كفراشة كان الضوء يسحبها إلى الردى.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

كفراشة كان الضوء يسحبها إلى الردى.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٠ يناير ٢٠١٧

سيعلن مولود جاويش أوغلو 4/1/2017 أن مباحثات الأستانة لحل الأزمة السورية المزمع عقدها في الأستانة سوف تنطلق يوم 23/1/2017 ثم يضيف أن واشنطن لن تكون مستبعدة عن تلك المفاوضات ما يفهم منه أن محاولات الترميم في الآليات المقترحة لا تزال جارية، في الوقت الذي لا تزال فيه «هدنة» 30/12/2016 صامدة بقوة على الرغم من وجود بعض الخروقات والراجح أن هذه «الهدنة» سوف تكون أكثر صلابة من الهدنتين السابقتين في شباط وأيلول 2016 والترجيح هنا متأتٍ من لحظ ظروف موضوعية لا انطلاقاً من حسن النيات لدى الفصائل المسلحة الموقعة على «الهدنة» إذ لطالما باتت هذه الأخيرة اليوم لا تملك أي بديل آخر غير الالتزام بها بعدما أضحى المعبر اللوجستي الأهم والنظام الرئيس الداعم لها طرفاً ضامناً للهدنة مشاركة مع الروس، ولا يبدو في الأفق أن أنقرة قد تذهب هذه المرة بعيداً عن التزاماتها ليس حباً بالسلام للسوريين أو حقناً لدمائهم إنما نتيجة الأوضاع الصعبة التي تمر بها تركيا على مختلف الصعد الأمنية والسياسية والاقتصادية، والمؤشرات عليها عديدة لربما في الذروة منها الانهيار الذي شهدته الليرة التركية تجاه الدولار خلال شهر كانون الأول المنصرم (فقدت حوالي ثلث قيمتها) وكذلك الظروف الأمنية الصعبة التي تعيشها البلاد ومن المقدّر لها أن تزداد صعوبة في المراحل المقبلة إذ لطالما كان التحالف مع التنظيمات المتطرفة أمراً هيناً على الدوام إلا أن الانفكاك عنها ليس كذلك، ناهيك عن انغلاق النوافذ الأوروبية والأميركية بوجه أنقرة (الأبواب أغلقت منذ زمن طويل نسبياً) وهو ما يستشف عملياً من انجذاب هذه الأخيرة إلى جاريها اللدودين روسيا وإيران، أما الخليج (وتحديداً منه السعودية وقطر) فالصعوبات التي تمر بها دويلاته كانت بمنزلة عملية تقليم أظافرها وجعلها غير قادرة على «الخرمشة» والراجح أن المعارضة السورية سوف تغيب عن الأولويات المدرجة على لوائح «البكنوت» الخليجي.
الآن ما بعد حلب 15/12/2016 أما آن الأوان لوقفة طويلة تجري المعارضة السورية فيها جردة حساب معمقة فالأمور وصلت حدود لفظ الأنفاس الأخيرة وبات من الضروري تحديد «الموجبات» التي قادت إلى تلك النتائج فالمسار كان أشبه بمسار فراشة كان الضوء يسحبها إلى الردى ولذا فإن المؤكد هو وجود خلل كبير في الرؤية التي ترصد الأحداث والأجدى لها في هذه الحالة اللجوء إلى طبيب عيون قادر على وصف العدسة اللازمة للحصول على رؤية صحيحة تتناسب مع واقع الأشياء في المحيط.
وإذا كان لنا أن نعرض للمحطات التي قادت نحو حلب 15/12/2016 يمكن لنا أن نرسم المشهد التالي:
– 2/10/2011 الإعلان عن تأسيس المجلس الوطني في استانبول برعاية تركية وسيطرة ساحقة للإسلاميين عليه، كان ذلك الإعلان مصحوباً بتأييد أميركي واضح قام أصلا ً على تحالفات كانت واشنطن قد توصلت إليها مع الإخوان المسلمين مطلع العام 2011.
– 11/9/2012 مقتل السفير الأميركي ببنغازي على يد إسلاميين متطرفين ممن كانت واشنطن تدعمهم وتمولهم، كان ذاك اليوم مفترق طريق اقتضى فيما بعد فك التحالف الأميركي- الإخواني.
– 31/10/2012 هيلاري كلينتون تزأر من زغرب بوجه المجلس الوطني وتركيبته الأمر الذي شكل أرضية سريعة لإنتاج كيان سياسي آخر كان يفترض له أن يكون منزوع السيطرة الإسلامية تبعاً للرغبة الأميركية.
– 11/11/2012 تأسيس الائتلاف السوري المعارض في الدوحة ليضم إليه شخصيات ليبرالية وعلمانية إلا أنها كانت هامشية وبعيدة عن مركز القرار، كان من الواضح أن الثقل الراجح في ذلك الكيان الجديد لا يزال لمصلحة الإسلاميين وهو ما ستؤكده سريعاً الأحداث اللاحقة.
