سورية: ظروف جديدة بعد تحرير حلب

سورية: ظروف جديدة بعد تحرير حلب

تحليل وآراء

الجمعة، ٦ يناير ٢٠١٧

 حسن حردان
عاد النقاش مجدداً حول جدوى الإعلان عن التوصل إلى اتفاق وقف الأعمال القتالية في سورية، إثر تحرير الأحياء الشرقية من مدينة حلب وإعلانها مدينة خالية من الجماعات الإرهابية المسلحة.

ويتركز النقاش حول ما إذا كانت تركيا، التي وقعت الاتفاق مع روسيا وإيران سوف تلتزم تنفيذه، أم سوف تسلك الطريق الذي سلكته إدارة باراك أوباما التي انقلبت على اتفاق مماثل مع روسيا في أيلول الماضي، وتهربت من تنفيذه، وعمدت إلى قصف موقع الجيش السوري في جبل الثردة في دير الزور، فكانت النتيجة أن أكمل الجيش السوري هجومه ونجح في تحرير الأحياء الشرقية من حلب بسرعة قياسية. من الواضح أن ظروف الاتفاق الجديد مختلفة عن الظروف التي كانت سائدة عند توقيع الاتفاق الروسي الأميركي في أيلول الماضي.
فالاتفاق الجديد يأتي بعد نجاح الجيش العربي السوري وحلفائه في تحرير حلب بالكامل، وإحداث تحول كبير في موازين القوى في مصلحة سورية وحلفائها، وإسقاط المخططات الأميركية الغربية التركية، التي راهنت على السيطرة على حلب لتغيير موازين القوى لمصلحتها، للاستمرار في العمل على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، أو تقسيم سورية.
أما الاتفاق السابق بين واشنطن وموسكو، فقد كانت، في حينه، الأحياء الشرقية من حلب لا تزال تحت سيطرة الجماعات الإرهابية المسلحة، والرهان الأميركي الغربي التركي على إحداث تغييرات في الميدان لا يزال قائماً. لهذا كانت واشنطن تناور وتعمل على كسب الوقت من خلال توقيع الاتفاق، ومن ثم التهرب من تنفيذه، وفي الوقت نفسه تعمل على توفير المزيد من الدعم للجماعات المسلحة لتمكينها من استئناف هجماتها المتكررة على حلب لفكّ الحصار عن المسلحين في أحيائها الشرقية، وفرض سيطرتها على كل المدينة، وصولاً إلى فرض شروطها السياسية على طاولة المفاوضات.
كما أن الاتفاق الجديد يأتي في ظل ظروف أميركية غربية تركية جديدة، ومختلفة عن تلك التي كانت قائمة قبل تحرير حلب، وتتجلى هذه الظروف بالآتي:
أولاً: في أميركا حصلت انتخابات رئاسية فاز فيها المرشح الجمهوري دونالد ترامب على منافسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. وفوز ترامب شكل هزيمة للتيار المتشدد في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، الذي يدعو إلى مواصلة دعم وتسليح الجماعات الإرهابية في سورية تحت عنوان دعم الجماعات المعتدلة، وبالتالي الاستمرار في سياسة التصعيد والتوتير مع روسيا. فـ ترامب فاز رغم وقوف معظم اللوبيات الأميركية التي تصنع الرؤساء ضده، وتأييدها كلينتون، والسبب في ذلك أن ترامب تبنى خطاباً وبرنامجاً يتناقض مع خطاب وبرنامج كلينتون، فهو وعد الأميركيين في حال فوزه في العمل على أن تكون أولويته محاربة تنظيم داعش الإرهابي وليس محاربة الرئيس بشار الأسد، والتعاون مع روسيا في محاربة الإرهاب وليس التصادم معها، وكذلك عدم التورط في شن حروب جديدة على غرار حربي العراق وأفغانستان، والعمل على توفير الأموال لدعم والنهوض بالاقتصاد الأميركي في الداخل، الذي يعاني من أزمة ناتجة عن تراجع معدلات الإنتاج. وانتقال المصانع الأميركية إلى الخارج حيث كلف الإنتاج أقل.
ثانياً: وفي الدول الغربية تؤشر الانتخابات التمهيدية، لا سيما في فرنسا إلى أن السياسات الخارجية مقبلة على تبدل مماثل، حيث تؤشر إلى احتمالات فوز فرنسوا فيون في فرنسا الذي تتشابه مواقفه إزاء الأزمة في سورية مع مواقف الرئيس الأميركي ترامب.
