سورية الموحدة... ضرورة روسية.. بقلم:علوان نعيم أمين الدين

سورية الموحدة... ضرورة روسية.. بقلم:علوان نعيم أمين الدين

تحليل وآراء

الأربعاء، ٨ فبراير ٢٠١٧

تحتل سوريا موقعاً متميزاً في الرؤية الروسية الجديدة، والحديث عن موقف روسي، أو موافقة ضمنية، على تقسيمها قد يتضمن عدم إحاطة كاملة بموقع دمشق بالنسبة إلى موسكو لاسيما على المستويات الاستراتيجية والجيوبوليتيكية والدولية.

- إنّ أول ما يمكن الحديث عنه هو أنّ قبول روسيا بتفكيك دولة ما قد ينعكس عليها سلباً لا سيما وأنها هي نفسها مكونة من عدد من الجمهوريات والعرقيات والاثنيات والديانات.

- إنّ تبنِّي روسيا للنظرية "الأوراسية"، والتي بدأ تطبيقها بالفعل مع إنشاء الاتحاد الأوراسي، يحتم على الادارة القائمة في موسكو الابقاء على سوريا موحدة لاسيما وانها تشكل جزءاً اساسياً من "حافة اليابسة" الذي يحمي "قلب العالم". فإن أي "تشققات" تصيب هذه الحافة، سيكون ارتداده سلباً على روسيا نفسها.

-تعتبر سوريا آخر شاطئ لروسيا على المتوسط، وخسارته تعني الكثير لها. فهي من أجل الابقاء عليه، قامت بتوقيع اتفاقية جديدة مع الحكومة السورية فيما يخص ميناء طرطوس بشكل يضمن بقاءها فيه مستقبلاً. إلى ذلك، تقوم روسيا بتوسيع نفوذها على المتوسط بالسعي إلى ضم دول جديدة لمشروعها، مثل تركيا ومصر، وإنشاء قواعد عسكرية جديدة، في قبرص.

- لن تبدأ روسيا مشروعها الأوراسي بالفشل، خصوصاً وأنها تعلق عليه الكثير من الآمال. إن فشلها في سوريا قد يؤدي إلى نشوء العديد من المخاوف لدى بعض الدول المنضوية في المشروع أو المرشحة للانضمام إليه.

- إنّ قبول روسيا بالتقسيم سيعد خسارة لمكاسبها التي حققتها وهذا، بالنظرة الاستراتيجية، يعد خطأ كبيراً لاسيما بعد التحولات المهمة التي أفرزتها. لقد تركت الازمة السورية تداعيات كبرى ليس فقط على الواقع الاقليمي، بل الدولي أأأيضاً لاسيما وأنها قد أظهرت بوضوح التصدُّع الذي أصاب النظام العالمي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1992 وأسست، مع غيرها من التداعيات، لبداية تشكيل نظام عالمي "جديد" لم تظهر ملامحه بالكامل بعد.

2-.بالنسبة لسوريا
- إنّ قصف الطيران السوري لمناطق كردية، بعد الاشتباكات التي وقعت بين قوات "الأسايش" الكردية وقوات الدفاع الوطني في آب/اغسطس 2016، لا يمكن فهمه بالتكيتك فقط بل بالاستراتيجيا، حيث أرادت سوريا إيصال رسالة مفادها بأن قيام كيان كردي مستقل غير مسموح به. إنّ هذا الاستهداف لا بد أنّه تم بتفاهم مع الروس أنفسهم وتحديداً القاعدة الجوية في حميميم. فلو لم تكن موسكو راضية عن هذه العملية، لتدخلت ومنعتها بطريقة أو بأخرى خصوصاً وأن الاجواء السورية تقع تحت مظلة الصواريخ الروسية بالكامل.

- في الشق الميداني العسكري، إنّ الحديث عن "سوريا الآمنة" ليس سوى مرحلة أولى من مراحل تحرير المناطق البعيدة وليس الهدف "تأمين" المناطق المفيدة فقط، وما يفسر ذلك على أرض الواقع غارات القاذفات الروسية، لاسيما الاستراتيجية منها، على المناطق التي تعتبر خارج هذه المعادلة كدير الزور مثلاً. إنّ "سوريا الآمنة" لم تكن سوى مقدمة الهدف منها الابقاء على المناطق الحيوية الاساسية تحت السيطرة.

