طرف الخيط؟!!.. بقلم: سامر يحيى

طرف الخيط؟!!.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦

"استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان"، "لا تعط من يستلم مهامك كل المعلومات، دعه يتعذّب ويكتشف كما تعذّبت واكتشفت أنت"، "اعطه معلومة خطأ كي يقال كنت الأفضل بمجال عملك"، "ابن بلدك يسبب لك المشاكل" "لا تعط للشخص كل المعلومات دع خيط يتبعك به ويشعر بحاجتك لوجود معلومات مهمة لديك ولو لم تكن موجودة".
 عبارات نستمع إليها في جلسات الأصدقاء، ولاسيّما حين ترك أحدنا مكانه وانتقاله لعملٍ آخر، وسط تضارب وتناقض بالمعلومات وكثرتها، وكل يدّعي المصداقية والوثوقية، وأنّ لديه الحجة والبرهان، وإطلاق أوصاف شخصية بعيدة عن الحقيقة والواقع، تغلّف السم بالدسم.. ليست إلا جزءاً من إثارة المشاكل والفتن بين أبناء الوطن الواحد والمؤسسة الواحدة، وإضعاف التواصل الاجتماعي والإنساني والعملي، وزرع الشكوك، ونسف كل ما كان يقوم به من سبقك بالعمل والبدء من جديد، متجاهلاً الإيجابيات التي تحتاج لتطوير، والسلبيات التي تحتاج لتقويم، فالعمل تراكمي، وليس البدء من الصفر، فكل جيل يكون أكثر خبرةً مما سبقه، لاستفادته من خبرات ومعارف سابقة، ويضفي عليها رؤيته والإمكانيات المتاحة له، ما يجعلنا أحوج للتفكير العميق السليم، للتمييز بين الموضوعات والمعلومات التي يجب تداولها وتناقلها والنقاش والحوار حولها، وبين الموضوعات السرية التي يجب أن تناقش على مستوى عالٍ والتي تؤثر في استراتيجية المؤسسة، وله خصوصية كالعمل الأمني الاستراتيجي، وبالتأكيد ليس هناك سريّة بالعمل الإداري والإنتاجي، بما فيها الاختراع، فواجب تلك المؤسسات بما فيها هيئة الإبداع والاختراع تبادل الأفكار والرؤى بين المخترعين والمبدعين للوصول إلى اختراع أكثر كفاءةً وإنتاجية، بأقل تكلفة وجهد ووقت، وواجب الموظفين عند تبادل المراكز القيام بتبادل المعلومات والأفكار، وتداول النواقص والسلبيات والإيجابيات والحلول والتحديّات والثغرات، لتطوير الأداء وإبداع الطرق الأسلم للوصول للهدف المنشود للمؤسسة، لا نسف الطاولة والبدء من الصفر.  
     من الخطأ الفادح التسليم بالأمر الواقع، وتناقل معلومات ومصطلحات من دون التفكير السليم، بل دورنا وواجبنا قول الحقائق وتفسيرها بالشكل الإيجابي، ليستفيد منها الجميع، لا أن نعتبر الإدلاء بالمعلومات وتناقلها نوعاً من الضعف أو إفشاء سرٍّ، ما دمتم جميعاً في نفس نطاق العمل والأداء، فلنعرف حدود السرية وحدود العلنية، لنتمكن من النجاح بالعمل المنوط بنا، ونجاح من يستلم مهامي بالتأكيد دليل على نجاحي، وتأخره بالنجاح دليل على فشلي، ومن يستلم على قاعدة سليمة نظيفة يتمكّن من النجاح بسرعة، وتظهر نتائجه بسرعةٍ كبيرة، فلا أحد يستطيع النجاح بيومٍ وليلة، فالعمل الوطني عملية تراكمية جمعية لا آنية شخصانية.
إن أسوأ ما نعانيه في العمل الإداري بشكلٍ خاص، إطلاق الشائعات والأوصاف على موظفٍ أو مسؤولٍ، ولاسيما بين الموظفين الجدد، بتنبيهه من هذا وتشويه سمعة ذاك، وتأكيده على الاهتمام بهذا متجاهلين أن كلاً له أسلوبه بالتعامل والتعاون مع الآخرين، ودورك أنت بإفشال فريقك أو أن يكون فريقك كلّه عاملاً إيجابياً في بناء الوطن، لأن الشائعات تسري كالهشيم، لدرجة يكاد أن يصدّقها قائلها، ولاسيّما في ظل انتشار وسائل الإعلام المضللة الهادفة لتفتيت المنطقة العربية وتدمير مواردها البشرية والمادية، مستغلّة العاطفة الإنسانية بإطلاق عبارات على لسان البعض نتفاعل معها من دون أن يكون لها أثر في أرض الواقع، ولاسيّما أننا نراها من كثيرين ممن يدّعون التحليل السياسي والاستراتيجي أو رجل مثقف، بحيث يتناقشون بالأفكار على أنها من صنع أفكارهم، بعيداً عن تكليف أنفسهم بالتفكير العميق بصدقيتها وإمكانية تطبيقها على أرض الواقع، وتتناسب مع البيئة والوضع المحيط، معتمدين على تعاطف الجمهور وتجاوبه ولاسيّما "التلفظ بعبارات الشتم والاستهزاء والمديح والإحراج اللفظي"، بديلاً عن الحكم على الشخص من تشخيصه للمرحلة بشكلٍ سليم قابل للتطبيق على أرض الواقع، أو لأنه اقترح الحل القابل للتطبيق على أرض الواقع، لتجاوز التحديّات والعقبات مستذكراً الأسباب والمسبّبات.
إن دورنا إعادة توضيح الأفكار والمصطلحات لننهض جميعاً يداً بيد، ونطوّر عملنا لنصل إلى جيل سليم يجمع بين العاطفة والعقل والمنطق، ويتبادل المعلومات لتطوير الأداء والإنتاج، وليدرك كل منا أن العمل العسكري والأمني فقط يتطلّب السرية مع الاستعداد الدائم.
نعم إن خصوصية العمل الإداري وسريته ضئيلة جداً، وكلما اتسعت دائرة السرية ومحدودية المعلومات في العمل الإداري والتنموي زادت الأخطاء وحكم عليه بالفشل وتدمير الوطن، مهما كانت المبرّرات والمسّوغات له.