إعلان لا يبدو ضرورياً!!!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

إعلان لا يبدو ضرورياً!!!.. بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الخميس، ٢٦ يناير ٢٠١٧

كأني بالأتراك والغرب عازمون على عدم الوقوف على ذروة ثابتة تحدد المدى الذي وصلت إليه خلافاتهم ففي أقل من شهر قام رجب طيب أردوغان باتهام الأميركان بدعم الإرهاب ودعم داعش 29/12/2016 وقد جاء هذا الاتهام الأخير في ظل مناخات داخلية (تركية) مشحونة وصلت بالعديد ممن هم بجوار مراكز القرار إلى حدود التساؤل عن جدوى بقاء قاعدة أنجرليك الأطلسية على الأراضي التركية بعد أن كان مولود جاويش أوغلو قد أعلن «أن القاعدة تركية وليست أطلسية 26/12/2016»، أما الذروة الجديدة فقد أعلن عنها الناطق باسم الرئاسة التركية 15/1/2017 في تصريح ناري لكن من عيار مختلف قلما يتم استخدامه وهو إن استخدام فإن نجاح مراميه يتوقف على عوامل عديدة بعضها غالباً ما يكون خارج سيطرة المستخدم، سيقول الناطق: «إن الغرب لم يغفر للأتراك فتحهم للقسطنطينية» وهذا هو الاسم القديم لمدينة استانبول الحالية التي كانت آنذاك رأس حربة متقدماً للغرب في المنطقة قبل أن يسقطها الأتراك 1453م.
استحضار العامل التاريخي في أي حدث يعني محاولة تعميقه وإعطائه أبعاداً لا يستطيع كم المعطيات المتوافر إعطاؤه إياها عبر تسليط الأضواء على الجذور التاريخية التي قد تكون ذات علاقة.
هذا التصعيد في الخلاف التركي- الغربي البادي على الأقل والذي وصل في حدوده المعلنة إلى القول إن أنقرة اليوم باتت تقف على مفترق طرق فيما يخص تحالفها التقليدي مع الغرب بما فيه عضويتها الناتووية وهو أمر دونه الكثير من المحاذير فتركيا من الناحية العملية هي القوة الضاربة الثانية بعد الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي إضافة إلى أن الموقع الجيوسياسي لتركيا فرض عليها سابقاً ولاحقاً دور الكابح للمد السوفييتي (سابقاً) وللمد الروسي لاحقاً باتجاه المياه الدافئة الشرق الأوسطية ناهيك بأن ذاك الموقع قد منح الجغرافيا التركية السيطرة على اختناقات مرورية هي غاية في الأهمية مثل مضيق الدردنيل ومضيق البوسفور.
لذا فإن كل ما سبق من شأنه أن يدفع الطرفين (الغربي والتركي) إلى العد حتى المليون قبل أن يقرر أحدهما فك ذلك الترابط الذي من شأنه أن يغير كثيراً في المعادلات العسكرية العالمية التي تشكل الحيز الأكبر في النظام الدولي القائم، وهو ما يطرح بقوة إمكان أن يكون التراصف التركي الحالي مخادعاً أو مرحلياً ولربما كان قائماً بالتنسيق مع الغرب حتى في الذرا التي يمكن أن يصل إليها، وما يدعم هذه الفرضية الحالية الزئبقية السياسية التي يعيشها رجب طيب أردوغان، إلا أن الأرضية الاقتصادية التي تقوم عليها تلك الذرا يمكن لها أن تؤدي إلى القول بهشاشة تلك الذرا وكرتونيتها كما تشي بسطحية الخلافات التركية- الغربية التي يتم تسليط الأضواء عليها بشكل كبير، فالبراغماتية تفترض أن الخلافات السياسية ما لم تكتوِ بأوجاع الاقتصاد وآلام الخسائر غالباً ما تكون ضعيفة أو من النوع الذي لا يخيف كثيراً تماماً كما حدث في حزيران 2016 الذي شهد المصالحة التركية الإسرائيلية بعد ست سنوات من القطيعة «الشكلية» التي أعقبت حادثة سفينة مرمرة 2010 فقد كانت محادثات عودة الأمور إلى مجاريها سهلة بشكل أكبر بكثير مما هو متوقع لها لسبب بسيط هو أن تلك القطيعة السياسية لم تكن مترافقة بقطيعة اقتصادية حتى إن علاقات البلدين الاقتصادية لم تتأثر بها على الإطلاق فيما يخص التوتر السياسي المرئي ما بين أنقرة والغرب.
تقول جميع المؤشرات أن العلاقات الاقتصادية لتركيا مع الغرب لم تتأثر حتى أن هذا الأخير الذي كان قد هدد بفرض عقوبات اقتصادية على أنقرة في أعقاب الممارسات التي ذهبت إليها السلطات التركية بعد انقلاب تموز الفاشل 2016 لم يذهب إلى تنفيذ تلك التهديدات على الرغم من أن النظام التركي قد أصر على المغالاة في تلك الممارسات بدءاً من كم الأفواه واعتقال الصحافة مروراً باعتقال المشتبه فيهم وصولاً إلى تسريح الموظفين الذين يشتبه في تأييدهم للانقلاب، صحيح أن التبريرات التي قيلت آنذاك هي أن الغرب لم يرد أن يدفع بتركيا إلى الارتماء بأحضان مجموعة دول البريكس أو دول آسيان وهي تبريرات مهمة في موازين التجارة العالمية إلا أن الصحيح أيضاً هو أن الغرب لم يدفع أيضاً نحو تعميق الخلاف أو قطع وشائج المصالح لجعل الخلاف السياسي القائم مجرد سحابة صيف وليس أكثر.
لكن بالعودة من جديد إلى استحضار أنقرة للعامل التاريخي في صراعها مع الغرب فإن هذا الأخير يطرح حزمة كبيرة من التساؤلات منها: إذا كانت أنقرة قد اكتشفت أن الغرب لم يسامحها على فتح القسطنطينية فها هي الآن قد اكتشفت، فما خياراتها لمواجهة ذلك الاكتشاف؟ ثم هل سامحها الروس أم إن هؤلاء كانوا استثناء من الغرب وللأمر إشكاليته؟
وإذا ما كان الميزان الذي تقيس به أنقرة سياساتها قد وصل إلى هذه الدرجة من الدقة (استحضار العامل التاريخي في الأحداث الراهنة) فلماذا لم تقل (أم إنها قالت ولم تعلق؟) إنها لم تسامح العرب على القيام بثورتهم عليها 10 حزيران 1916؟ أم إن الإعلان عن ذلك لا يبدو ضرورياً في ظل السياسات التي تتبعها أنقرة في كل من سورية والعراق؟