ثالثاً: أما تركيا فإن حكم الرئيس رجب أردوغان يواجه ظروفاً صعبة تفرض عليه أولويات جديدة تحد من قدرته على المناورة مع روسيا وإيران، والتهرب من تنفيذ الاتفاق، فأردوغان اليوم، بعد هزيمة جماعاته المسلحة في حلب، سقطت رهاناته وأحلامه وبات أمام موازين قوى جديدة في سورية في غير مصلحة مواصلة مشروعه، كما أنه يواجه مخاطر تنامي قوة الأحزاب الكردية وطموحاتها في العمل على إقامة كونفدرالية أو حكم ذاتي في شمال سورية، وفي تركيا. في حين أن تركيا بدأت تواجه خطر تصاعد التفجيرات الإرهابية وتنامي تهديدات داعش، لا سيما بعد إقدامه على حرق الجنديين التركيين في مدينة الباب. مثل هذا الوضع غير المستقر أمنياً ينعكس بمزيد من تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد، وتراجع إقبال السياح الأجانب على السياحة في تركيا، وكذلك ينعكس بتراجع الاستثمارات وهروبها إلى الخارج.
هذه الظروف الجديدة المختلفة، التي يأتي في ظلها الاتفاق الروسي الإيراني التركي، هي التي ترجح إمكانية تنفيذ الاتفاق هذه المرة. فتركيا أولاً ليس من مصلحتها توتير العلاقات مع روسيا وإيران، وهي تدرك أنه إذا تهربت من تنفيذ الاتفاق لناحية الفصل بين الجماعات الملتزمة تنفيذه، وبين التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وتلك المنضوية تحت لوائهما والتي لا يشملها اتفاق وقف الأعمال القتالية، فإنها لن تكون قادرة على حماية الجماعات الموالية لها أمام استئناف هجوم الجيش السوري وحلفائه على مواقع هذه الجماعات في محافظة ادلب وبعض مناطق الريف الحلبي، وبالتالي سوف يتكرر مشهد تحرير حلب في هذه المناطق، وتخسر تركيا فرصة المشاركة في حل الأزمة والخروج منها بما يحفظ ماء وجه اردوغان، وتخسر أيضاً علاقاتها الاقتصادية والتجارية الهامة مع روسيا وإيران، وتتفاقم أزماتها الداخلية على الصعد كافة.
انطلاقاً من ذلك فإنه في حال التزمت تركيا بتنفيذ الاتفاق ووفت بتعهداتها فإن ذلك سوف يصب أيضاً في صالح سورية وحلفائها، ويحقق لهم جزءاً هاماً من أهدافهم. فالالتزام بالاتفاق من قبل تركيا يؤدي إلى تفجير الصراع بين الجماعات الموالية لها والتي التزمت بالاتفاق، وبين التنظيمات الإرهابية من داعش والنصرة وغيرهما التي لا يسري عليها الاتفاق، وهذا يقود إلى استنزاف هذه التنظيمات بشرياً ومادياً وعسكرياً في ظل عدم القدرة على تعويض هذه الخسائر، الأمر الذي يسهل على الجيش السوري وحلفائه حسم المعركة معها.
كما يؤدي هذا الالتزام التركي إلى تفرغ الجيش السوري وحلفائه لتركيز جهودهم وطاقاتهم القتالية لتحرير المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية لا سيما داعش والنصرة. وتحقيق هدف تحرير هذا المناطق سوف يسرع من عملية تطهير سورية بالكامل من القوى الإرهابية، وحسم الصراع عسكرياً معها، وبالتالي تسريع عملية التسوية السياسية وفق شروط الدولة الوطنية السورية التي تؤكد احترام سيادة واستقلال سورية وحق الشعب السوري في انتخاب رئيسه وبرلمان بلاده. في الحالتين، حالة التزام تركيا، أو عدم التزامها تطبيق الاتفاق، فإن الاتجاه ميدانياً وسياسياً يسير بقوة لمصلحة أن يكون عام 2017 عام الحسم مع القوى الإرهابية في كل الأراضي السورية، والدخول في مسار الحل السياسي للأزمة على القواعد التي كان قد أعلن عنها منذ بدايات الأزمة الرئيس بشار الأسد.
*صحافي وكاتب لبناني