ترامب: عزل إيران أولاً!

ترامب: عزل إيران أولاً!

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٧ فبراير ٢٠١٧

بيروت – محمد عيد

أيهما قرر أن يستدرج الآخر إلى المواجهة أولاً: الولايات المتحدة الأميركية أم الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
لاشك أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب جعل من موضوع الاتفاق النووي الإيراني-الغربي المُصدق عليه دولياً مادة هجومية أثناء حملته الانتخابية ضد منافسته «الديمقراطية» هيلاري كلينتون، وهو بذلك كان يتعمد التركيز على ضعف إدارة أوباما الديمقراطية في صياغة وتوقيع اتفاقيات دولية جعلت من بلاده طرفاً ضعيفاً ومذعناً لقوى إقليمية صاعدة، وذلك بهدف تقديم نفسه الرئيس القوي الذي سيستعيد هيبة أميركا بدءاً من العمل على نقض هذا الاتفاق ومن ثم تمزيقه!
ربما كانت تأمل القيادة الإيرانية أن يمحو فوز ترامب ووصوله إلى البيت الأبيض شعارات حملته الرئاسية أو أن يعدلها على الأقل، لكنها في الوقت ذاته وعلى لسان مرشدها السيد علي الخامنئي ردت على هجوم ترامب بالإعلان عن حرق الاتفاق المذكور في حال تمزيقه، وهي بذلك كانت تحاول حصر هذا السجال السياسي-الإعلامي بمرحلة الانتخابات كما أنها كانت تبعث برسائل عالية النبرة ترفض التفكير باستضعاف إيران أو التقليل من شأنها على المستويين الدولي والإقليمي. إضافة إلى أن القيادة نفسها التي كانت تتابع لحظة بلحظة تطورات التنافس الانتخابي الرئاسي الأميركي، أسَّرَ بعض دبلوماسييها الرفيعين خلال زياراتهم إلى دول المنطقة بالإمكانية المتقدمة لفوز ترامب بهذه الرئاسة وبالتالي الدعوة إلى الاستعداد لمواجهته أو مواكبته وذلك وفقاً لأدائه اللاحق المنتظر. ولم يمضِ وقت طويل حتى تبين أن ترامب يميل حالياً إلى تجاهل داعش والقاعدة والنصرة والتنظيمات الإرهابية كافة التي تهدد السلم والأمن الدوليين فعلاً، وأنه يراعي مصالح بعض الممالك والمشيخات الإقليمية التي أنتجت وأوجدت هذه التنظيمات، وأن أولى أولوياته التفرغ حصراً لتهديد إيران ومواجهتها ومعها بالطبع دول وقوى محور المقاومة.
على هذا الأساس، تبدو التجربة الصاروخية البالستية الإيرانية استدراجاً سياسياً استباقياً لترامب تحت سقف القانون الدولي، فالقرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الرقم 2231 عام 2015 دعا إيران إلى تجنب إنتاج صواريخ بالستية ذات وظائف نووية ولكنه لم ينص صراحة وبدقة على منع أي جهود لإنتاج مثل هذه الصواريخ، وبالتالي لن يجد ترامب في القانون الدولي ما يسمح له بمقاضاة طهران دولياً ما سيدفعه إلى العودة إلى السياسة الأميركية الممجوجة التي سبق أن استعملتها إدارات سابقة ضد إيران وسورية ودول وقوى أخرى ناهضت السياسات الأميركية وهي فرض حظر ما أو عقوبات أحادية بهدف عزل هذه الدولة أو الجهة المستهدفة، وهو أمر لم يعد بالإمكان تحقيقه في الحالة الإيرانية تحديداً بعد نجاح طهران في الاستفادة المكثفة خلال السنة الفاصلة بين توقيع الاتفاق النووي وانتخابات الرئاسة الأميركية لجهة تعميق شراكتها مع دول عظمى مثل روسيا والصين وغيرها وتجذير تحالفاتها مع دول فاعلة إقليمياً مثل سورية والعراق واليمن وقوى مقاوِمة مؤثِرة في ساحة الصراع ضد المشاريع الأميركية والصهيونية مثل حزب اللـه والفصائل الفلسطينية الشريفة.. لعل ترامب استلهم رؤيته لعزل إيران أولاً من قراءة نشرها جيف بوش ودينيس روس المعروفين بميولهما الصهيونية في موقع «تايمز ماغازين» كما نشرتها «مؤسسة واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» في السابع عشر من شهر كانون الثاني الماضي، حيث عددا بضع خطوات لعزل إيران تبدأ برسم خطوط حمراء لما سمياه «تحرشات» الحرس الثوري الإيراني بالبحرية الأميركية في مياه الخليج مروراً بضرورة العودة لفرض حظر على تحركات القيادات الإيرانية الفاعلة كالحاج قاسم سليماني ولا تنتهي بضرورة الضغط على الحكومة العراقية لمنع إيران من استخدام أجوائها لنقل السلاح والمعونات لحلفائها في المنطقة.
الظاهر أن إيران هي المستهدف الأول والوحيد لكن المستبطن أننا أمام معركة جديدة في حرب واشنطن وحلفائها لإعادة فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد عبر تركيع دولة المركز في محور المقاومة بعد ما تم إسقاط هذا المشروع في لبنان وغزة والعراق وسورية.
على أي حال، ترامب أمام تحدٍ خطير، فإذا تمكن من تنفيذ تهديداته يكون قد قاد العالم إلى حرب لن ينجو منها أحد، وإذا تراجع يكون قد أسقط فعلاً هيبة أميركا وأنهى نفوذها القليل المتبقي في منطقتنا.