هل يكون اسمها «الستة السوداء»؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

هل يكون اسمها «الستة السوداء»؟.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٣ ديسمبر ٢٠١٦

 دخل الخطاب الغربي (والأميركي ضمناً) مؤخراً مرحلة التهيؤ لتقبل النتائج التي سوف تترتب على انتصار الجيش السوري المدوي في حلب وإن كان يلمس فيه كثير من الذهول بسبب الانهيارات المتسارعة التي لم تكن متوقعة على ما يبدو.

بالتأكيد هذا المتغير فرضته قناعة باتت راسخة ومفادها أن الانقلاب النوعي الحاصل في المعادلات العسكرية السورية لم يعد ممكناً الانقلاب عليه وبمعنى أدق لم يعد ممكناً الانقلاب عليه من دون أن يجد الفاعل نفسه في مواجهة مباشرة مع الروس في سورية، الأمر الذي لا يريده الغرب بالتأكيد أقله على الأرض السورية وإن كان هذا الأخير بزعامة أميركية يسعى إلى لي الذراع الروسية في أوكرانيا التي شهدت أواخر الشهر الماضي تجارب لصواريخ بالستية بعيدة المدى من شأنها أن تقضّ المضجع الروسي بدرجة كبيرة.
تصلبت موسكو هذه المرة فيما يخص استصدار قرار ينص على وقف إطلاق النار في حلب حتى إنها استخدمت الفيتو مرتين في بحر أسبوع واحد (5/12- 9/12) بعد أن كانت في السابق أول الداعين لذلك الأمر حتى إنها أعلنت عن هدنة من طرف واحد 20/9/2016 انطلاقاً من رؤية تقول إن أي وقف لإطلاق النار سوف يكون من شأنه التقاط المسلحين لأنفاسهم من جديد، واللافت أن موسكو أيضاً تدعو إلى خروج المسلحين على اختلاف مشاربهم ولم يعد مهماً- ولا أحد يأتي على ذكره- فصل المجموعات المسلحة «المعتدلة» عن تلك المتطرفة ولربما يشكل غياب ذلك الحديث إقراراً غربياً ضمنياً بأن تلك الفصائل جميعها ليست سوى أذرع للنصرة تحت طائلة الإبادة كما حدث مع حركة حزم والفرقة 13 و51 وآخرين ومهما يكن من أمر فإن المجموعات المسلحة المحاصرة فيما تبقى من أحياء حلب الشرقية كانت قد عينت 11/12/2016 قائداً عاماً لها هو أبو العبد أشداء قائد كتيبة أشداء التابعة لجبهة النصرة من دون أن يلقى الأمر ولو إدانة من الغرب على الرغم من أن ذاك الأمر (تعيين قائد جيش) لا يعتبر أمراً ذا جدوى واقعية، فالتقارير الميدانية تقول إن ما تبقى تحت سيطرة المسلحين في حلب الشرقية لا يزيد على 7كم2 (بيان غرفة عمليات حميميم 11/12) من أصل 45كم2 كانوا يسيطرون عليها منذ تموز 2012، هذا إضافة إلى تتالي الانهيارات التي لم يعد بالإمكان وقفها بدءاً من رفع الرايات البيض من مئات المسلحين مروراً بنزوح عشرات الآلاف من المدنيين الذين كانوا ورقة مهمة بأيدي هؤلاء وصولاً إلى طلب الخروج إلى ريف حلب (وهو ما تريده تركيا وتؤيده أميركا) بدلاً من إدلب كوسيلة للتخفيف من الهزيمة أو حفظ ماء الوجه.
المؤكد أن الحرب السورية ما بعد حلب سوف تدخل مساراً آخر مختلفاً بالتزامن مع متغيرات كبرى في رياح الخارج، ففي الثلث الأخير من الشهر المقبل ستكون رؤية دونالد ترامب هي السائدة في واشنطن وهو يقول إن المشكلة في سورية هي ليست مع الرئيس الأسد ويضيف إن من الحماقة الذهاب نحو خيارات تهدف إلى تنحية الرئيس السوري، وفي المطلق فإن هذا الموقف يمثل انقلاباً جذرياً لا يعكر من صفوه سوى موقف ترامب المعلن تجاه إيران، إذ لطالما أعلن هذا الأخير أنه إذا ما وصل إلى البيت الأبيض فسوف يعمل على إلغاء الاتفاق النووي الإيراني وهو أمر- إذا حدث- فستكون له تداعيات على المنطقة (وضمناً الأزمة السورية) ولربما كانت الرياض أول المتنبهين لهذا الأمر عندما ذهب تركي الفيصل رئيس الاستخبارات السعودية السابق في منتدى دافوس 2016 إلى نصيحة الرئيس الأميركي الجديد بعدم الإقدام على خطوة كهذه (يقصد إلغاء اتفاق فيينا 14/7/2015) بعدما كانت «الرياض» أول الساعين لإفشال ذلك الاتفاق، لكن على الرغم من أن الفريق العسكري الذي اختاره ترامب جميعه من «كارهي» إيران أو الداعين إلى احتوائها وفرض فك تحالفها مع دمشق مع ما تشكله تلك السياسات من مخاطر على المنطقة عدا أنها لا تتمتع بالواقعية السياسية وتتجاهل طبيعة التحالف بين دمشق وطهران وهو بالمطلق من النوع الذي لا يقبل التفكك على الرغم من كل ذلك فإن أمر إلغاء الاتفاق النووي الإيراني لن يكون ميسراً (على