في القطار إلى وادي بردى.. بقلم: نبيه البرجي

في القطار إلى وادي بردى.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

السبت، ٧ يناير ٢٠١٧

الذاهب بالقطار، ايام زمان، الى دمشق لا بد ان يعرج على ذلك الكرنفال السحري في قرى وادي بردى. نساء يحملن صواني الجوز والتفاح على رؤوسهن، ورجال ملأوا السلال لاغواء المسافرين باشياء الزمن الجميل...
واذا تسنى لك ان تجلس في احد المقاهي بين الاشجار الوارفة، لا مناص من ان تصادف من يقول لكن انه لولا هذا الوادي لما كانت دمشق اقدم مدينة في الدنيا. هو يمدها بالنسيم العليل الذي يحد من جنون الهواء الآتي من البادية...
هو ايضاً الذي يبعث اليها بالماء الذي احترف، ربما منذ الازل، صناعة الياسمين...
في الطريق، وعلى وقع لهاث القطار الذي يتلوى بين الاودية، يطالعك نبع بردى.
النهر الذي كما لو انه النص الالهي. الم تكن القوافل الآتية من شبه الجزيرة، اي من الشظف والقيط، تحط الرجال على ضفاف بردى التي هي صورة طبق الاصل عن ضفاف الفردوس، الدنيا بدأت باشجار الحور والصفصاف التي هناك و«القطوف الدانية».
الدمشقيات، ايها السادة، الم يكنّ، وما زلن، حوريات الدنيا؟
هذا ليس رثاء لوادي بردى، لاهلها الذين يشبهون بساتين التفاح، والصخور التي تزنرها بين الحين والآخر، بل هي صرخة من اقاصي القلب، بالاحرى من اقاصي الروح، للحيلولة دون البقاء داخل تلك اللعبة العبثية (الصدمية)، وحيث القتل للقتل، بل حيث قتل السوري للسوري لمصلحة من حملوا على ظهورهم الايديولوجيات البلهاء، ومن وقعوا في غواية التاريخ او في غواية الجيوبوليتيكا....
لا احد يشك في ان الحكومات المتعاقبة، او اكثرها، ادارت ظهرها للريف، وهو آخر ما تبقى لنا من الزمن الجميل. الذي زاد من عذابات الوادي ان الاوتوستراد الذي من الحدود اللبنانية وحتى دمشق حجب كل تلك المصايف والقرى الخلابة.
وكان الذاهب بالقطار حين يصل فجراً الى محطة الحجاز ويتناهى اليه صوت المؤذن يشعر كما لو ان الله (شخصياً) هو الذي يرفع الاذان..
وكنا نسمع الشكوى من الاهمال او من التفرقة، وهذا ما استثمره، الى ابعد مدى، حفارو القبور، وهم اياهم حفارو الانفاق، لتسويق لغة الغرائز. كثيرون سقطوا في جاذبية البنادق علّ الغد يكون افضل، ودون ان يدري هؤلاء ان من يدعون بالثوار، وقد تعسكروا، وراحوا يعملون كمرتزقة لكل من يريد وضع اليد على سوريا، انما يدفعون بالزمن الى آخر الزمن...
الغرباء، المرتزقة، الساقطون، هم من يمسكون بلحاهم، كما لو انها لحى الابالسة، بالوضع في بعض قرى الوادي التي معظم سكانها نزحوا الى دمشق. هؤلاء هم الذين يقطعون مياه عين الفيجة او يلوثونها. اي ثورة تقطع المياه عن اهلها؟
لاهل الوادي الذي يمتد الى لبنان، ولنا هناك اصدقاء، ولنا هناك ذكريات، نقول انظروا الى ما يحدث على الارض السورية. اليست لعبة الامم، وقد تقاطعت تكتيكياً، مع لعبة القبائل هي التي دمرت كل شيء واحرقت كل شيء؟..
الايام سوف تكشف بربرية الكثيرين، وسذاجة الكثيرين. هل نبالغ اذا قلنا ان العقود المنصرمة شهدت حركة عمران لافتة جداً في قرى ومصايف الوادي، ولا نظن ان المعاناة كانت عاصفة، مادياً وحتى سياسياً، الى حد السقوط في غواية الصدم...
لا احد يغفل الحاجة الى التطوير السياسي، والى تحديث فلسفة (وآليات) الدولة، المتعلمون كثيرون في الوادي ويفترض ان يكون لهم دور. هكذا في كل سوريا، ولكن ليس باحراق سوريا...
ولتكن المصالحة، لا الانتحار، هي الخيار ان كنا نعلم اي هيستيريا تطبق على بعض من يمسكون بالزمام. بردى الذي كما لو انه النص الالهي يستصرخكم. اعيدوا للزمن الجميل زمانه...
الديار