– 12/12/2012 أعلن معاذ الخطيب رئيس الائتلاف من مراكش (أثناء المؤتمر الرابع لأصدقاء سورية) أن السوريين ممثلين بائتلافهم يرفضون القرار الأميركي الذي صنّف جبهة النصرة كتنظيم إرهابي (كان ذلك التصنيف قد حدث أواخر تشرين الثاني 2012) وفي اليوم التالي 13/12/2012 أكد رئيس المجلس الوطني جورج صبرا الموقف نفسه، كان التصريحان يمثلان واقعاً صادماً للأميركان الذين تأكد لهم أن لا متغّير حقيقياً قد حدث عبر الانتقال من صيغة المجلس الوطني إلى صيغة الائتلاف المعارض الأمر الذي دفع بواشنطن إلى الإصرار على توسعة هذا الأخير وهو ما حصل في أيار 2013، تزامنت تلك التوسعة برغبة أميركية بتسليم الملف السوري إلى الروس وهو ما حصل عبر اتفاق كيري- لافروف في موسكو 7 أيار 2013.
من الناحية العملية كانت عملية عسكرة الاحتجاجات هي قرار صرف للإخوان المسلمين وقد اتخذ في نهايات ربيع العام 2011 تلك العسكرة قادت نحو «الأسلمة» على حين أن هذه الأخيرة قادت إلى سيطرة الرايات السود على العمل العسكري برمته حتى أضحى المنضوون تحتها هم أصحاب مركز الثقل الساحق فيه، كان ذلك المسار بكل ملحقاته يشكل الظرف الذاتي (هناك بالتأكيد ظروف موضوعية أخرى) الذي أدى إلى حلب كانون الأول 2016.
بدا لوهلة- قبيل عام تقريباً- أن هذا المسار الأخير من الممكن تلافيه إذا ما قامت الرؤوس الحامية بتغليب لغة العقل في التعاطي مع هدنة شباط 2016 حينما منع الروس سقوط أحياء حلب الشرقية بيد الجيش السوري إفساحاً في المجال لمفاوضات جنيف 3 التي انطلقت آذار 2016، كان الشرط اللازم والكافي للروس هو قيام الفصائل المسلحة بفكّ ارتباطها مع جبهة النصرة في مقابل تعهدهم بتأمين انخراط تلك الفصائل في التسوية السياسية المفترضة، كان من الواضح أن ثمة تنسيقاً روسياً- أميركياً كبيراً فيما يخص الخطوات الروسية في سورية، إلا أن ما حدث أن العديد من الفصائل المسلحة بما فيها تلك الممثلة في هيئة المفاوضات العليا السعودية المنشأ «وللأمر اعتباراته المهمة» كانت قد شاركت مع جبهة النصرة في القيام بأول خرق نوعي للهدنة عبر الهجوم على تلة العيس آذار عام 2016 وخان طومان نيسان 2016، وعندما شاركت موسكو بقوة في إغلاق ثغرة الراموسة 17 تموز 2016 كان ذلك تعبيراً واضحاً عن يأس روسي تام في إمكان أن تلبي الفصائل المسلحة المطلب الروسي المزمن «وكذا الغربي أقله في المعلن» بانفكاكها عن جبهة النصرة، إلا أن ذلك اليأس كان قد بلغ ذراه القصوى عندما تلقت تلك الفصائل خبر إعلان النصرة انفكاكها عن تنظيم القاعدة الذي أعلنه أبو محمد الجولاني 27 تموز 2016 بالتهليل والترحيب وكأن متغيراً هائلاً قد حدث، كان ذلك المناخ «التهليل لقرار النصرة» قد دفع إلى حالة انصهار قوى مع النصرة ظناً من تلك الفصائل أن الفيتو الدولي الموضوع على هذه الأخيرة سيُرفع بمجرد أن أصبح اسمها «فتح الشام» فكانت غزوة أبي عمر سراقب ومن ثم غزوة إبراهيم اليوسف بقيادة جبهة النصرة لكسر الحصار عن أحياء حلب الشرقية وهو ما تحقق خلال مدة زمنية قصيرة كانت أقل من أسبوعين حيث سيستطيع الجيش السوري مرة أخرى إحكام طوق الحصار على مسلحي شرقي حلب يوم 4/9/2016 الأمر الذي شكل أرضية للوصول إلى اتفاق روسي أميركي يوم 9/9/2016 الذي كان يهدف إلى إيجاد مظلة دولية للمطلب الروسي وهو ما استدعى إسقاطه قبيل أن يدخل حيز التنفيذ على أيدي جنرالات البنتاغون الأميركي.
كان المتغير الكبير الذي حصل في تلك المرحلة دخول أنقرة بقوة على خط الأزمة السورية بعدما كان دورها قد تلاشى منذ صيف العام 2015 حتى لم يعد مرئياً، كان الإعلان عن العملية العسكرية التركية في الشمال السوري والمسماة «درع الفرات» يوم 24/8/2016 بضوء أخضر روسي ولربما بضوابط عديدة بقيت غير معلنة، الأمر الذي أضفى الكثير من الشكوك على النيات التركية في سورية ولربما كان في الأمر ما يدعو إليه قبيل أن تتهادى السياسات التركية ببطء نحو مهادها الروسية حيث سيشكل «إعلان موسكو» مطلع كانون الأول 2016 الطريق الحتمي للمسار الذي أفضى إلى 15/12/2016 أو إلى 22/12/2016 عندما أعلن الجيش السوري حلب مدينة خالية من المسلحين ومن الإرهاب.