عندما يقول فرنسي: سامحينا يا سورية.. بقلم: رفعت البدوي

عندما يقول فرنسي: سامحينا يا سورية.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الاثنين، ٩ يناير ٢٠١٧

باتت تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى وسائل الإعلام المرئي الأسلوب الأكثر سهولة ونجاعة مادة دسمة للوصول إلى غسل بعض الأدمغة وخصوصاً التي تعطلت عن التفكير وغيبت نفسها عن الدراسة والتعمق في اكتشاف الواقع، وبقيت أسيرة أفكار مستوردة ملغيّة التمييز بين الصواب والخطأ وبين المصلحة الوطنية ومصلحة أصحاب الميديا المدسوسة لتصبح بعيدة عن التوازن الفكري، وكل ذلك يتم من خلال بث مواد إعلامية سياسية أو دينية أو تجارية يجري تداولها عبر صفحات التواصل بسرعة فائقة تشبع رغبات تلك الأدمغة والعقول التي تفتقر إلى التمييز من دون أن تكلف نفسها عناء ممارسة التفكير، وهذا ما يسهّل عملية إعادة برمجة الأدمغة بشكل ممنهج لتصبح بغنى عن أي مبرر لتكون جاهزة في خدمة الفكرة أو المشروع الآتي من بعيد عبر الميديا المزورة أو عبر مراكز أبحاث ودراسات تعودت بث السم الموجه للأدمغة المجمدة، ويجري تلقفه بكل ترحاب ومن ثم تقبل ممارسة كل أنواع الإجرام بهدف تحقيق الخراب والتفكك من دون البحث عن خلفيات وحقائق المعلومة أو المادة الدعائية وعندها نعتقد أنها الحقيقة الدامغة ومن ثم نتجرع كأس الخديعة بملء إرادتنا.
بالأمس قام وفد برلمان فرنسي رفيع بزيارة لافتة إلى مدينة حلب المحررة حديثاً كاسراً الحظر الفرنسي الرئاسي بإقامة أي اتصال مع الدولة السورية في دلالة واضحة عن رغبة في الاطلاع على الحقيقة على الأرض، واعترافاً فرنسياً رسمياً بالدولة السورية وإدانة للدور الفرنسي السيئ الذي مورس من فرنسا نيكولا ساركوزي وفرنسوا هولاند في الأزمة السورية.
اللافت في موضوع الزيارة تصريحات أعضاء الوفد الفرنسي الذي أكد تعرض الرأي العام الفرنسي للخديعة الإعلامية والمعلومات الصادمة التي كانت تنشر في فرنسا عبر وسائل التواصل أو القنوات التلفزيونية، أو حتى في صياغة الأخبار العاجلة التي كانت تأتيهم على شاشة هواتفهم، إضافة إلى الأفلام القصيرة والصور المرفقة بتقارير جلها كانت عبارة عن معلومات وصور وأفلام مزيفة وملفقة بهدف التعمية على حقيقة ما يجري على الأرض السورية
عضو آخر في الوفد الفرنسي أذرف الدمع لدى مشاهدته ما حل بالجامع الأموي الكبير في حلب غير مصدق ما رآه من هول الدمار والخراب والقتل الذي مارسته التنظيمات الإرهابية في تلك المدينة، وأردف قائلاً: فليسامحنا اللـه على ما فعلناه بسورية، نطلب الصفح والسماح من سورية والسوريين على ما حل بهم لأننا كنا نجهل ما يجري، بيد أن الحقيقة كانت تحجب عنا كي لا نعرف ما يحصل في هذا البلد التاريخي الجميل، وقبل صعوده الطائرة التي أقلته عائداً إلى دمشق وقف على سلم الطائرةً ونظر إلى حلب الشهباء متمتماً بكلمات باللغة الفرنسية «Pardonnez nous syrie» أي ما معناه «سامحينا يا سورية».
الرئيس السوري بشار الأسد ولدى سؤاله عن رؤيته لمستقبل سورية أجاب بالتالي:
إن سورية بلد الحضارات والتاريخ والعيش المشترك بين جميع أبنائه وأطياف المجتمع السوري كانت وستبقى متلاحمة على الرغم من ممارسة التهجير الممنهج لأبناء الوطن، وكل الحملات الدعائية الكاذبة والأخبار الملفقة والتقارير المزورة التي تم تداولها عبر شاشات التلفزة المأجورة أو عبر وسائل التواصل، وأنتم زرتم أماكن عدة في سورية وشاهدتم مدى التلاحم السوري، وهذا نابع من مدرسة في الانتماء الوطني وفهمه للحقيقة المؤلمة على الرغم من الضغوط التي مورست ولم تزل على سورية، وأضاف الرئيس الأسد: إن المجتمع السوري صار أكثر صفاءً وأكثر التصاقاً بوطنه وخصوصاً بعد انقشاع الضباب المفتعل ووضوح الرؤية وانكشاف المؤامرة على سورية والتمييز بين من أسهم في افتعالها وتأجيجها وبين حلفاء سورية الخلّص.
من جهة أخرى كشفت صحيفة «نيو يورك تايمز» عن تسجيل صوتي لوزير الخارجية الأميركية جون كيري أثناء لقائه المعارضة السورية ومما جاء في حديث كيري:
لقد حاولنا كل شيء واستعملنا كل الوسائل الممكنة الدعائية والتقارير وبث أخبار عبر الشبكات للادعاء باستعمال الدولة السورية للأسلحة الكيميائية، لكننا لم نعثر على أي مسوغ قانوني يسمح لنا بالتدخل العسكري في هذا البلد واستطرد قائلاً:
إن الرأي الأميركي لم يعد يتحمل القتل والخراب والتشريد والخطأ الذي ارتكب في سورية، الولايات المتحدة لن تتدخل لمقاتلة الأسد، مبرراً ذلك بأن بشار الأسد وحزب اللـه لم يعلنا الحرب على الولايات المتحدة بخلاف داعش والنصرة.
بالأمس طلب الوفد الفرنسي السماح من سورية باللغة الفرنسية، وغداً سنسمع طلب الاعتذار والسماح من سورية بكل لغات العالم ولألف سنة قادمة.