ما هو السر وراء تغير الموقف التركي في سورية؟.. بقلم: ميشيل حنا الحاج

ما هو السر وراء تغير الموقف التركي في سورية؟.. بقلم: ميشيل حنا الحاج

تحليل وآراء

الجمعة، ٣ فبراير ٢٠١٧

هذا التبدل المفاجىء  في الموقف التركي من الحرب الجارية في سوريا، وانتقالها من مرحلة المساهمة الجدية والكبرى في استدراج دول الخليج وغيرها لاشعال تلك الحرب، الى الانتقال للعب دور الفاعل  الجدي في تحجيمها، بل والتوصل الى اطلاق نار شامل فيها، اضافة الى السعي لتحقيق حلول سلمية لها عبر مؤتمر سلام قادم في آستانة  طاجاكستان… هذا كله كان فعلا مفاجئا للبعض الذي حاول تفهم الأسباب التركية الظاهرة لهذا التبدل، ولم يتعمق ليتفهم  السبب الجوهري الحقيقي الكامن وراءها، والذي كان مرده الادراك التركي المفاجىء لحقيقة الوقائع الجارية فعلا في المنطقة  تحت ستار ثورات الربيع العربي، وما تبعها بعد ثلاث سنوات من ظهور الدولة الاسلامية كقزم صغير في النصف الثاني من عام 2013،  ليصبح فجأة العملاق الأقوى بين تكتلات المعارضة المسلحة.
فتركيا وبعد سلسلة من التطورات، ادركت أخيرا أن ما يجري في المنطقة لم يستهدف سوريا والعراق فحسب، بل كان يستهدف تركيا بشكل رئيسي، لكونها العقبة الرئيسية في تحقيق الهدف الحقيقي لما يجري في المنطقة، وهو تنفيذ المشروع الأميركي لشرق أوسط جديد لكن بثوب جديد، والذي أحد ضحاياه  بل و أكبرها، هي تركيا ذاتها، اضافة الى سوريا والعراق وايران. فهذا الادراك الأردوغاني المفاجىء، هو ما شكل بداية تفكيك الأحجية، بل اللغز الذي كان غامضا الى حين، وحث تركيا على تبديل موقفها من الصراع بقوة 180 درجة.
والواقع أن الدور التركي في النجاح الذي حققته سوريا وحلفاؤها الروس والايرانيون في حسم معركة حلب بسرعة فاقت التوقعات، بات دورا معروفا، ويعززه مساعي  تركيا لتحقيق وقف اطلاق نار دائم بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة، اضافة الى التمهيد لعقد مؤتمر سلام في الأستانة كما ورد سابقا. لكن يتعذر على الكثيرين تفهم الأسباب والدوافع وراء هذا التبدل الغامض في الموقف التركي، خصوصا وأن تركيا كانت هي المحرك والمشجع، بل والمسهل لاشتعال تلك الحرب ابتداء من شهر آذار 2011.  فما كان بوسع دول الخليج مجتمعة، وغيرها من الدول الي آزرت المعارضة السورية كالولايات المتحدة وفرنسا ودول أخرى، أن تنجح في اشعال تلك الحرب، لو أبقت تركيا حدودها مغلقة في وجه مرور المقاتلين والأسلحة الى الداخل السوري.
وقد تأكدت قدرتها لاحقا (في نهايات عام 2014) على الحيلولة دون مرور المسلحين والأسلحة الى الداخل السوري، لدى وقوع معركة عين العرب (كوباني) ذات الأغلبية الكردية، عندما رفض أردوغان بعناد مرور الامدادادات العسكرية عبر الأراضي التركية الى المدينة ذات الأغلبية الكردية الواقعة  في الداخل السوري، والمحاصرة من قبل مقاتلي الدولة الاسلامية، مما اضطر الولايات المتحدة ازاء الرفض التركي المتعنت لفتح حدوده أمام مرور هؤلاء، لاستخدام سلاحها الجوي لارسال العون العسكري والطبي جوا للمحاصرين في كوباني، مما يرجح أهمية الدور التركي في فتح حدوده عندما يشاء فتحها، أو أغلاق حدوده  عندما يشاء اغلاقها.
