وقت ضائع أميركي، بداية شوط تركي.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

وقت ضائع أميركي، بداية شوط تركي.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٣ يناير ٢٠١٧

حدثان مهمان سيطرا على المشهد السوري في الأسبوع الأخير من العام المنصرم، الأول هو خبر توقيع باراك أوباما على مشروع قرار لتسلح المعارضة السورية بأسلحة حديثة 24/12/2016 والثاني إعلان مولود جاويش أوغلوا وزير الخارجية التركي 28/12/2016 أن تركيا وروسيا أعدتا اتفاقاً لوقف إطلاق النار في سورية.
قد يكون السؤال الذي يتبادر تلقائياً فيما يخص الحدث الأول هو: لماذا الآن؟! ثم لماذا صبر باراك أوباما ست سنين ولم يذهب إلى ما ذهب إليه في الوقت الذي لم يتبق له سوى أيام في البيت الأبيض؟ للإجابة على الأسئلة السابقة يعتقد الكثير من المحللين أن التوقيع كان قراراً للاستبلشمنت (المؤسسات الحاكمة) والبلدر بيرغ (المجمع الصناعي الحربي) ولم يكن قرار رئيس راحل، وهو بهذا المعنى سوف يكون من الأمور التي سيتم ترحيلها إلى الإدارة الأميركية الجديدة، قد يكون لهذا التحليل الكثير من الواقعية إذ إنه يصور الأمر وكأنه استفاقة متأخرة لقوة عظمى وجدت نفسها خارج اللعبة بشكل مفاجئ في مسار تسوية ستفضي إلى معادلات إقليمية ودولية جديدة بالتأكيد وما يؤكد هذه الفرضية هو ما نقلته رويترز 28/12/2016 عن مسؤول أميركي قالت: إنه رفيع المستوى لكنه رفض ذكر اسمه فقد قال: «إن هذا البلد –يقصد روسيا- الذي يبلغ حجم اقتصاده حجم اقتصاد إسبانيا يتباهى ويتصرف كأن ساسته يعرفون ما يفعلون» ليضيف: «لا أعتقد أن الروس والأتراك قادرون على القيام بهذه المفاوضات السياسية من دوننا» ومع ذلك فإن التدقيق بردود الأفعال التي نجمت جراء توقيع أوباما سابق الذكر قد يعطي للأمر مرامٍي أخرى، فعلى امتداد عمر الأزمة السورية عانت واشنطن من فقدانها لشريك بري قادر على أن يكون حاملاً لسياساتها وذراعاً تمده إلى حيث تشاء أو يتوجب حيث سيشكل فقدان ذلك الشريك إرباكاً كبيراً للسياسات الأميركية لعلها تبدت في أجلى صورها في الغاء اتفاق لافروف كيري 9/9/2016 قبل أن يسري على الأرض، كان ذلك الإلغاء ناجماً عن الخوف الأميركي للمصير الذي ستلقاه «جبهة النصرة»، عندما يصبح الاتفاق نافذاً فهي ترى أن هذه الأخيرة تمثل حاجة أميركية يصعب تصور التفريط بها، مناسبة هذا الكلام هو ردة الفعل السريعة التي جاءت من قوات سورية الديمقراطية مرحبة بقرار أوباما حتى قبل أن ترحب به المعارضة السورية، فقبل أن يمضي ساعتان على نشر الخبر سيعلن طلال سيلو المتحدث باسم تلك القوات أن: «قواته تريد الحصول على أنظمة مضادة للطائرات محمولة على الكتف لحماية نفسها من أي أعداء في المستقبل» 24/12/2016.
بالتأكيد لا توجد لدى داعش طائرات لكي تستهدفها قوات سورية الديمقراطية، ثم من هم أعداء المستقبل الافتراضيون لتلك القوات؟
لربما- نقول لربما- تفكر واشنطن في إحداث نقلة نوعية كبرى في علاقتها مع تلك القوات (تأسست تشرين أول 2015) التي أوجدتها هي ودعمتها إلا أنها بقيت عاجزة عن مجاراة الطموحات والأهداف الأمريكية، أما اليوم وبعد هزيمة جبهة النصرة في حلب وفي الآن ذاته هناك غموض يكتنف «إمارتها» في إدلب فإن الحاجة باتت ماسة إلى وجود قوات قادرة على خلط الأوراق بوجه التحالف الروسي- التركي- الإيراني وإجباره على تغيير مساره الذاهب إليه حالياً وفي هذه الحالة فإن الصواريخ ستكون موجهة إلى الطائرات الروسية والسورية إن لم يكن القرار برمته قد استن أصلاً لكي يكون على مقاس تلك القوات ذات الغالبية الكردية الساحقة وليس من الصعب على الأمريكان تجييرها في هذا الاتجاه عبر تسويق أن التحالف الروسي الإيراني التركي الراغب بتسوية الأزمة السورية لن يذهب باتجاه إقامة دولة كردية مستقلة.
