«أردوغان بين الطريق المسدود والهامش الضيق»

«أردوغان بين الطريق المسدود والهامش الضيق»

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٨ يناير ٢٠١٧

 تحسين الحلبي

إن مقارنة موضوعية بين ما وصلت إليه تطورات الأزمة السورية في الأسابيع الماضية وبين ما وصلت إليه الأوضاع التركية لا تدل فقط على فشل وهزيمة المشروع الأردوغاني ضد سورية والمنطقة بل على عدد من النتائج السيئة على أردوغان.
1- في سورية تجري التسويات ومشاريع المصالحات بين الجيش والمسلحين بينما تزداد في تركيا حدة العداء والأعمال المسلحة بين مجموعات كان يدعمها أردوغان ثم تحولت إلى شن العمليات الإرهابية ضده مثل داعش وأمثالها وأصبحت تركيا ساحة يزداد فيها الإسلاميون المتشددون الذين ينشرون فكرهم الإرهابي بين الأتراك.
2- في سورية يتمتن التحالف الروسي- الإيراني- السوري ويضم إليه تأييداً من العراق بينما تتفاقم أزمة علاقات أردوغان بدول في الاتحاد الأوروبي مثلما تزداد مخاوف أردوغان من الشلل الذي سيصيب حلف الأطلسي بعد إعلان الرئيس الأميركي الجديد ترامب عن عدم وجود ضرورة لهذا الحلف. وعن سياسة أميركية جديدة لا تراهن على الإسلاميين أو الإخوان المسلمين في المنطقة وهو أي أردوغان الذي كان أوباما وهيلاري كلينتون قد راهنا على دور أساسي له ولحزبه منذ عام 2010 في دعم هذه الحركات في مصر وسورية وتونس والمنطقة…
وبسبب هذه التطورات الداخلية والخارجية التركية وتفاقم مضاعفاتهم على حكومة أردوغان أصبحت تركيا أمام طريق مسدود باتجاه أوروبا وباتجاه الولايات المتحدة بعد سقوط هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة وضاق بالتالي هامش مناورته على الساحة الإقليمية والدولية وربما لهذا السبب أعلن أردوغان في 22/11/2016 بموجب ما نشرته مجلة (كوميرسانت) الروسية بقلم (جورجي ستيبانوف) بأن أحد «الخيارات التي يجدها مناسبة له الآن هي التطلع إلى الانضمام إلى «منظمة شانغهاي للتعاون» كبديل من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي… وهو الذي يعرف الآن أن الاتحاد الأوروبي يعاني ورطة بسبب خروج بريطانيا واحتمال خروج دول أخرى مثل إيطاليا واليونان منه.. ولذلك يقول (ستيبانوف): إن أردوغان لا يفهم بشكل تام ما منظمة شانغهاي للتعاون التي تضم دول البريكس روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا ودولاً أخرى من غير مجموعة البريكس، ويذكر أن أردوغان أعلن عن رغبته هذه حين كان يزور أوزبكستان وباكستان.
كما أن أردوغان يدرك أيضاً أن أي تقارب يتوجه نحوه باتجاه موسكو وطهران وأي تجاوب مع هذا التقارب من موسكو وطهران لن يكون أبداً على حساب سورية والتخلص من كل ما ولدته سياسة أردوغان العدائية والتدميرية في سورية… والسؤال المطروح هو: هل يعتبر أردوغان نفسه قادراً أو قابلاً لدفع الثمن المطلوب منه بعد هزيمة مشروعه في حلب؟ وهل سيوافق على خريطة الطريق التي ستقترحها موسكو وطهران بالتنسيق التام مع سورية في اجتماع (استانة)؟ لا شك أن الأجواء الجيوسياسية الإقليمية والدولية التي سينعقد في ظلها اجتماع (استانة) بعد غياب أوباما وجون كيري وسياستهما التدميرية ضد سورية ستكون أفضل من أي أجواء سابقة وخصوصاً أن (أردوغان) أصبح بحاجة لموسكو ولطهران لإنقاذ ماء الوجه بعد هزيمة سياسته العدوانية ضد سورية، ومن ناحية أخرى لم يعد هناك مشروع بديل لحل الأزمة السورية إذا ما أخفق اجتماع (استانة) فترامب لن يعمل على إحياء خطة أوباما وجون كيري وهو الذي وجه الإدانة لهما في دعم داعش والإسلاميين وأعلن عن رغبته بالتخلص من هذه الخطة نهائياً وهذا ما يجعل من الصواب الاستنتاج بأن (أردوغان) ليس أمامه الآن في أستانة سوى إجراء تخفيض لسقف تطلعاته إذا ما قرر المحافظة على استمرار تقاربه مع موسكو وطهران، ويبدو أن حاجته لهما ازدادت كثيراً في الأسابيع الماضية وهما اللذان يمسكان «بقواعد اللعبة» في أستانة وفيما بعد «أستانة» وسيجد من مصلحته التجاوب معهما تجاه أهم مخاوفه في «الموضوع الكردي» فأوباما هو الذي تبنى هذا الموضوع في شمال شرقي سورية وقدم له الدعم المباشر بالقوة البشرية الأميركية وبشكل يناقض أهداف ومصالح موسكو وطهران… أما الثمن الذي يطالب أردوغان بدفعه لكي يحافظ على تقاربه وتطوير هذا التقارب مع موسكو وطهران فهو: التخلي الواضح عن أهدافه ضد سورية والعراق على السواء في كل ما يتعلق بسيادتهما على أراضيهما وهذا ما يؤدي إلى نزع كل الألغام التي زرعتها سياسة أردوغان في شمال سورية.