ويقدر البعض وجود أسباب متعددة لهذا التبدل المفاجىء في الموقف التركي. ويعددون من بينها كأسباب أولية، وقبل أن ينجلي  الغموض حول الأحجية التي غلفت بها الولايات المتحدة مخططها الغامض، أن الرئيس اردوغان  قد ادرك أمرين هامين أولهما أن الحرب في سوريا قد باتت ماكنة لتفريخ الارهاب والارهابيين الذي أصاب بعضه تركيا ذاتها، اذ أثبتت العمليات الارهابية الأخيرة في تركيا ومنها عملية تفجير حفل زفاف في غازي عنتاب،  واغتيال السفير الروسي في أنقرة، والهجوم  على الملهى الليلي في اسطمبول في ليلة رأس السنة… هذه وغيرها أثبتت وجود خلايا ارهابية غير خلايا الKKD   تعمل في الداخل التركي وضد المصلحة التركية.  وفي حوار على قناة آر تي RT الروسية تطرق محلالان سياسيان تركيان هما أوقتاي يلمز وفائق بولوك الى وجود خلايا ارهابية عاملة في تركيا. وقدر ”يلمز″ قوتها بواحد الى اثتين بالمائة، بينما قدر فائق بولوك حجمها بين الثمانية الى 14 بالمائة. أما الأمر الثاني الذي قدره أردوغان فهو أن التدخل الروسي  المباشر في سوريا منذ الشهر التاسع عام 2015،  أدى الى تبدل جوهري في مجريات تلك الحرب، مما دفع الرئيس التركي للسعي لتحسين علاقاته بروسيا عبر الاعتذار لها عن اسقاط طائرتها.
وشجعته  أسباب متعددة أخرى على التوجه نحو زيادة التنسيق مع روسيا، كان أدناها كما بدا للعيان للوهلة الأولى، التحرر من العقوبات الاقتصاية التي فرضتها روسيا على تركيا، لكن أهمها احساس الرئيس التركي  بالحاجة للتنسيق مع روسيا ودول أخرى في شرق آسيا، بعد أن شعر بتضاؤل احتمالات تحقق التنسيق الاقتصادي مع دول الاتحاد الأوروبي، بل وقبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي، أو حتى مجرد السماح للأتراك بدخول أوروبا بدون تأشيرة مسبقة كما نص الاتفاق  المتعلق بمرور اللاجئين من تركيا الى الدول الأوروبية.
فتناقض بعض المصالح بين دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جانب، والمصلحة التركية من جانب آخر، أخذ يتجلى بوضوح أكثر للرئيس أردوغان الذي أدرك أخيرا بأن عليه التوجه شرقا وليس غربا كما تطلعت تركيا على مدى سنوات طويلة، اضافة الى ادراكه أخيرا بعدم جدوى الحرب في سوريا بعد التدخل الروسي الذي كما سبق وذكرت، قلب الموازين العسكرية وجعل انجاز نصر عسكري على النظام السوري القائم، بات أمرا يكاد يكون متعذرا ان لم يكن مستحيلا.
وعزز مخاوفه من دول الغرب، كما بدت في الطفرة الأولى لتفهم التبدل في الموقف التركي، وقوع محاولة الانقلاب العسكري، وانتقادات دول أوروبا للاجراءات المتشددة التي اتخذتها تركيا بحق الانقلابيين، ولجوء الولايات المتحدة لحماية فتح الله غولن الذي اتهمه أردوغان بكونه المخطط للانقلاب الفاشل.