- لقد كان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف واضحاً من مسألة المناطق الآمنة حيث رمى الكرة في الملعب السوري رابطاً موافقة روسيا على هذا الحل بموافقة سوريا نفسها عليه وهو ما يعتبر امراً مستبعداً إلى حد كبير جداً. إضافة إلى ذلك، يمكن القول إنه من الصعب على روسيا أن "تُخدع" مرة أخرى في سوريا كما حصل في ليبيا وتوافق على إقامة مناطق آمنة قد تكون مقدمة لتفكيكها.

- يرى بعض الكتَّاب بأن طرح روسيا لفكرة الفدرالية في سوريا ليس سوى سعي لإرضاء الأطراف المعارضة بالتحديد من اجل ايجاد صيغة توافقية تضمن الابتعاد عن فكرة التقسيم، خصوصاً وأنها قد أجرت الكثير من اللقاءات مع الأطراف بشكل جدي من أجل الاعداد لاجتماعات مشتركة هدفها إنهاء الأزمة، يتزامن ذلك مع عقد المصالحات التي أنهت العديد من بؤر التوتر.

3-بالنسبة للشركاء الاقليميين
- إنّ تقسيم سوريا سيؤدي بالتأكيد إلى قيام كانتونات مذهبية وعرقية، مما سيرتد سلباً بالتأكيد على علاقة روسيا بكل من إيران وتركيا خصوصاً إذا ما سمحت الفرصة للأكراد، على سبيل المثال، بإقامة منطقة نفوذ خاصىة بهم لما لها من تأثيرات على داخل الدولتين.

- إنّ العودة للحديث عن مناطق آمنة في سوريا يصب قسم منه في "دغدغة" تركيا مجدداً ودفعها إلى الانقلاب على إتفاقاتها مع روسيا بعدما وافقت على مبدأ وحدة الأرض السورية. من هنا، يرى الكثير من المحللين بأن الدخول التركي في سوريا كان أحد تداعيات اللقاء الذي جمع بين الرئيسن الروسي والتركي في انقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2016 حيث تصدرت الازمة السورية الجلسات. وما يفسر ذلك أنّ التدخل التركي، لاقامة مناطق عازلة، كان مطلباً مطروحاً منذ بداية الأزمة السورية لكن التدخل لم يتم.
فلماذا جاء هذا التدخل بعد ذاك اللقاء؟ من هنا، يمكن القول بأن "السماح" الروسي بالتدخل التركي ليس الهدف منه سوى إشراكه في الحرب على الارهاب والضغط عليه، عبر "توريطه" في الحرب، لوقف عمليات تسلل المجموعات الارهابية عبر أراضيه.

4-بالنسبة للقوانين والقواعد الدولية
- بالعودة إلى المؤتمرات الكثيرة التي عقدت من أجل حل الأزمة السورية، يمكن قراءة الموقف الروسي المطالب دائماً بوحدة الاراضي السورية. ولقد برز مؤخراً من خلال تأكيدها مع كل من تركيا وايران، ضمن مقررات مؤتمر استانة في كانون الثاني/يناير 2017، على ضرورة الالتزام الكامل بمبدأ وحدة الأراضي السورية.

- تعتبر روسيا من المنادين بتطبيق قواعد ومقررات مؤتمر وستفاليا، والتي يكمن أهمها في الحرص على احترام وسلامة حدود الدول وسيادتها، في محاولة منها لوقف اندفاعة المشروع الأميركي، الذي تبلور على أيدي المحافظين الجدد، من خلال تكريسه لعدد من المبادئ أهمها الحربين الاستباقية والوقائية، وتغيير الأنظمة.

- إنّ رفض روسيا مغادرة الرئيس السوري للحكم قبل انتهاء ولايته يقع في هذا المحل إذ أنها تعتبره رمزاً لوحدة البلاد، إضافة إلى عدم الرغبة في مخالفة قواعد القانون الدولي، وتكريس هذه الواقعة كسابقة دولية يمكن أن تستخدم في المستقبل،قد تكون المصالح مكاناً للمشاركة والتقسيم، لكن تقاسم الجغرافيا خطير جداً. ليس أمام روسيا إلّا وحدة سوريا.