تشاركية أم استعراض....؟..بقلم: سامر يحيى

تشاركية أم استعراض....؟..بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٢ ديسمبر ٢٠١٦

عندما نناقش الآخرين نشاركهم عقولهم، ومهما ملكنا من الحنكة والذكاء والعبقرية والقدرة على اتخاذ القرار، لا بدّ أننا بحاجة لمن حولنا لكي نطّلع على معطيات تساعدنا بالوصول للقرارات المناسبة، فبكل فكرة نكتسب تفكيراً جديداً، وخبرةً لاختيار القرار الأقدر بالتطبيق على أرض الواقع.
هذه هي الطبيعة البشرية، فلا يمكن للإنسان العيش بدون تشاركية حقيقية مع الآخرين، والقرار بيد الأكثر قدرة وحنكة وحكمة، وعادةً ما يكون شيخ العشيرة أو كبير القوم، باعتباره أكثر اطلاعاً ومعرفة وخبرةً، ومع تطوّر البشرية تم توزيع العمل بين عدّة أشخاص، ومن ثم تم إنشاء مجالس كمجلس الشورى ومجلس العائلة والحكومة إلى ما هنالك من تسميات ومؤسسات تقوم كل منها بالمهام الملقاة على كاهلها، إلى ما وصلنا إليه اليوم من مؤسسات وأحزابٍ وتجمّعات ... إلخ، ولكن يا ترى هل تضطلع كل هذه المؤسسات بدورها الحقيقي، بكل تأكيد لا، وإلا لسارت الأمور بشكلٍ ممتاز، ولما واجهتنا أيّ مشاكل أو تحديات ولتمكننا من حلها بشكلٍ مباشر، فهنالك مؤسسات تقوم بعمليات استعراضية تحت شعار التشاركية، لكنّها تفعل عكس الواقع، ولذلك نجد تضارباً بين رؤية الجمهور ورؤية المؤسسة، ومع ذلك هناك الكثير من الشخصيات ضمن المؤسسات تقوم بدورها الذي أدى لنجاح جزئي للمؤسسات رغم الظروف التي تمرّ بها، على الأقل صمودها في وجه محاولات تفتيتها، وإن كان في بعض الأحيان صمود بحكم الطبيعة.
ولكن المعاناة الأساسية هي في التشاركية مع الآخرين، وفهمنا الخاطئ لها، ولا سيما أننا نختار الموقع الخطأ وأحياناً الشخصيات الخطأ في التشاركية، وفي الكثير من الأحيان نشارك في موضوع معيّن القلّة التي تتضرر منه، بدلاً من توسيع دائرة النقاش لتشمل العدد الأكبر، صحيح أنه لا يمكننا إشراك كل المجتمع بكل شاردةٍ وواردة، ولكن بالتأكيد هناك ممثلون لكل فئة من فئات المجتمع، من أصحاب الخبرات والمطلعين على المعطيات والمدخلات للتمكن من الوصول لمخرجات سليمة، وهنا ضرورة قيام الحكومة والمؤسسات المتمثلة بها عند اتخاذ القرار، الاعتماد على ثلاث مراحل أساسية، الأولى المجالس الاستشارية ضمن كل منها والتي تضم المسؤول الأعلى بالمؤسسة والسادة معاونيه ومديري الإدارات، والثانية مهما كان المسؤول الأول مشغولاً فبإمكانه عقد لقاء دوري شهرياً مع موظفيه مهما كان عددهم للنقاش معهم ووضعهم بصورة آخر التطوّرات في المؤسسة والسبل الكفيلة بإنجاحها وتطوير أدائها وتفعيل دور كل عاملٍ فيها، والثالثة مشاركة الأكاديميين عبر اللقاء في ندوات ومحاضرات وجلسات وحلقات بحث يقدّمها طلاب الجامعات في الاختصاصات المختلفة، بما يساهم ببناء الفكرة الأساسية الأقدر للتطبيق على أرض  الواقع.
والشيء الإيجابي الذي تملكه كل مؤسساتنا من دون استثناء، التفاف المواطن حول الوطن وقائده، وبالتأكيد مؤسساته الوطنية التي تعمل لتحقيق أهدافه الوطنية، ما يتطلّب منها تفعيل هذه التشاركية بالشكل الصواب، لتعميق هذه العلاقة وتعزيز هذه الثقة وتفعيل العمل الوطني والمشاركة الحقيقية الجدية، للوصول للهدف المنشود والملموس بشكلٍ مباشر من كل مواطن من دون استثناء
وهذا يحتاج إلى إعادة تأهيل عملية التواصل مع الرأي العام، وتوضيح مفهوم التشاركية الحقيقية بين أبناء الشعب والوطن، وتحقيق تكاملية الأفكار لا أن يشعر المواطن أنه بعيد عن مؤسساته الحكومية، ولا أن يشعر الموظّف إما أنه هو الأول والأخير بالمؤسسة والمواطن يجب أن ينتظر، ولا أن يشعر المواطن أنه يشعر بالذل أو بسوء المعاملة لدى مراجعته المؤسسات الحكومية مهما كان رأيه أو رؤيته، فبالإضافة للنقاش والحوار بين المؤسسة والمديرين فيها، وبين المؤسسة والعاملين فيها، لدينا عمل أساسي وهو الشكوى التي يسمعها كل منا من كل مواطن من دون استثناء، بأن تتم دراسة هذه الشكوى ولو لم تكن لها أسس حقيقية، تحت عبارة “لا دخان بلا نار” وعملية البحث عن هذه النار التي أثرت لهذا الدخان، فإن كانت ناراً حقيقية نعمل على إخمادها قبل أن تتوسع وتحرق الآخرين، وإن كانت غير حقيقية نعمل على إخماد النار وعدم السماح للدخان ثانية من التصاعد الوهمي ..
هذا ليس عملاً صعباً ولا مستحيلاً، عندما نفكر بمنطق المؤسسة وبمنطق الوطنية، ولا سيما لدينا من المؤسسات العلمية والإعلامية والأكاديمية ومراكز الأبحاث ما يكفي إن استغللناها بالشكل الصحيح، وتلقائياً سنجد الدائرة تتّسع لافتتاح أخرى، وإن عملية الدمج والإلغاء والإنشاء يجب أن تكون مدروسةً، فبدلاً من إلغاء ما هو قائم بغض النظر عن سلبياته وإيجابياته، فكانت لحظة إنشائه إيجابية، فالمفترض البحث عن السبل الأمثل والحلول اللأفضل لتطوير أدائه وتعظيم إنتاجيته وتعويض خسائره، لكي يكون العمل المؤسساتي عملاً وطنياً يواكب تضحيات أبناء الوطن في كل مكان، للحفاظ على أمنه واستقراره وازدهاره بعيداً عن الانتهازيين والمنافقين.
فالتشاركية ليست مجرّد أن نقول سنأخذ رأي الآخرين، أو نطرح رأياً للنقاش، بل هي أيضاً وضع المواطن بالأسس والمعطيات والمعلومات التي تساعده في الوصول لاتخاذ القرار أو وضع الرؤى والأفكار الأنسب للموضوع، ومن ثم دراستها من المتخصصين للوصول للهدف المنشود في بناء وطنٍ يطمح إليه كل أبنائه بأن يكون حراً مستقلاً مزدهراً كما كان وسيبقى يعطي الدروس والعبر للآخرين مبرهناً قدرته على تجاوز المحن والصعاب مهما كان حجم التآمر والاعتداء وأبطال الانتهازية والخطابات الوهمية.