مساومات أستانة، وماذا بعد؟ .. بقلم: قاسم عز الدين

مساومات أستانة، وماذا بعد؟ .. بقلم: قاسم عز الدين

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٨ يناير ٢٠١٧

 يبدو أن تركيا قد اهتدت إلى طريقة تبدو فيها ممسكة بخيوط وفدها إلى أستانة، من دون أن تنفجر التناقضات بوجهها في المرحلة التحضيرية.

المجموعات التسع المقرّبة من أنقرة التي ستشارك في اللقاء، وافقت تحت الضغط التركي على الذهاب على الرغم من التهديد الميداني الذي تتعرض له من المجموعات الأخرى. وبضغط كبير من رئيس جهاز الاستخبارات التركية وخزنة أسرار رجب طيب اردوغان حاقان فيدان، وافقت على تنازل تركي إلى السعودية في قبول محمد علوش و"جيش الإسلام" لرئاسة الوفد.

مغريات لفظية كثيرة قدمتها أنقرة إلى المجموعات، فتشعّبت في اتجاه محاولة جذب المجموعات الخمس الرافضة وبينها أحرار الشام وجيش المجاهدين. إذ نُقل إليها على لسان الرئيس التركي أن تركيا لم تغيّر مواقفها من النظام في سوريا.

وتركت أنقرة لمجموعاتها أن تروّج على قلب رجل واحد أن أستانة هو فقط لبحث وقف اطلاق النار وتثبيت الهدنة. ثم تطرّق وزير الخارجية التركي لما سمّاه "لقاء تقني" في أستانة.

لكن المجموعات الخمس رفضت المشاركة لأن اللقاء هو تمهيد لحل سياسي غير واضح المعالم، بحسب تعبير المتحدث باسم "أحرار الشام" أحمد قره علي، والأهم في رفضها المشاركة هو الحذر من أستانة في استعجال مواجهة ضد "النصرة" التي تتحالف معها المجموعات الخمس أو تتواجد إلى جانبها في مناطق مشتركة.

ما يؤكد عليه أسامة أبو زيد بشأن عدم وجود خلافات بين المجموعات فيما بينها، هو محاولة للإيحاء بأن تركيا لا تسعى إلى تشكيل هيئة معارضة بموازاة السعودية في هيئة التفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض. كما أن تأكيده مع الآخرين بأن لقاء أستانة هو لتثبيت الهدنة ووقف اطلاق النار حصرياً، هو محاولة للإيحاء بأن تركيا يمكنها التهرّب من الالتزام بفصل "النصرة" عن المجموعات الأخرى، إذا لم يلتزم ببعض الشروط التعجيزية التي لم يتطرّق إليها من قريب أو بعيد الاتفاق الروسي مع المجموعات في أنقرة، ولا التفاهم الروسي ــ التركي ــ الإيراني في موسكو.

في هذا السياق، تتوحّد التصريحات التركية وتصريحات قيادات المجموعات المسلّحة ووسائل الإعلام الداعمة، على أن لقاء أستانة هو لتثبيت الهدنة حصرياً وهو امتحان لروسيا في الابتعاد عن إيران وسوريا بحسب سردية افتراضية تزعم أن روسيا قدمّت تنازلات إلى تركيا تعويضاً عن خسارتها حلب.

وفي هذا الصدد يطلّ وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بعد غياب طويل ليدلو بدلوه في الطاحون نفسه. لكن تحت هذه اللوحة الموحدة في الظاهر تتباين الغايات السعودية والتركية من ورائها. فالسعودية تراهن على مقايضة "النصرة" بحزب الله في سوريا قاصدة التصويب على إيران، وما تسميه النفوذ الإيراني في شؤون العرب بالإشارة إلى اليمن مقابل سوريا.

بينما تراهن تركيا على ما تصبو إليه من تحالف مع موسكو وإيران "ضد الإرهاب" أي مواجهة "وحدات حماية الشعب"، تمهيداً لمساعي فصل النصرة، ولا سيما أن الجيش التركي يتعرّض إلى حرب استنزاف في معركة الباب وفق وزير الدفاع.

على خلاف ما يصدر عن هذه الأطراف وعن وسائل الإعلام الداعمة، يتفق ميخائيل بوغدانوف في حديثه مع مساعد ستافان ديمستورا رمزي عزالدين  على أن لقاء أستانة هو "محطة لبناء الثقة".

وفي هذا الشأن يوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "أن تثبيت الهدنة هو أحد الأهداف برعاية روسية ــ تركية ــ إيرانية".

أما الأهداف الأخرى فهي بحسب ما أسهب في مؤتمره الصحافي بأن بناء الثقة "ستسمح بمشاركة المقاتلين على الأرض في التسوية السياسية". وهذا الأمر متصل بفصل "النصرة" وهو  المنطلق الأساس الذي تنطلق منه موسكو على الدوام في جميع المؤتمرات واللقاءات والمباحثات مع الدول المعادية لسوريا.

ولعل موسكو تأمل لهذه الغاية البحث في تشكيل مجلس عسكري مع بعض المجموعات المسلّحة لقتال "داعش" وعزل "النصرة" في مرحلة أولى، كما تسري بعض الإشارات عن هذه الفكرة في مباحثات موسكو والمجموعات المسلّحة في أنقرة.

بناء الثقة في أستانة متصل بأمر آخر في سياق البحث عن حل سياسي، هو قول لافروف "إن ما كان ينقص المفاوضات السورية هو القيادات الميدانية"، مشيراً بذلك إلى "ما يسمى الهيئة العليا للتفاوض"، وفق تعبيره بالنص.

ولمزيد من الحرص على عدم الالتباس يتهم الغرب باستغلال "النصرة" و"داعش" لمحاربة النظام في سوريا، لأن ممثلين عن الجيش والمعارضة تمكنوا من إجراء مصالحات خلافاً لرغبة "الهيئة العليا للتفاوض" بالانتقام وزعزعة الهدنة، كما يقول.

التجاذبات والمساومات التي سبقت أستانة تقف عند حاجز روسي ــ إيراني ــ سوري مكوَّن من تشكيل نواة مشاركة في التسوية من المجموعات القابلة للانفصال عن "النصرة".

وفي هذا الإطار لا تكون مباحثات جنيف المقبلة كما كانت سابقاً بين وفد الحكومة السورية ومؤتمر الرياض. ولا يكون الثقل للدول الغربية بقيادة واشنطن التي ترفض إيران دعوتها إلى أستانة كما قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف لزيادة إضعافها.
وربما بعد أستانة يكون على تركيا التي قفزت عن حاجز تشكيل وفد المعارضة، القفز عن حاجز أكثر ارتفاعاً وأشد صعوبة نحو دمشق من أستانة إلى جنيف.
المصدر: الميادين نت