ولكن هذه الأسباب المتعددة رغم كثرتها، ما كانت مجتمعة أو منفردة، ستردع تركيا عن المضي قدما في اشعال الحرب في سوريا وفي صب الزيت على النار في أراضيها، بسبب المنافع المادية الكبرى التي كانت الحرب تدرها على تركيا، والمتمثلة بدعم مالي من دول الخليج، وآخر من دول الاتحاد الأوروبي التي تدفع أيضا مليارات اليورو كتعويضات لها علاقة بقضية اللاجئين. أضف الى ذك ازدهار الاستثمار الخليجي في تركيا، وكذلك تنامي عملية تصدير البضائع التركية لتلك الدول، اضافة الى الاقبال الخليجي على السياحة في تركيا. لكن سببا جوهريا آخر أخذ في التبلور، بات يقف في طريق المضي  قدما في تغذية تلك الحرب، بابقاء الحدود التركية مفتوحة امام دخول وتدفق المقاتلين والأسلحة على المعارضة المسلحة في الداخل السوري.  وكان السبب الجوهري الآخر في تبدل الموقف التركي، هو ملاحظة أردوغان لوجود تناقض جوهري بين النظرتين التركية والأميركية حول التوجه الكردي. حيث بات واضحا على ضوء المسلك الأميركي، سعي الولايات المتحدة لتشكيل دولة كردية مستقلة في المناطق الكردية الواقعة في كل من سوريا والعراق وايران وتركيا.
فالتوجه الكردي نحو الاستقلال، بات يحظى بتأييد ودعم واضحين من قبل الولايات المتحدة،  وهو تأييد لم يعد يقتصر على التأييد السياسي والمعنوي، اذ اتحذ شكل الدعم العسكري المكشوف الذي تمثل بتدريب الأكراد عسكريا، وتزويدهم بالذخيرة والسلاح  والخبراء، كما تمثل بصورة واضحة بتشكيل جيش سوريا الدمقراطي ذو الغالبية الكردية، الذي سرعان ما بسط نفوذه على شمال سوريا، وحرر مناطق واسعة فيها من مقاتلي الدولة الاسلامية بما فيها مدينة منبج الاستراتيجية.
وكانت هناك بوادر سابقة توحي بتواجد دعم اميركي وحماية خاصة للاكراد، تميزت بها مواقف أميركية سابقة في كيفية الدفاع المتميز عن الأكراد كلما تعرضوا لخطر الدولة الاسلامية.  وقد تمثل ذلك بشكل واضح في كيفية دفاعهم عن اربيل عندما سعت الدولة الاسلامية لمحاصرتها في حزيران (يونيو) 2014. وتكرر النهج ذاته لدى محاصرة الدولة لمدينة كوباني  ومن ثم لجبل سنجار والقرى الأزيدية المحيطة به.
فهذا التطور الذي أصبح ملموسا وواضحا ومتجها نحو التزايد والتنامي خصوصا بعد تشكيل جيش سوريا الديمقراطي، بات يشكل تناقضا واضحا مع المصلحة التركية التي تحارب بضراوة ومنذ عدة سنوات، حركة التمرد الكردية في ديار بكر والمناطق الكردية الواسعة في جنوب شرق تركيا المجاورة للحدود السورية، حيث سعت تركيا دون جدوى على مدى سنوات، لانشاء منطقة تركية عازلة في شمال سوريا، ولم تفلح في ذلك، واذا بجيش سوريا الدمقراطي، بدعم أميركي، يحقق ذلك الآن فجأة وبسرعة فائقة، فيحرر نسبة عالية من مساحة الشمال السوري، ويخضعها  لسيطرته تمهيدا لاعلانها قريبا منطقة كردية ذات استقلال ذاتي وهو ما تخشاه تركيا كثيرا.
فتركيا التي تقاتل  منذ عدة عقود، التمرد الكردي في جنوب شرق تركيا، باتت الآن تخشى أن يحظى هذا التمرد الكردي أيضا بدعم سري وربما تسليحي، خصوصا اذا تشكل الكيان الكردي(بحكم ذاتي) في شمال سوريا، وبعد اعلان الولايات المتحدة عن تشكيلها جيش سوريا الدمقراطي، ما كشف عن تزايد تعاطفها  مع الحركة الكردية الساعية لاعلان استقلال كردستان الكبرى عاجلا أو آجلا.
 وهنا شرع الرئيس بوتين في ممارسة قدراته على التخطيط بمكر لزيادة الهوة بين الطرفين. ففي الوقت الذي غض فيها بوتين الطرف عن نشاط جيش سوريا الدمقراطي في الشمال السوري وعن سرعة انتشاره في تلك المنطقة، حث الجيش التركي (تحت شعار استخدام جيش سوريا الحر)، على الشروع بعملية درع الفرات انطلاقا من منطقة جرابلس،  مع التوجه نحو مدينة الباب التي باتت الآن محور صراع بين عدة أطراف حول من يحررها من مقاتلي الدولة الاسلامية، وبالتالي يسيطر عليها.
