سورية: روليت على رقعة الشطرنج.. بقلم: علي هاشم

سورية: روليت على رقعة الشطرنج.. بقلم: علي هاشم

تحليل وآراء

السبت، ٧ يناير ٢٠١٧

 تحاول روسيا رسم خريطة طريق لحل الأزمة في سوريا. تستعين بالأضداد من حلفاء وخصوم لتلوّن مناطق النفوذ وتقاطعاتها. ثلاثة هم على الطاولة حالياً، العرّاب الروسي والمقاتل الإيراني والتركيّ المثقل بجراح معارك الداخل والخارج. تقود روسيا مساعي الحل مستفيدة من فراغ أميركي بحكم مرحلة انتقال السلطة بين إدارة وأخرى، هو فراغ أرخى بظلاله على حلفاء أميركا من داعمي المعارضة السورية الذين قرروا تشغيل مكابحهم بانتظار خروج الدخان الأبيض من البيت الأبيض. والدخان الأبيض هنا اتفاق على استراتيجية أميركية جديدة حيال سوريا، وسؤال الاستراتيجية تضج به مجالس الحلفاء الذين يمنّون النفس بأن يهمس في أذن دونالد ترامب واحد من معاونيه الأشداء على إيران، بأن مجرد القبول ببقاء الرئيس السوري بشار الأسد يعني انتهاء معركتهم لصالحها.

سوريا اليوم هي دولة تقاسم نفوذ، للروسي فيها حصة والإيراني كذلك والتركي. هؤلاء هم الفاعلون على الأرض اليوم، وهم الذين يملكون قدرة التغيير الحقيقية في الميدان وإن بنسب متفاوتة. هناك غيرهم ممن راكموا خلال سنوات الموت السوري تأثيراً لدى جماعات مقاتلة في مقلب المعارضة، بنوا قدرتهم على التأثير من خلال السلاح والمال وهم اليوم في ظل إقفال الحدود الأردنية وتبدل الظروف التركية أقل قدرة على التأثير، ما يعطي الجانب التركي مزيداً من القوة في هذا العمق، لكن الأمر أيضاً بات منوطاً بتفاهم مع الروسي.

يقول معارض سوري في دردشة قبل أيام إن القبول بدور رئيسي لروسيا كان انصياعاً أكثر منه تسليماً، فبحسب روايته "بعد الضغط الأممي على روسيا لوقف عملياتها الجوية في حلب، ولاسيما بعدما أظهرته وسائل الإعلام لمستوى القتل والتدمير فيها، أعلنت القيادة الروسية تحييد سلاح الجو الروسي من المعادلة، ولكنها استمرت عبر مدفعيتها بقصف الأحياء الشرقية".

ويضيف المعارض الذي إشترط عدم ذكر إسمه "نحن كنا متيقنين من أن روسيا لم تطلب من النظام وقف طلعاته الجوية فوق حلب، بل كانت تغض الطرف عن المروحيات التي استمرت تحمل البراميل المتفجرة وبأعداد كبيرة هذه المرة لتلقيها على أحياء حلب الشرقية، كانت تدفع النظام نحو مزيد من الضغط عبر النار من خلال "عقيدة غروزني" ومن ناحية أخرى كان المسؤولون الروس ينسقون لوقف العمليات القتالية، كنا أمام خيار واحد القبول بهذه الازدواجية فقط للبقاء وليكون هناك مكان على الطاولة لنا".

أقنعت تركيا من يدورون في فلكها بأنها قادرة على الوصول إلى اتفاق مقبول مع الروس، ولا سيما بعد التطور الصاروخي للعلاقة بين أنقرة وموسكو إبّان الإنقلاب الفاشل على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منتصف تموز/يوليو الماضي، الذي كان بمثابة الترياق الذي عولجت به السموم التي ضربت علاقات البلدين.

يقول مسؤول أمني إقليمي كبير في حديث خلف الكواليس مع كاتب هذه السطور إن إردوغان يدين بحياته للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. يضيف المسؤول "يوم الانقلاب في تركيا لو تأخر الروس عشر دقائق عن أردوغان لكان في عداد الموتى، فالروس هم من أبلغوه بالانقلاب وبأن محاولة لقتله ستجري حيث هو خلال دقائق". كانت هذه رصاصة الروليت الروسية.

الواقع أن الطابع الشخصي الذي يحكم قرارات الرئيس التركي لعب دوراً كبيراً في تحوّل بلاده فجأة من الميمنة إلى الميسرة. قرر أردوغان منذ ذلك الوقت أنه سيتعاون مع روسيا ويستخدم الأوراق المناسبة ليرد الجميل، بالسعي كي تكون صاحبة الفضل في حل الأزمة السورية، على الأقل الأوراق التي بين يديه. أما موقفه من الأسد فهو لن يتراجع عنه للخلفية الشخصية ذاتها التي تحكمه، على أن يترك لرئيس وزرائه ووزير الخارجية وغيرهم من المسؤولين تظهير عملية التراجع عن شرط رحيله بشكل تدريجي.