الرغم من أن الفريق العسكري كله مؤيد لذلك الإلغاء بدءاً من جيمس ماتيس وزير الدفاع مروراً بمايكل بومبيو رئيس الـCIA وصولاً إلى مايكل فلين مستشار الأمن القومي)، فالوعود الانتخابية عندما تصطدم بالحسابات الدقيقة تصبح أكثر واقعية وتكتسب طابعاً آخر، فأمر من هذا النوع سوف يكون من شأنه أن يؤدي إلى تعويم تيار المحافظين في إيران ولربما وصولهم إلى سدة السلطة في أيار المقبل وهم في مطلق الأحوال لم يكونوا راضين عن الاتفاق لحظة الإعلان عنه ولذا فإن الأرجح أن يبقى ذلك الملف في طور التهديدات أو التحذيرات بانتظار تبلور معطيات أخرى، أما ما يخص الأوروبيين عشية الحدث الحلبي فإن رؤيتهم أضحت مغايرة تماماً لتلك التي كانوا يتبنونها في السابق وهو ما تختصره فريدريكا موغريني مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي إبان لقائها معارضين سوريين في أبو ظبي أواخر الشهر المنصرم، ففي ذلك اللقاء أبلغت السيدة موغريني من التقتهم بأن الاتحاد الأوروبي لا يرى أن خيار تنحي الأسد هدف واقعي، إقليمياً كلما تقدم الوقت أكثر بدول الخليج اتضح أن تلك الدول قد باتت عاجزة في دائرة الفعل بعد خسارتها للغطاء الأميركي الذي يشكل انكشافاً استراتيجياً خطيراً لها الأمر الذي استدعى محاولة استبداله وهو ما ظهر إبان القمة الخليجية الـ37 في المنامة 7/12 عندما جيء بتيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية لعقد شراكة استراتيجية معها في استعادة لمناخات الخمسينيات والستينيات، أي قبل توهج القوة الأميركية عندما كانت بريطانيا شريكة النصف في كل شيء على الرغم من الفوارق الهائلة بين الأصيل (الأميركي) والبديل (البريطاني) والتي تجعل من هذا الأخير غير قادر على ملء الفراغ ناهيك عن أنه نفسه يحتاج في كثير من المسائل إلى ضوء أخضر أميركي، أما الأتراك فهم منشغلون بالقضاء على الخطر الانفصالي الكردي في الوقت الذي تشكل فيه استعادة حلب إلى الحضن السوري ختماً بالشمع الأحمر على مشروع أردوغان العثماني على الرغم من أن «درع الفرات» تظل «خدشاً» في سماء الانتصار السوري ولربما- وهذا الراجح- أن دمشق قد تلقت طمأنات لا تحتمل الإخلال بها فيما يخص العملية العسكرية التركية.
في ضوء كل ما سبق فإن بيان جنيف «30/6/2012» لم يعد بالتأكيد يمثل أرضية صالحة للبناء عليها مهما تم تعديلها أو تجميلها، فالواقع الذي جاء فيه ذلك البيان بات اليوم مقلوباً رأساً على عقب، والهجوم على دمشق كان يشن من حيي التضامن والميدان ناهيك عن أن خاصرتي العاصمة (غوطتيها) كانتا تمثلان بؤرتين تهددان أمنها والأمر نفسه كان في ريف القلمون أما اليوم فماذا بقي من كل ذلك؟
المسار المرجح للأزمة السورية هو المآل الذي آلت إليه الحرب الجزائرية ومصير المعارضة أقرب لأن يكون المصير الذي لقيته جبهة الإنقاذ التي قادت تمرداً مسلحاً امتد عشر سنوات من 1991- 2002 حتى إن التاريخ الجزائري يذكر تلك المرحلة بـ«العشرة السوداء» كانت صلابة الدولة والجيش الجزائريين بوجه التمرد وكذا انكشاف آفاق هذا الأخير وافتضاح منابعه الخارجية (كانت جبهة الإنقاذ مثلاً تستهدف موظفي شركة سوناطراك العملاقة في الجزائر من الروس دون الأميركان) قد أديا إلى تحوّل كبير في الساحة الجزائرية، وعندما تم الإعلان عن العفو العام 1999 كان ذلك مؤشراً على أن القيادة الجزائرية باتت على يقين من نجاحها في تحول «العمل الجهادي» إلى «عنف جهادي» لم يلبث أن اقتصر وجوده على جزر متقطعة ومحاصرة، وعندما مالت كفة الحكومة الجزائرية اندفع الشارع الجزائري باتجاه المشاركة في الحصار وإعلان حرب استئصال لتلك المجموعات العنفية التي لم تلبث أن كشفت عن قناعها عندما أعلنت جبهة الإنقاذ بزعامة عباس مدني وعلي بلحاج انضمامها إلى تنظيم القاعدة في تشرين الأول 2003 بعد أن تجاوزتها الأحداث.
اليوم لربما يتوافر العديد من المعطيات التي تقول إن الحرب السورية آيلة لأن تحط رحالها بعد أن فقدت جذوتها، ولربما يكون العام المقبل 2017 هو العام الذي ستبسط فيه الحكومة السورية سيطرتها على كامل الأرض السورية، وعند ذلك ستكون إضبارة تلك الحرب قد اكتملت ووجب أرشفتها ولربما- آنذاك- يمكن أن نطلق عليها «الستة السوداء».
الوطن