وفي الوقت ذاته، كشف الرئيس بوتين للرئيس أردوغان الأبعاد الحقيقية للمخطط الأميركي في المنطقة، وهو المخطط الساعي لبعث مخططها القديم في انشاء شرق أوسط جديد لكن هذه المرة، بثوب جديد، لا يتنافى مع القوانين الدولية والاعتراضات الدولية التي شابت مخطط الشرق الأوسط القديم، والذي تضمن آنئذ سعيا لتفتيت دول المنطقة الى دويلات، خلافا لرغبات شعوب تلك الدول، وذلك تنفيذا لخرائط برنارد لويس لشرق أوسط جديد، كما وسط جدوضعها”لويس″ في مطلع التسعينات، ليستعاض عنها منذ نهايات التسعينات، مع وصول اليمين الأميركي المتطرف الى السلطة، بتقسيمات أخرى  لشرق أوسط جديد، شملت تقسيم عدة دول الى دويلات بما فيها السعودية التي أراد رالف بيترز(المفكر للمحافظين الجدد) تجزئتها الى اربع دول صغيرة، وكشف عن خطوطها عبر مقاله الشهير بعنوان “حدود الدم”.. قاصدا به تأكيد الرغبة في تحقيق هذه الحدود الجديدة حتى لو اقتضى الأمر اراقة الدماء في سبيل تنفيذها…وجاء بعد عام واحد رفيقه “جيفري كولدبرج” قائد آخر من قادة المحافظين الجدد، ليرسم تقسيمات أخرى لدول أو دويلات المنطقة، وذلك في سلسلة مقالات نشرها في مجلة اتلاتنتيك، وتضمنت المطالبة بتأسيس دولة في جنوب السودان وأخرى في سيناء.
ومن هنا، وبعد فشل المحافظين الجدد في تكريس تقسيم العراق رغم غزوه عام 2003، وما أفرزته عملية الغزو من امتعاض العديد من الشعوب والدول، وجد ألأميركيون أنفسهم مضطرين للجوء الى وسيلة أخرى لتفتيت دول المنطقة، وهي وسيلة لا تتناقض مع القوانين الدولية بل تتماشى معها، حيث أنها عمليا (أي هذا النهج الجديد) انما يساعد الآن شعبا (هو الشعب الكردي) الذي خضع طويلا لحكم دول أخرى وشعوب أخرى خلافا لارادته ولرغبته…يساعده على الحصول على الاستقلال وتأسيس دولته القومية التي طالما تطلع اليها ورغب فيها.
ولكن الولايات المتحدة على أرض الواقع، تحت هذا الشعار، تمزق عمليا وتقتطع مساحات واسعة من أراضي أربع دول رئيسية في المنطقة هي العراق وسوريا وايران وتركيا التي تتواجد أجزاء من كردستان الكبرى على أراضيها، والتي تخطط الولايات المتحدة لاعلانها دولة مستقلة في المستقبل القريب. فمن أجل ذلك سعت لاشعال الفوضى في المنطقة (عوضا عن الغزو المباشر للدول) تحت شعار الربيع العربي، كما عملت على انجاح تنامي قوة الدولة الاسلامية امعانا في ازدياد حجم “الفوضى الخلاقة” كما تسميها الولايات المتحدة وتسعى للاستعانة بها، وفي ظلالها، لانجاز مخططها ذاك في المنطقة.
فالولايات المتحدة على أرض الواقع، ليست معنية حقا باسقاط ما وصف بحكم دكتاتوري في المنطقة هو الحكم في سوريا، علما أن معظم انظمة الحكم القائمة في المنطقة هي أصلا انظمة دكتاتورية. كما لم تكن نهاأمعنية باسقاط نظام الممانعة الذي سيسقط تلقائيا عندما يتحقق مشروعها بتأسيس كردستان المستقلة التي ستكون حليفة لها في شمال منطقة الشرق الأوسط، لتشكل الجزء الآخر من فكي كماشة متواجد أحدهما في جنوب المنطقة ممثلة باسرائيل ربيبة الولايات المتحدة.