هكذا خرج نعمان كرطولمش،  نائب رئيس الوزراء التركي عبر صفحات صحيفة حرييت، مؤكداً أن بلاده لن تقف مع الأسد لكن عليها تصحيح أخطائها مضيفاً "إنّ قرار رحيله يجب ان يأخذه الذين سيجلسون حول طاولة المفاوضات، تركيا ستكون ضامنة لأي قرار في هذا الإطار، لكنه لن يكون مناسباً أن نفرض رأينا".

إذاً لن تفرض تركيا رأيها على المتحاورين لكنها ستحاول عبر من تملك التأثير عليهم في المعركة تحسين شروط الحوار، على الأقل هذا ما تعتقده إيران التي لا تبدو حتى اللحظة واثقة من أن مسار الأمور ذاهب حقاً نحو تسوية مستدامة. بالنسبة لطهران المشهد أكثر تعقيداً مما يبدو عليه اليوم ولا سيما أن طرفاً رئيساً في المعادلة غائب عن الصورة، واشنطن التي يمكن قراءة سياسة إدارتها الجديدة من خلال الأسماء التي ستتولى مناصب حساسة فيها. لإيران الدولة شخصية كثيرة التوجس، هي قلقة من المجهول ولا تثق كثيراً بما يقال بل بما تراه أمامها، لذا فهي وبرغم كونها في قلب التفاوض بشأن سوريا وحول التسويات إلا أنها تحتفظ بأوراق مخفية قد يأتي أوان استخدامها في أيام سوداء قادمة، فلا حاجة لتحريك القلعة عندما يكون البيدق قادراً على إعاقة الحصان- هكذا تقول واحدة من خطط الشطرنج.

لم يكن حلفاء سوريا في الميدان، وعلى رأسهم إيران، يريدون إعاقة أي مجهود لوقف النزف في حلب قبل أسابيع، وهم لو أرادوا ما كان شيء ليمنعهم من فعل ذلك ولا سيما أنهم موجودون على الأرض لا في السماء، لكن الاتفاق كان ينقصه بالدرجة الأولى الاهتمام بمشكلة أهالي كفريا والفوعة المحاصرين منذ سنوات. هؤلاء لم يكن بالإمكان تركهم لمصيرهم حتى موعد آخر ولا سيما أنهم أصبحوا محاصرين من كل جانب وعرضة للقصف اليومي، ما يجعلهم تحت تهديد الإبادة متى قرر من يطبق الحصار عليهم ذلك.

كذلك فإن تنفيذ الاتفاق بشكل مستعجل سمح بحسب مصدر في غرفة عمليات قوات حلفاء سوريا بإخراج "ما استطاعوا من سلاح نوعي، إلى جانب أكثر من 30  أسيراً من الجنود الذين يقاتلون مع الدولة السورية من سوريين وغيرهم". تريد طهران أكل العنب، والمثل الإيراني يقول "الصبر يصنع من الحصرم عنباً"، لذا فهي ستعطي الحصرم فرصته لينضج بينما عينها على الدالية كي لا ينخرها السوس.

تستمر الحرب وإن صمتت المدافع نسبياً، حرب عض أصابع طويلة، والدول المؤثرة فيها وإن كانت تطلق النار بعضها على بعض في الميدان فإنها تعلم أن كمية التعقيد المحيط بالصراع أوجدت على هامشه ارتباطات مصلحية حتى بين الخصوم، ولا سيما أن المسلّم به أن نهاية الحرب السورية تماماً ككل حرب كبرى لن تكون من دون تغييرات جذرية في جغرافيا المنطقة والستاتيكو المسيطر عليها.

لعل هذا يفسر دخول تركيا إلى سوريا بعسكرها بغض طرف روسي إيراني، ولعله أيضاً يفسر خطط إيران لزيادة عديدها في سوريا فيما العالم يتحدث عن التسوية، وكذلك حرص روسيا على تطوير العلاقة مع تركيا وعلى إطلاق منصة تفاوض في حديقتها الخلفية كازاخستان بدل منصة جنيف.

الحلم الكردي يقلق إيران وتركيا بينما روسيا تحتضن الكرد، طهران لا تمانع التقارب التركي الروسي بينما تتبادل رسائل خجولة عبر أنقرة مع دولة خليجية رئيسية. حلفاء أميركا في المنطقة ينتظرون وصول ترامب إلى البيت الأبيض وبيحثون عن خط إمداد جديد لمسلحي المعارضة، بينما يرسلون رسائل إلى روسيا أنهم على استعداد للتسليم بالأسد رئيساً لسورياً شرط خروج إيران من اللعبة.

المصدر: الميادين نت