ما خفـي … سورية وحلفاؤها اللبنانيون.. بعد حـلـب.. بقلم: سامي كليب

ما خفـي … سورية وحلفاؤها اللبنانيون.. بعد حـلـب.. بقلم: سامي كليب

تحليل وآراء

الأحد، ١١ ديسمبر ٢٠١٦

«نعم بشار الأسد انتصر في حلب مستفيداً من تخلّي معظم المجتمع الدولي عن الشعب السوري». هكذا اختصر رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط لصحيفة «السفير» وبصراحته المعتادة المشهد في شمال سورية.
أما الرئيس السوري، وفي واحدة من أهم المقابلات معه، فلم يتحدث عن انتصار. قال، بواقعيته المعهودة، لصحيفة «الوطن»، إن معركة حلب ستكون ربحاً لكنها لا تعني نهاية الحرب في سورية، أي إنها تعني محطة كبيرة باتجاه هذه النهاية، مؤكداً أن الحرب ضد الإرهاب ستستمر وأن العملية السياسية كانت مولوداً ميتاً.
لكن ماذا عن لبنان؟
لنختصر ما قاله الأسد عن الرئيس اللبناني. قال إن انتخاب ميشال عون: هو «انتصار للبنان» وهو «شخص حوله إجماع»، وهو «شخص وطني» وهو «يعمل لمصلحة الشعب اللبناني» وهو «يعرف خطر الإرهاب» وهو يعرف أنه «لا يمكن للبنان أن يكون بمنأى عن الحرائق ويتبنى سياسة اللاسياسة». كل ذلك يعني بالنسبة للأسد أن انتخاب عون هو «انتصار للبنان وسورية».
نادرة هي المرات التي وصّف فيها الرئيس الأسد علانية حليفاً أو صديقاً لسورية بكل هذه الصفات. وباستثناء الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر اللـه الذي هو بالنسبة لدمشق «فوق التوصيفات»، فإن ما قيل عن حلفاء لبنانيين آخرين وقريبين من الأسد كان غالبا ما يقال في لقاءات خاصة بعيدة عن الأضواء.
ما قاله الأسد علانية حول عون هذه المرة، كان يقال كثيراً في الغرف المغلقة قبل انتخاب الرئيس. وصل الأمر إلى حد القول «إن لسورية مرشحا واحدا في لبنان هو ميشال عون»، أما المرشح الآخر والحليف الوفي لدمشق وللأسد أي رئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، فمستقبله أمامه وطريقه معبدة للرئاسة لكن ليس الآن. الأولوية كانت لعون لأسباب كثيرة وفي مقدمها موقف «حزب الله» منه ودوره المسيحي ومواقفه الصلبة حيال ما جرى في المنطقة منذ 6 سنوات.
ما قاله الأسد في مقابلته التي أوضحت كل النقاط المتعلقة بالعدو الوحيد «إسرائيل» وبالدول الأخرى من الخليج إلى تركيا ففرنسا وأميركا، لا يستبعد أي انفتاح على من قاتل ضد سورية.
هو لا يقول هذا الكلام من موقع ضعف بل يقوله في لحظة استعادة كامل حلب، أي في لحظة استكمال استعادة المدن السورية الكبرى. هذا يعني انتهاء أوهام التقسيم و«خزعبلات سورية المفيدة» و«غير المفيدة». الحسم العسكري ليس الورقة الوحيدة بيد الأسد. ولا وقوف روسيا وإيران و«حزب الله» هي أوراق القوة الوحيدة لديه. هو يُدير الكتلة البشرية السورية الأكبر حالياً في الداخل. هذا تقرير التنمية البشرية الصادر عن UNDP في الأمم المتحدة يؤكد أن النزوح الداخلي وحده يقارب ثمانية ملايين نسمة. بالتالي فإن أي استفتاء أو انتخابات مقبلين ستكون نتائجهما محسومة سلفا لمصلحة الأسد. ثم أن الكتلة البشرية القتالية من الجيش والتشكيلات الأخرى ستنتقل من حلب إلى أماكن أخرى بسهولة أكبر وبقدرات أعلى.
هل ينفتح الأسد على الخصوم اللبنانيين؟