واذا نظر المراقب بعين ثاقبة، يصبح  قادرا على التساؤل عن الأسباب التي حالت دون اشعال طفرات ربيع عربي في المغرب العربي، في الجزائر، في موريتانيا، في السودان، في جيبوتي، في الصومال  وجزر القمر، بل وفي أي من دول الخليج، (أو حتى اشعال حرب أهلية في مصر وتونس، علما أن الحرب الأهلية في كل من اليمن وليبيا لها أسباب أخرى مضمونها تصفية حسابات). فالفوضى الخلاقة في هذه الدول البعيدة تماما عن المناطق الكردية، ما كانت ستحقق فائدة، أو تصبح ذات جدوى في تحقيق مشروع كردستان الكبرى، تنفيذا لمشروع الشرق الأوسط الجديد لكن بثوب جديد.
وقد لا تكون روسيا الاتحادية وكذلك دول المنطقة التي تضم مناطق كردية، معارضة تماما لمشروع حصول الأكراد على استقلالهم. وكان العديد من الكتاب قد حثوا دول المنطقة على منح الأكراد استقلالهم بالتوافق والتراضي دون الحاجة لخوض نزاعات مسلحة. فالاعتراض ليس على حصولهم على الاستقلال الذي هو حق لهم، بل على حصوله تنفيذا لمخطط أميركي لا يسعى لتحقيق مصلحة الأكراد، قدر ما يسعى لاحتوائهم  وتطويعهم عملاء ينفذون  مصالح الدولة الأميركية وحليفتها اسرائيل.
 ويرجح ذلك  التوجه أن العراق قد منح الأكراد استقلالا ذاتيا، واتجهت سوريا لمنحهم أيضا نوعا من الاستقلال الذاتي، فتركت جماعات الحماية الكردية تدير شؤون البلاد في الشمال السوري دون اعتراض رسمي. وقد لا تكون تركيا ذاتها لديها اعتراض على منح الأكراد مستقبلا مزيدا من الحرية والمراعاة لبعض حقوقهم القومية  كخطوة نحو تطور مستقبلي لمنحهم حكما ذاتيا في مرحلة لاحقة.  فكل ما يثير الشك والتساؤل هو الأهداف الأميركية الحقيقية وراء نهجها المتسربل بجماية حقوق شعب ما عل حساب حقوق شعوب أخرى.
فهذا الوعي المفاجىء لدى تركيا، هو الذي استدعى تعزيز التنسيق الروسي التركي، بل وتوسيعه ليشمل ايران، والذي كرسه المؤتمر الذي عقد في طهران وضم وزراء خارجية ودفاع كل من ايران وتركيا وروسيا، وباركته سوريا، وقد تباركه العراق لاحقا عندما تنقضي حاجتها للتحالف الأميركي ولدوره في مقاتلة الدولة الاسلامية في الموصل. فهذه الدول باتت تدرك أن سوريا والعراق ليستا المستهدفتان الوحيدتان، بل ايران وتركيا أيضا مستهدفتان بالمخطط الأميركي الساعي لتحقيق شرق أوسط جديد بثوب جديد يطبق الخناق على دول المنطقة، بل وعلى روسيا الاتحادية أيضا، بايجاد حليف جديد مؤكد لها، تماما كاسرائيل، لكنه أكثر قربا من الحدود الروسية من الحدود الاسرائيلية البعيدة نوعا ما عن حدود روسيا الاتحادية.
فهل يفهم السادة القراء بعد هذه الاطالة في الشرح والايضاح، ما هو المقصود بالفوضى الخلاقة؟ ولماذا وقع الربيع العربي في دول عربية دون أخرى، ولماذا استهدف ما سمي بدكتاتورية ما، وأهمل العديد من الدكتاتوريات الأخرى، بل والمعروف بعضها بشراسته المغرقة في بشاعتها؟  هل..هل…هل.. فالسبب الكامن وراء هذه الأحجية التي كانت غامضة، هو مشروع الشرق الأوسط الجديد، لكن بثوب جديد.
مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.
عضو في مركز الحوار العربي الأميركي – واشنطن.
عضو في اتحاد الكتاب والمفكرين الأردنيين.

رأي اليوم