مصائب الآخرين عند الأسد فوائدُ، ولكن..بقلم: سامي كليب

مصائب الآخرين عند الأسد فوائدُ، ولكن..بقلم: سامي كليب

تحليل وآراء

الاثنين، ١٩ ديسمبر ٢٠١٦

لا شك بأن الرئيس السوري بشار الأسد وحلفاءه أفادوا كثيراً من تفكك المعارضة وتناحر 160 فصيلا مسلحاً. واذا كان التخطيط العسكري والتحالفات الاستراتيجية التي عقدها الأسد، والصراع الدولي والإقليمي على أرض سوريا، إضافة الى تنامي الارهاب، عوامل ساهمت في تغيير مجاري الرياح، فان مصائب أخرى عند خصومه تبدو كبيرة الفائدة له.
أولا، مصائب مصر ـ السعودية:
زار المستشار الملكي السعودي أحمد الخطيب في نهاية الأسبوع إثيوبيا. عقد مباحثات مع مدير مشروع سد النهضة ورئيس الوزراء وجرى التفاهم على تعزيز التعاون. الهدف هو الضغط على مصر القلقة من الخطط الإثيوبية في السد المائي لنهر النيل.
تزامنت الخطوة السعودية هذه، مع انتقاد صدر عن مجلس التعاون الخليجي ضد مصر بعد اتهامها قطر في التحقيقات المتعلقة بتفجير كنيسة قبطية قبل أيام. يضاف ذلك الى سلسلة أسباب التأزم بين الرياض والقاهرة، وتلاشي مبدأ «مسافة السكة» الذي رفعه الرئيس عبد الفتاح السيسي لحماية دول الخليج حيال أي تهديد.
من يذهب الى القاهرة هذه الأيام يسمع كلاما زاخرا باللوم ضد الرياض، ليس أقله: «نحن لا نستجدي مساعدات من أحد، ولو لم نصدّ اندفاعة الإخوان المسلمين في المنطقة لكانوا اليوم عند أبواب الخليج، هم بحاجة لنا أكثر من حاجتنا لهم».
التوتر السعودي المصري افاد بشار الأسد في مجلس الأمن وعلى المستوى العربي، وأدى الى زيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي المملوك القاهرة بطلب من القيادة المصرية..
صحيح أن العلاقات الديبلوماسية لم تُستأنف، لكن استمرار التوتر السعودي المصري المضاف الى الصراع المتفاقم بين مصر وقطر من جهة واتساع رقعة التعاون المصري الروسي قد يسمحان بعدم حصر العلاقات بـ « الاطار الأمني» الذي تحدث عنه الرئيس الأسد.
ثانيا، مصائب تركيا مع الكرد:
لم يتأخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حتى اكتشف أن تدخله في سوريا قد عزز قدرات خصومه الكرد. ثم جاء الانقلاب الفاشل ضده وما تلاه من اجراءات قمعية واعتقالات واسعة في الداخل التركي والتفجيرات الارهابية، ليضع كل سياسة أردوغان أمام خيارات أحلاها مر. صحيح ان اردوغان مستمر بالمناورة والمغامرة في سوريا والعراق لكن بعد خسارته ورقة حلب، واضطراره للبدء بحرب أوسع ضد «داعش»، ضاق هامش المناورة أمامه (حتى ولو تفاهم مع روسيا)، فتوسع الهامش أكثر أمام الأسد وحلفائه.
ثالثا، مصائب الصين ـ أميركا:
خلافا لروسيا، بقيت الصين حذرة حيال التعبير المباشر عن دعم الأسد في السنوات الماضية برغم تبينها «الفيتو» ثلاث مرات مع موسكو لمصلحة سوريا. لكن مع اقتراب تولي دونالد ترامب مقاليد الرئاسة في البيت الأبيض، تصاعدت حمى التوتر بين بكين وواشنطن. قال وزير الخارجية الصيني: «اذا حاول ترامب نسف سياسة الصين الواحدة أو المسّ بالمصالح الأساسية للصين فسيكون كمن يزحزح صخرة ستسحق قدميه». كان يرد بذلك على قول ترامب: «أن على الصين تقديم تنازلات حول التجارة اذا كانت ترغب بأن نواصل اعتماد سياسة الصين الواحدة». كما أنه أثار غضب الصين عبر مهاتفته رئيسة تايوان. تخلل التوتر، اتهامات متبادلة بين واشنطن وبكين قبل أيام على خلفية احتجاز الصين طائرة بلا طيار تعمل تحت الماء.
سوريا هي احدى ساحات الضغط. منذ الربيع الماضي زارها مبعوث صيني كبير مرتين. زارها أيضا في الصيف الماضي مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة المركزية العسكرية الصينية مؤكدا عزم بلاده تعزيز العلاقات العسكرية مع سوريا . لم تتعزز كثيرا، لكن التلويح بذلك مقصود.