أما فيما يخص الحدث الثاني (تصريح مولود جاويش أوغلو) عن قرب التوصل (بل ويشتم من التصريحات أنه قد تمّ التوصل إلى ذلك الاتفاق إلى اتفاق مع الروس ولم ينس وزير الخارجية التركي القول إن إمكان السير بعملية انتقالية في سورية هو أمر لا يمكن القيام به بوجود الرئيس بشار الأسد، ما هو مهم هو الشق الأول لذاك التصريح أما الشق الثاني فهو لا يعدو أن يكون مادة للاستهلاك المحلي التركي إذ ماذا يعني التوصل إلى اتفاق مع الروس وفي الآن ذاته لا تزال هناك نقطة خلافية على هذه الدرجة من الأهمية؟ في حين أن العديد من التسريبات التي خرجت من وكالة فارس الإيرانية تقول إن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني كان قد وقع اتفاقاً مع رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة تلتزم هذه الأخيرة بموجبه بأن أي اتفاق سياسي مقبل في سورية يجب أن يكون تحت سقف الرئيس بشار الأسد، ناهيك عن أن تلك التصريحات تفقد معانيها السياسية عندما تكون صادرة عن جهات لا تزال حتى هذه اللحظة تجني المكاسب بناء على توافقات معينة هي بالتأكيد على النقيض من تلك التصريحات ثمة تقديرات (وهو يجول في كثير من وسائل الإعلام ومنتديات السياسة) تشير إلى وجود اتفاقات كواليس ما بين موسكو وأنقرة وأن ما اتفق عليه فيما بينهما ليس كله معلن، وهو تصوّر معقول بل ولا يعتبر مفاجئاً إذ لطالما كانت هذه الأمور في صلب أية توافقات افتراضية فيما بين أي طرفين يتوصلان إليها لكن وعلى الرغم من ذلك فإن الراجح أن تلك التوافقات (السرية) ليست محورية في ما يخص الكيان الجغرافي السوري والدولة السورية وما يرجح هذا التقدير هو أن التقاربات الروسية- الإيرانية في سورية هي أكبر بكثير من نظيرتها الروسية- التركية ولذا فإن الثقل الراجح الذي تمثله هنا تصورات موسكو وطهران سيكون له اليد الطولى داخل التحالف الثلاثي لحل الأزمة السورية سابق الذكر، ناهيك عن أن أنقرة في تموضعها الجديد تعتبر أن «التسوية السورية» ومشاركتها القوية فيها تمثل الرافعة الوحيدة لحزب العدالة والتنمية ولاردوغان نفسه أيضاً وعندما اختار هذا الأخير تموضعه الإقليمي الجديد (ولربما الدولي وهو ما يمكن أن يتضح بعد الربيع المقبل الذي ستشهد تركيا فيه استفتاء على تعديلات دستورية لتحويل النظام فيها إلى نظام رئاسي تنفيذي) كان محكوماً بواقعين داخلي وخارجي خطيرين فتركيا تلقت أكبر هزيمة سياسية لها خلال عقود عبر فشلها في إسقاط نظام دمشق واردوغان يدرك أن لهذا الأمر تداعيات لا أحد يدرك المدى الذي يمكن أن تذهب إليه إن لم تتم محاصرتها استباقياً خصوصاً أن الواقع التركي الحالي يشبه إلى حدّ بعيد الوضع الذي كانت عليه تركيا في أيلول 1980 عندما قام الجنرال كنعان ايفرين بانقلاب هدف بالدرجة الأولى منه إلى تغيير موازين القوى القائمة داخل البلاد، ولربما نكون على موعد مماثل في تركيا قبيل ربيع هذا العام فإصرار أردوغان على الانتقال إلى نظام رئاسي لا يمكن لمعارضيه إسقاطه إلا بتغيير موازين القوى القائمة داخل البلاد التي رتبها هذا الأخير على امتداد /12/ عاماً بما يناسب أهواءه لا بما يناسب تركيا.