ترامب مع العرب تحت الإختبار!.. بقلم: وليد عوض

ترامب مع العرب تحت الإختبار!.. بقلم: وليد عوض

تحليل وآراء

السبت، ٢٨ يناير ٢٠١٧

رجل اسمه باراك أوباما يمضي ورجل اسمه دونالد ترامب يأتي ليحكم الولايات المتحدة والعالم. ديموقراطي يسلم أوراقه الرئاسية بعد ثماني سنوات من الإمساك بناصية السلطة ويفاخر بأنه صاحب المشروع الصحي أوباما كير أي أوباما الصحي، وجمهوري يخرق كل التوقعات ويهزم أول امرأة في معركة رئاسة الجمهورية منذ ثماني سنوات لحكم زوجها بيل كلينتون. فماذا قدم الأول للولايات المتحدة والعالم، وماذا عسى للثاني أن يقدم في السنوات الأربع المقبلة إذا لم تسقطه رصاصة في شرفة المسرح مثل ابراهام لنكولن أو رصاصة في مؤخرة سيارة مثلما حصل للرئيس جون كينيدي يوم 22 تشرين الثاني عام 1963؟؟

وعندما يكون هناك حديث عن رئيس أميركي جديد، فالأمر يتعلق بعلاقاته مع العرب، بدءاً من جمهورية مصر العربية وتيار جمال عبد الناصر. هكذا كانت الأجواء عام 2008 عندما دشن أوباما عهد الثماني سنوات بخطاب تحت قبة جامعة القاهرة يوم 10 حزيران، وبلغ التصفيق أعلى درجاته عندما تعهد بالانتصار لفكرة الدولتين المتجاورتين: اسرائيل والدولة الفلسطينية. وطرب العرب لهذا الحدث الجديد في تاريخ أميركا وتوقعوا صداقة أميركا كما هي لصداقة اسرائيل. فماذا جرى؟

لم تمض السنة الثالثة لولاية باراك أوباما في البيت الأبيض حتى انكشف القناع عن الوجه الأميركي الحقيقي، وبانت صداقة البيت الأبيض للادارة الاسرائيلية وكأنها الولاية الواحدة والخمسون لأميركا، وراح العرب يتخبطون في البحث عن رئيس عالمي جديد يحل مكان أوباما فوجدوه أولاً في شخص الزعيم الاشتراكي الفرنسي فرانسوا هولاند، وحين اكتشفوا أن هولاند وحده لا يفي بالحاجة فتحوا خطوطاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبذلك يضمنون وجود رئيسين دوليين الى جانبهم في مواجهة البيت الأبيض.
ولم يلبثوا مع ذلك كله أن أصيبوا بالخذلان. فالبيت الأبيض أصبح أكثر تطرفاً مع اسرائيل على ما هو عليه في عهود جون كينيدي وجيمي كارتر وبيل كلينتون، وألغى العرب أنفسهم معزولين عن المنافسة المطلوبة، ولم يكن أمامهم غير التفاهم الممكن مع البيت الأبيض، مرة بالحوار، وطوراً بخريطة الطريق التي فرشها وزير الخارجية البريطاني السابق طوني بلير وهو يتسلم رئاسة اللجنة الرباعية للسلام الاسرائيلي ــ العربي.

أسود في البيت الأبيض
برغم ان مقادير هذا البيت انتقلت الى يد افريقية المنشأ، سمراء السحنة، آتية في جذورها من كينيا الافريقية، لم يستطع العرب إحداث أي تعديل..
لقد اعتمد باراك أوباما على سياستين: واحدة فوق الطاولة أراد أن يغازل بها العرب، وأخرى تحت الطاولة أراد أن يحافظ فيها على صداقة اسرائيل. فالبيت الأبيض في الظاهر صديق العرب كما كانت حال الرئيس دوايت أيزنهاور في حرب السويس، وفي الباطن صديق لاسرائيل حتى ولو طلب منها الانسحاب من سيناء ولم تملك إلا الاستجابة.
بل حاول الرئيس جورج بوش الأول أن يكسب العرب الى جانبه وهو يوجه الى رئيس وزراء اسرائيل اسحاق شامير إنذاراً بوقف المساعدات المالية عن اسرائيل إذا عاند في حضور مؤتمر السلام في مدريد سنة 1991.
وجوه تغيرت في البيت الأبيض، وسياسة لم تتغير وهي الانتصار لاسرائيل إذا دعت الحاجة واقتضى الموقف. وهذا معناه بصراحة ان اسرائيل هي التي تدير سياسة البيت الأبيض، ولو تغيّر الجالسون في المكتب البيضاوي. وإذا كان أنصار الحزب الديموقراطي المعارض وفريق من المستقلين قد تظاهروا أثناء إلقاء الرئيس الجديد دونالد ترامب خطاب العرش أصيل الجمعة 19 تشرين الثاني الجاري.
ويدرك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ان البيت الأبيض يبقى هو الحاكم مهما تغيرت الصفة الحزبية، ومن أجل ذلك حرص وهو في نيويورك أن يلتقي الرئيس الجديد ترامب ويحاوره في موضوع السلام، فرأى في وجهه ابتسامة، وعلى لسانه كلمات طيبات، ولكنه لم يأخذ منه لا حقاً ولا باطلاً، وخرج من لقائه دونالد ترامب دون أن يأخذ منه أي وعد صادق بدعم جهود السلام بين العرب واسرائيل، وتقديم نفسه كرائد لهذا السلام. أي خرج كما يقول أخواننا المصريون من المولد بلا حمص.

