ترامب: تقارب مع موسكو ولعب على التوازنات..بقلم: فتون عباسي

ترامب: تقارب مع موسكو ولعب على التوازنات..بقلم: فتون عباسي

تحليل وآراء

الأربعاء، ٢١ ديسمبر ٢٠١٦

يتصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب برئيسة تايوان تساي اينغ ـ وين، ليخرق بذلك سياسة تنتهجها الولايات المتحدة منذ العام 1979 عندما قطعت واشنطن علاقاتها الرسمية مع تايبيه. تثور ثائرة بكين. يعود ترامب ليتحدث عن أهمية تطوير علاقات بلاده بالصين. بعدها بأيام يهدد بألا تعترف الولايات المتحدة بعد الآن بمبدأ الصين الواحدة، ما لم تقدّم الأخيرة تنازلات تجارية، فتصفه الصحف الصينية بالجاهل ديبلوماسيا.
هذا واحد من أمثلة عدة عن لعبة شد الحبال التي يبدو أن ترامب يجيدها. الرجل الذي وصفه كثيرون في الإعلام بأنه «مختل» وصاحب تصرفات غير منضبطة، يستثمر هذه النعوت لمصلحته جيدا، على اعتبار أن شخصية جدلية ومركبة كشخصيته قد تقدم على قرارات صادمة.
يعوّل ترامب على تحول الولايات المتحدة الى شرطي عالمي، يتقاضى أجره جراء الدفاع عن أي دولة تحتاج إلى حماية من عدو خارجي. وجّه كلامه مباشرة إلى المعنيين في دول الخليج وفي طليعتها المملكة السعودية، ثم في أوروبا بدءاً بباريس وصولا إلى برلين. يريد ترامب أن يضيّق الخناق على مشيخات الخليج، فيطلب منها تسديد فواتير باهظة لقاء ضمان أمنها.
في المقابل، تبدو أوروبا متوجسة وهي تلج مرحلة جديدة بدأت بانفصال بريطانيا عن اتحادها وقد لا تنتهي بصعود اليمين، ليس في فرنسا فقط بل في دول أخرى كذلك، على وقع فشل السياسات التي مارستها دول الاتحاد بضغط من الإليزيه، من عهد ساركوزي اليميني إلى هولاند الاشتراكي. الصحف الأوروبية تعبر عموماً عن تخوف من عودة النفوذ الروسي بالاتفاق مع واشنطن على قاعدة تقسيم مناطق نفوذ تشبه تلك التي كانت قائمة زمن الحرب الباردة، بموازين أخرى طبعا. هذه مخاوف تفرض تساؤلات بشأن أطماع بوتين ورغبته بلي ذراع القارة عبر ورقة الغاز ومن بوابة أوكرانيا.
في أميركا، هناك ما يغري بالنظر إلى ولاية ترامب من زاوية رؤيته إلى العلاقة بموسكو. فما إن كشف موقع NBC عن اختياره الرئيس التنفيذي لشركة «إيكسون موبيل» ريكس تيليرسون مرشحا لمنصب وزير الخارجية، مثلا، حتى انهالت عليه الانتقادات في الإعلام الأميركي. وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال»، فقد فاوض تيليرسون في العام 2011 على عقد شراكة مع بوتين في مجال الطاقة، بقيمة قدرها الرئيس الروسي في ذلك الوقت بـ500 مليار دولار، بحسب موقع «ذي هيل» الأميركي. وكانت الصفقة بين «إيكسون موبيل» وروسيا علقت العام الماضي بسبب فرض عقوبات على الكرملين إثر تدخل روسيا في شبه جزيرة القرم العام 2014. لكن الشركة قالت إنها ستستأنف الصفقة عندما ترفع العقوبات، الأمر الذي قد يساعد عليه تبوء تيليرسون منصب وزير الخارجية.
هذا أحد أمثلة كثيرة توضح تركيز الإعلام الأميركي على طبيعة علاقة الشخصيات التي يختارها ترامب بروسيا. فالرئيس الأميركي الجديد، الذي نسج علاقات طيبة برجال المال والأعمال في موسكو منذ العام 1987، كان قد جاهر بدعوته إلى مغادرة بلاده سوريا وترك مهمة قتال «داعش» لموسكو هناك. كما صرح بأنه قد ينظر في الاعتراف بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وهو ما يمثل انزياحا كاملا في سياسة واشنطن الخارجية، علماً أن الرئيس الأميركي قد يحاول لاحقا لعب دور الوسيط بين الروس والأوروبيين كلّما بدا التوازن مختلا.