلقي بياناً في قمة خليجية.
حتى عندما اعترف «أردوغان» بهدفه المعلَن من دخولِ الحرب على سورية (إسقاط نظام الأسد)، وعاد ووضحه، هناك من استسلم للتوضيح، وتجاهل أن الغضب يُخرج ما في مكنوناتنا في الغالب، وهذا ما حدث مع «أردوغان» وهو لن يتوقف، بل بدا لافتاً أن كلام «أردوغان» لاقاه في منتصف الطريق تصريحات «أفيغدور ليبرمان» عن الحل السوري الذي لا مكان فيه للأسد، تحديداً أن كلا الطرفين منتشيان الآن بتطبيع العلاقات بينهما -هذا إذا افترضنا أساساً أنها قطعت- بل إن الأتراك أسقطوا حتى الدعاوى المقامة على من تسببوا بحادثِ «مرمرة»، وتنازلوا عن كل شيء في سبيلِ استعادة العلاقات، بما فيه مطلب شرط رفع الحصار عن «غزة»، الذي كان يباهي فيه «إخوانيو» المنطقة لتلميع صورة «أردوغان». فهل إن الملف السوري وحد الجانبين ليكون العمل لإسقاط سورية (براً وجواً) عملاً متكاملاً؟!
ربما هو كذلك، تحديداً أن الكيان الصهيوني والنظام التركي استعرا خلال عمليات الجيش العربي السوري والحلفاء لاستعادة السيطرة على مناطق الإرهابيين في حلب. أما إعلان مرتزقةِ «أردوغان» فتحَ «ملحمة حلب» والتي كان هدفها إشغال الجيش للوصول نحو «الباب» لم يأتِ بنتيجة، والدخول الصهيوني على الخط مباشرة فهو كذلك الأمر لم ينجح في استفزاز السوريين، بل على العكس. تبدلت المعطيات على الأرض وأنجز الجيش السوري ما أنجزه في حلب، لكن هي لعنةُ الجغرافيا التي تسمح للتركي بتقديمِ حلولٍ متنوعةٍ بهدفِ كسب المزيد من الأوراق، أو ترك نيران الحرب مشتعلة؛ لأنها الحل الوحيد للوصول لطموحاته، فكان هجوم «داعش» على البادية وتدمر، والذي تزامن مع تقدمٍ لميليشيا «أردوغان» باتجاه «الباب»، هل هي مصادفة، أم إن عودة «داعش» لساحة الأحداث هو بالأساس مطلب أميركي؟
أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن إرسال نحو 200 مدرب ومستشار لمساعدةِ حلفائهم في محاربة الإرهاب. عندما نقرأ هذا العدد فإن السؤال البديهي المطروح، هل الأعداد الحقيقية لحلفاء واشنطن على الأرض يحتاجون لهذا العدد من المدربين والمستشارين، إذا ما أضفنا إليهم الموجودين سابقاً من فرنسيين وبريطانيين وأميركيين وإسرائيليين في «عين العرب». النقطة الثانية هي تزامن هذا الإعلان ليس مع عودة «داعش» للساحة الإعلامية فحسب، بل مع إعلان البيت الأبيض رفعَ الحظرِ عن توريد السلاح لحلفاء واشنطن في مكافحة الإرهاب. ربما هذا القرار للاستهلاك الإعلامي لا أكثر تحديداً أن الجميع بات يعرف أن جميع أنواع السلاح وصل للإرهابيين في سورية بطرقٍ شتى، لكن هل المقصود من رفع الحظر هذا هو السماح رسمياً للإرهابيين بامتلاك مضاد طيران؟
ربما أن هذا الأمر هو جوهر القضية، فإذا كان الهدف مكافحة الإرهاب، فهل «داعش» تمتلك طيراناً لكي يتم تزويد حلفاء واشنطن بمضاد الطيران؟!
القضية واضحة، هي عودة لما قلناه سابقاً إن الشمال السوري يُراد له أن يكون قاعده «ناتوية» يتم تركيزها والاحتفاظ بها بدواع مختلفة، فالإدارة الأميركية المنصرفة تعي أن عليها تركَ تركةٍ ثقيلة سيتسلمها «ترامب» في الملف السوري، هنا وقبل أن نطرحَ سؤالنا الأسبوعي(ماذا ينتظرنا؟) سنسأل… ماذا ينتظر الآخرين؟
إن انعقاد اجتماع ما يسمونه الخبراء الروس والأميركيين في «جنيف» لإخراج الإرهابيين من حلب يبدو بشكلٍ من الأشكال توقيعاً على الهزيمة الأميركية والتركية في حلب، لن يمرراه بسهولة، والاجتماع إن نجحت جهوده، لكن لا يبدو أنه سيحرك شيئاً في المياه الراكدة، لأن الطرف الآخر فيما يبدو تبدلت لديه المعطيات، فالأميركي يحتضر، والفرنسي منتش بالنسخة الألف لما يسمونه «اجتماع أصدقاء الجولاني»، أما المستعربون فبعضهم مشغول بتبديلِ تحالفاته من «مجلس تعاون» إلى «اتحاد خليجي»، هذا دون أن ننسى أن إمارة شرقي نهر الأردن أكدت وبصورةٍ حاسمة أنها لن تدعو سورية لمؤتمر قمتها العربية، ربما الآن علينا أن نسأل، فماذا ينتظرنا؟
علينا أن نشكر الأردن لعدم دعوتنا، والقول لـ«هولاند» إن هزليته السياسية لا تقل هزلاً عن السلسلة المتكررة من هذه الاجتماعات، أما مستعربو النفط فسنكتفي بأن نقول لهم؛ «اتحاد خليجي» أو غيره لا تفرق، طالما أن النهاية ترسمها رئيسه الوزراء البريطانية في الاجتماع. أما الأميركي فلا يزال يلعب بالوقت الضائع وكل جعجعته لا تبدو أبداً ذات معنى، لكن نصل لزبدةِ الكلام وهو نقطة الالتقاء «الإسرائيلية» التركية في هذا التوقيت… هنا فصل الكلام… لا التركي سيتراجع مهما كلف الثمن ومهما بلغت «المغريات»، ولا «الإسرائيلي» سيتخلى عن هذه الفرصة التاريخية… حذار من الأوقات الإضافية لأنها غالباً ما تحمل تطورات دراماتيكية، تحديداً إذا كان لاعب كـ«داعش» حاضراً تماماً للمشاركة… ألم يتحدث «القرضاوي» يوماً عن «وقفة لله»… وهل هناك أكثر من هؤلاء الثلاثة يجيد هكذا تجارة رخيصة؟!