والعرب الآن أمام سيل من التكهنات. فهل يسلمون قدرهم من بعد الله الى البيت الأبيض؟!
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز كان أول حاكم عربي يرسل التهنئة الى سيد البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب، ولا بد لهذه التهنئة أن تفتح فجوة في جدار العلاقات بين الرياض وواشنطن. وما كان الملك سلمان ليتقدم بهذه التهنئة لو لم يتشاور في أمرها مع باقي الدول الخليجية وهي رسالة الى اسرائيل بأن خط السلام في المنطقة، وتحديداً خط السلام الاسرائيلي ــ العربي يجب أن يمر من الكتلة الخليجية، سيدة البترول في العالم، ومن ثم الكتلة العربية الممثلة الآن في مجلس الأمن بمندوب الأردن الأمير زيد بن رعد الحسين. وصوت واحد أحياناً في أصوات الخمسة عشر مندوباً في مجلس الأمن قد لا يغني عن الأربعة عشر صوتاً الأخرى.

على كل حال لا يمكن الحكم إلا على النتائج.
فمستشار الرئيس الجديد، وهو العربي الدكتور وليد فارس لا يرى في التظاهرات المضادة للرئيس ترامب مشهداً منافياً للطبع الأميركي. فبلد مثل الولايات المتحدة يجب ألا يخفي تقاليده الديموقراطية، بل يتعين أن يقدمها الى العالم كنموذج للعمل الديموقراطي وأميركا أولاً، وعندما نقول ولايات متحدة انما نريد أن نشير الى الروح الديموقراطية في العالم. وكلما علا سقف الديموقراطية في الولايات المتحدة كلما زاد إيمان العالم بالسياسة الأميركية.

لعبة ترامب!
ذلكم هو الرأي المناصر للبيت الأبيض ظالماً كان أم مظلوماً. فماذا عسى الرئيس دونالد ترامب يفعل بعدما يمسك بأوراق البيت الأبيض؟
لقد ألزم ترامب نفسه بموقفين: واحد ضد كوريا الشمالية وآخر ضد إيران. في الحالة الأولى يكشر عن أنياب الحرب إذا مضت كوريا الشمالية في تخزين السلاح النووي واطلاق تجاربه بين الحين والآخر. وهذا تهديد للسلام العالمي لأنه تهديد للولايات المتحدة. وفي الحالة الثانية، أي ضد إيران، يضع لهذا البلد الآسيوي خطاً أحمر أمام انتاج السلاح النووي لأنه في النهاية حالة خطر على السلام العالمي، من خلال الخطر على الولايات المتحدة. وحادثة الغزو العراقي للكويت التي فاجأت الولايات المتحدة وأدخلتها العراق عام 1990 ليست ببعيدة عن الذاكرة.

لقد علّم ذلك الغزو العراقي للكويت أميركا ما هو معنى السلام وما هو معنى الحرب. ولئن كانت اليابان قادرة على بلوغ شواطئ البحر الهادئ في ميناء بيرل هاربر، فإن الولايات المتحدة بدورها قادرة على اختراق أفغانستان واغتيال أسامة بن لادن. وليس في الهموم قيام بعض المتظاهرين الأميركيين في واشنطن بإحراق مطاعم ماكدونالدز أثناء الخطاب الرسمي للرئيس الجديد دونالد ترامب. فاليد الأميركية أطول من واشنطن، وأبعد من أفغانستان.

وفي لبنان فإن تعطيل الحزام الناسف للانتحاري عمر العاصي قبل انفجاره داخل مقهى الكوستا في شارع الحمرا، وسوقه تحت القبضة الأمنية الى مستشفى الجامعة الأميركية ليل السبت الماضي، هو بحد ذاته انجاز يوازي التصدي لكتيبة اسرائيلية عند الحدود الجنوبية.
ونحن الآن أمام رجل اسمه دونالد ترامب ومخططه يستهدف إيران وكوريا الشمالية والمهاجرين غير الشرعيين، وإذا أنعمنا النظر في هذه الويلات الثلاث مجتمعة، أدركنا ما هي المخاطر التي تنتظرنا على عتبة 2017.

هل نحن مستعدون؟!
هل نحن على قدر المسؤولية كلاماً وفعلاً؟!
وأخشى ما نخشاه في هذا الخضم الأسود، خضم الارهاب، ألا نكون على مستوى يقظة القوى الأمنية فيسري علينا بيت الشعر:
رب يوم بكيت منه فلما
صرت في غيره بكيت عليه!