سر الصحافة.. بقلم: حسن م. يوسف

سر الصحافة.. بقلم: حسن م. يوسف

تحليل وآراء

الأحد، ٢٩ يناير ٢٠١٧

تبقى الصحافة من بين المهن الأكثر جاذبية في مجتمعنا السوري على الرغم من كل ما تحاط به من تشكك وتهكم، والحق أنه لا يمر شهر إلا وألتقي فيه عدداً من الطامحات والطامحين لدخول مملكة صاحبة الجلالة.
يعلم قارئي المتابع أنني سبق أن قلت بصراحة ووضوح إن كليات الآداب لا تخرج أدباء وكليات الصحافة لا تخرج صحفيين، فالدراسة الأكاديمية في مجال الأدب والصحافة غالباً ما تكون أشبه بالأصفار على الشمال، أي إنها تبقى عديمة القيمة إن لم تكن مسبوقة بالرقم الصعب الذي هو شعلة الموهبة المقدسة التي تتشكل مع الإنسان في بطن أمه وتأتي معه إلى هذا العالم.
والحقيقة أن الصحفي، كما أي كاتب آخر، يعيش حياته بكاملها «تحت خطر الإنهاء والإلغاء» لأن كل نص يكتبه هو بمنزلة إعادة امتحان له. وتعبيراً عن هذا الأمر كتبت في دفتر ملاحظاتي قبل سنوات: «قلت يوماً: أيها الصحفي مجدك يوم، وعارك إلى الأبد! أقول اليوم: يوم الحقيقة أبد».
صحيح أن الموهبة هشة وسريعة العطب بشكل يكاد يكون كارثياً، فهي أشبه بعود الكبريت، إن وفر له صاحبه الهواء والأغصان الناعمة والرعاية الدائمة ولم يتوقف عن إمداده بالحطب، يمكن له أن يتحول إلى نار عظيمة تهبه فرصة الاستفادة من نورها ودفئها وحرارتها، لكن الخطر يبقى قائماً ما بقي الموهوب حياً فإذا أمد نار موهبته بالحطب أكثر مما يجب وغفل عنها فقد تحرق بيته برمته، أما إذا أهملها فقد تنطفئ وتتحول إلى رماد! والموهبة المنطفئة كما عود الكبريت المحترق لا يمكن أن تشتعل مجدداً.
قبل بضعة أسابيع التقيت في أحد المراكز الثقافية صبية جميلة ترفل في بهاء عشرينياتها، كلمتني بصوت خفيض خجول، وبعد تلكؤ قالت لي إنها هي من أرسلت لي قصة عبر بريد الفيس بوك فأبديت إعجابي بها وامتدحت موهبتها وسلاسة أسلوبها وسلامة لغتها. قلت لها بجدية إنها شابة موهوبة والدليل على ذلك أنني لم أجد أي صعوبة في تذكر قصتها بعد ثلاثة أشهر من قراءتها. احتقن وجه الشابة بدماء الخجل وبعد لحظات من الصمت المرتبك خلت معه أن لقاءنا قد انتهى، قالت إنها تثق برأيي لذا تود أن تستشيرني في موضوع يخصها. وبعد تردد قالت بما يشبه الهمس إنها قد تلقت دعوة للعمل كمحررة ومقدمة في إحدى المحطات التلفزيونية.
تأملت الفتاة في ضوء كلامها السابق، فوجدت أن وجهها المريح الجميل ونبرة صوتها يؤهلانها للظهور على التلفزيون، إلا أن كلامها يشي بأنها بريئة أكثر مما ينبغي قلت لها: العمل في الصحافة يا عزيزتي مثل تربية الطفل، فالأم تعطي كامل حياتها لوليدها، ترضعه من صدرها وخفق قلبها وتسهر عليه إلى أن ينام، وإذا أزعجته الغازات وأيقظها هرعت إليه من دون تذمر، رغم نعاسها وإنهاكها، وربتت على ظهره إلى أن يتجشأ، وراحت تهدهده ناسية تعبها، وإذا ما فعلها تحته داعبته وقبلته وهي تمسح القذارة عن قفاه من دون أي شعور بالقرف!
أعتقد أن العمل في الصحافة فيه من العناء والمشقة والأشياء المنفرة والمزعجة أكثر مما في السهر على راحة طفل في عامه الأول. إلا أن الأم تستطيع من خلال حبها العظيم لطفلها أن تحول حياة العناء والشقاء التي تحياها إلى سعادة ما بعدها سعادة.
السؤال الذي يطرح نفسه على كل من يودون الانخراط في خدمة صاحبة الجلالة الكلمة: هل تحبونها كما تحب الأم طفلها الوليد؟ إن لم تكونوا كذلك فستجدون فيها الكثير مما لا يسركم!
نعم يا أصدقائي: «الحب هو السر».

الوطن