رابعا، مصائب السياسة اللبنانية:
بقي لبنان بلا رئيس نحو عامين ونصف. كاد الصراع بين ساسته ومحاوره أن يُبقي البلد مشلول السياسة والرئاسة والمؤسسات. انتهى الأمر بانتخاب رئيس للجمهورية حليف لـ «حزب الله» وعلى علاقة ممتازة بالرئيس بشار الأسد.
الصراع الحالي بشأن الحكومة، والصراع المنتظر بشأن الانتخابات النيابية قد يعززان دور الطرف المؤيد لدمشق في ظلال التفاهمات المحتملة بين موسكو وواشنطن، الا اذا اختارت ادارة ترامب أن تغامر في الضغط على ايران في لبنان.
خامسا، المصيبة السنية ـ الشيعية،
كان من المفترض أن يؤدي مخطط الفتنة السنية الشيعية في المنطقة، والمتنامي منذ الغزو الأميركي البريطاني للعراق، الى تضييق الخناق على محور المقاومة وتأليب العمق العربي السني على ايران و «حزب الله» وسوريا وصولا الى اقصاء روسيا عن الشرق الأوسط.
يبدو أن الرياح بدأت تسير بعكس سفن المخططين. فمع سيطرة الجيش السوري على حلب، تبدو الدول العربية الكبرى أقرب من أي وقت مضى الى روسيا، أبرزها مصر والجزائر والعراق. جميع هذه الدول لها علاقات واسعة او خجولة مع دمشق حاليا.
كان لافتا للانتباه أنه مع شبه الانتهاء من معركة شرق حلب، كان العاهل المغربي الملك الحسن الثاني يوجه دعوة الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الرباط، وذلك في خلال استقباله أمين مجلس الأمن الروسي نيقولاي باتروشيف. هذه اللقاءات المغربية الروسية مهمة لا فقط لأنها تفيد روسيا في لحظة السيطرة على حلب وانما أيضا لأنها تعقب انتقادات وجهها رئيس الحكومة المغربية الاسلامي عبد الاله بن كيران لما وصفه بـ «التدخل الروسي في سوريا» .
الرأي العام المغاربي يميل أكثر الى فهم أسباب الحرب على سوريا. لعل اغتيال «الموساد» (على الأرجح) لمهندس الطيران التونسي المنضوي في صفوف «كتائب عز الدين القسام» في فلسطين محمد علي الزواري في صفاقس بعد ثلاثة ايام فقط على عودته اليها، يُذكّر بجوهر الصراع في المنطقة.
سادسا، المصائب الأميركية ـ الأميركية:
ما عادت أميركا بحاجة لأعداء كثيرين في الخارج. يتفاقم الصدام حاليا بين ترامب وخصومه الديموقراطيين. السبب هو اتهامات بتسريبات الكترونية تقول إن بوتين نفسه كان وراءها لتعزيز احتمالات فوز المرشح الجمهوري. ترافق هذا التطور الأميركي مع تحولات اوروبية مفصلية، بدءا بخروج بريطانيا وصولا الى انهيار شعبية الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند حيث من المنتظر ان تثمر الانتخابات المقبلة عن رئيس يشبه في نظرته توجهات الرئيس الاميركي المنتخب الى سوريا.
ثم ان ترامب المهدَّد داخليا، عيّن وزيرا للخارجية مرتبطا بعلاقة ممتازة مع بوتين. كل ذلك سيؤدي الى اتفاق على وقف الحرب السورية مباشرة بعد توليه الرئاسة ورفع وتيرة ضرب «داعش».
كل هذه المصائب مفيدة لا شك لبشار الأسد، لكن بعد ان عين ترامب سفيرا يهوديا صهيونيا في اسرائيل داعما للمستوطنات ولنقل السفارة الاميركية الى القدس، تكتمل جوقة الصقور ضد ايران.
هذه المصيبة الوحيدة التي يجب أن تُراقب بكثير من الاهتمام. فالهدف الأميركي ـ الاسرائيلي يبقى ايران الحليفة الاستراتيجية للأسد. ولعل بعض الانفتاح العربي على سوريا هو أيضا لابعادها عن ايران. وهذا هو دنيس روس العقل الصهيوني للادارات الاميركية السابقة يقول ان لدى ترامب «فرصة سانحة للتأثير على بوتين وضمان أن ايران لن تحصل على أي مكاسب استراتيجية في سوريا»!
السفير