من السابق لأوانه الحديث عما سيكون وضع سورية في لبنان. فالحرب لا تزال على وطيسها. المخاطر تزداد كلما تقدم الجيش السوري وحلفاؤه. هذه إسرائيل تنشر خرائط لأهدافها في الجنوب اللبناني. هذه إدارة دونالد ترامب تقدم إدارة خطرة من «صقور اليمين». هؤلاء جميعاً معادون لإيران و«حزب الله» ويريدون فك أواصر التعاون الإيراني السوري. وإذا كانت تركيا مضطرة حالياً للاعتذار عن تصريحاتها بشأن الأسد كما فعل الرئيس رجب طيب أردوغان مؤخراً حرصاً على روسيا، ومضطرة لمجاراة الرئيس فلاديمير بوتين راهناً، فإنها تماما كبعض الدول الخليجية ستقوم بمحاولات أخيرة لمنع الحسم الكامل.
مع ذلك، فإن دور سورية في لبنان بدأ يستعيد شيئاً من حضوره الكبير. لن تقول دمشق مطلقاً أن انتخاب الرئيس عون هو جزء من دورها. لكنه كذلك.
جاء مبعوثون سوريون قبل الانتخاب وبعده (السفير السوري علي عبد الكريم علي، ووزير شؤون الرئاسة منصور عزام، والمفتي حسون…) ناهيك عن الاتصالات الهاتفية والرسائل (وهي كثيرة). ولن تقول دمشق مطلقاً إنها لم تكن متحمسة لتسهيل عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة أو تسهيل عمله، لكنها تعرف حساسية الحسابات الداخلية وتثق بما يفعله «حزب الله» وحلفاؤها الآخرون.
بالنسبة لدمشق، ثمة أطراف لبنانية كانت «شريكة بسفك الدم السوري». هذه قد تكون مستبعدة من حسابات انفتاح الأسد، لكن لا شيء مستبعد في براغماتية الرئيس السوري وإدراكه للمصالح السياسية العليا لبلاده. هو قال غير مرة في جلسات خاصة: «من الصعب أن أستقبل في سورية من شارك بقتل السوريين، فالشعب نفسه لن يقبل». ويقول آخرون في دمشق، إن على الشعب اللبناني أن يحاسب من غرّر به لا أن يقدم له هدايا حكومية وغيرها.
تعرف القيادة السورية أن الانعطافات السياسية في لبنان سهلة. هي اعتادت على من عاداها مرارا ثم تصالح معها. ما يهمها الآن هو التعاون الجدي مع العماد عون وتسهيل مهمته. تماما كما كانت الحال مع الرئيس السابق إميل لحود الذي تعتبره سورية من أفضل الحلفاء الشرفاء.
هل ثمة رسائل من الجاهلية؟
أثار الاستعراض (العسكري بالإيحاءات والرياضي بالاسم) في قرية الجاهلية قلقاً عند بعض خصوم دمشق. أُعطي الأمر أكبر من حجمه. جرت اتصالات بعيدة عن الأضواء مع «حزب الله» ودمشق لمعرفة المقصود. قيل إنه عرضٌ غير مناسب في بداية عهد الرئيس عون. وقيل إن «حزب الله» على علم وبارك الخطوة بحضور محمود قماطي، وقيل إن مسؤولاً عسكرياً كبيراً سورياً تابع التفاصيل. لكن مختصر المعلومات الحقيقية هو الآتي: نعم الوزير السابق وئام وهاب نسّق الأمر مع الجميع قبل العرض. نعم حصل على مباركة أيضاً بعد العرض. لكن الجميع فوجئ بالعدد والشكل بمن في ذلك الحلفاء. لم يكن المقصود من العرض توجيه رسالة بحجم القلق الذي ظهر لاحقا، لكنه تحوّل بعد ذلك إلى رسالة.
لا شك بأن المحور الذي استعاد حلب، ما عاد بحاجة إلى رسائل، وهو لن يلجأ إلى الجاهلية لتوجيه رسائل قوية حين يريد، لكن الخط الأحمر لدى سورية وعند «حزب الله» هو عدم السماح بعد اليوم بأي أمر يساهم في إضعاف «محور المقاومة» أو في مساعدة الخصوم. هذا هو الخط الأحمر، وتحت هذا السقف كل شيء ممكن.