لماذا يربط الأميركيون استكمال تحرير الموصل بتحرير الرقة؟

لماذا يربط الأميركيون استكمال تحرير الموصل بتحرير الرقة؟

تحليل وآراء

الأحد، ١٢ فبراير ٢٠١٧

شارل أبي نادر - عميد متقاعد

دائما يربط الأميركيون استكمال تحرير مدينة الموصل وما تبقى من أماكن لسيطرة داعش في نينوى العراقية بتحرير مدينة الرقة السورية من التنظيم الارهابي، وذلك خلال تصريحات أغلب مسؤوليهم السياسيين والعسكريين، عند تناول هؤلاء مسألة محاربة الإرهاب بشكل عام وداعش بشكل خاص، وهم (الأميركيون) يجهدون دائما للتواجد السياسي والديبلوماسي والعسكري أحيانا، في المناسبات أو الأمكنة التي من خلالها يستطيعون التأثير في المعركة الواسعة ضد التنظيم المذكور.

هذا الربط بين تحرير المدينتين والذي يخلقه الأميركيون ويحاولون فرضه بمختلف الوسائل، يتناقض في الحقيقة مع عدة وقائع ومعطيات جغرافية وميدانية وعسكرية يمكن تلخيصها بما يلي:

جغرافياً: تبعد الموصل في العراق عن الرقة في سوريا حوالي 400 كلم، ولا يوجد طريق سريع دولي يربط المدينتين بشكل مباشر، بل يوجد طرق عادية تخترق مناطق جغرافية صعبة في بادية واسعة، ويبقى عبورها غير سهل، خاصة للآليات العسكرية البطيئة نوعاً ما، والمُجبرة على المسير ليلاً عبر مجموعة متباعدة من الهضاب والأودية الخفيفة.

 ميدانياً: صحيح أن داعش كان في بداية معركته ضد الدولتين العراقية والسورية يقاتل بشكل موحد في القيادة والسيطرة، في الوسائل (المادية والبشرية)، في الأهداف، في التكتيك والاستراتيجيا وفي الإعلام، ولكنّه فقد هذه الميزة الميدانية لاحقاً، وذلك بعد أن نجح الحشد الشعبي العراقي في ربط مواقع سيطرة الدولة العراقية بين ضفاف نهر دجلة الغربية في محافظة نينوى مع مواقع البشمركة في سنجار، وفصل بذلك مواقع داعش ووحداته بين الموصل وغربها القريب حتى تلعفر مع تلك الموجودة غرب نينوى وامتداداً داخل الاراضي السورية حتى دير الزور والرقة.

عسكرياً: بعد أن فُصل ميدان التنظيم بين الموصل والرقة، فقد الأخير قدرته بشكل شبه كامل على التأثير من خلال معركته في الموصل على معركته الأخرى في سوريا وبالعكس أيضاً، وهو يقاتل جيوشاً ومجموعاتٍ مستقلة عن بعضها في كل من الميدانين المذكورين:

    في الموصل، يقاتل التنظيم بمواجهة الجيش العراقي والوحدات العسكرية والامنية التابعة له، بالإضافة للحشد الشعبي الملتزم أيضا بقرارات القيادة العسكرية العليا، مع تغطية جوية دولية بأرجحية أميركية.

    في سوريا يقاتل التنظيم بمواجهة الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة، ومن جهة ثانية بمواجهة وحدات حماية الشعب الكردي وقوات سوريا الديمقراطية والجيش الحر المدعوم من الأتراك، ومؤخراً بمواجهة بعض وحدات الجيش التركي، وذلك بتغطية جوية دولية ايضاً ولكن مع أرجحية روسية.

من هنا، وبالرغم من وجود هذه الوقائع التي يُستنتج منها حُكماً إمكانية الفصل الكامل لمعركة تحرير الموصل عن معركة تحرير الرقة، وذلك من كافة النواحي العسكرية والميدانية، والتي يعلمها جيداً الأميركيون وخاصة قادتهم العسكريون، الذين حفظوا وفهموا بإمتياز ميدان وعناصر المعركة ضد داعش، فإن هؤلاء يجهدون دائماً للربط بين المعركتين وذلك للأسباب التالية:

إن المعركة ضد داعش بشكل عام تختلف في النظرة بين الدولتين العراقية والسورية وبين الاميركيين، وحيث ان كل دولة من الدولتين المذكورتين تقاتل التنظيم الارهابي بهدف: تحرير الأرض ووقف القتل والإجرام واستعادة السيطرة على كامل الجغرافية وإعادة التوازن والهدوء والسلام وفرض الأمن والحفاظ على الثروة الوطنية، فان الأميركيين يقاتلون التنظيم المذكور - بطريقة احتوائه واستيعابه - بهدف استعماله سلاحاً فتاكاً وشديد التأثير على كل من الدولة العراقية أو السورية لتنفيذ مخططات مشبوهة في:

     تفتيت العرب والاسلام وإضعاف قدراتهم بمواجهة "إسرائيل".

     مواجهة ايران وإرباكها وإشغالها، اولاً بهدف إضعافها وتشتيت قدراتها التي أصبحت تشكل خطراً جدياً على وجود "إسرائيل"

بشكل عام، وثانياً بهدف إظهارها كعدو للدول الاسلامية وخاصة الخليجية التي مطلوب أن يكون لديها عدو قوي كي تتسلح بمواجهته وتدفع الأموال الطائلة للحصول على تجهيزات عسكرية (أميركية وغربية)، تؤمن لها التوازن العسكري والاستراتيجي معه.

    خلق مستنقع دائم من الفوضى في الشرق الاوسط (أقله في المدى المنظور) لإدخال الاتراك والروس فيه، واشغالهم بشكل دائم بهدف الحفاظ على مصالحهم الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي والاقتصادي وغيرها.

    إحداث ثغرة أمنية واجتماعية خطرة وواسعة على الساحة الأوروبية، فيها الكثير من النازحين والإرهابيين، تُبقي أغلب تلك الدول مستنفرة ومتأهبة ومرتبطة أمنيًّا وسياسيا وديبلوماسيا بالادارة الاميركية التي، تُظهر نفسها أنها الملجأ والراعي والحامي للمجتمع الدولي.

 من هنا، تجهد الإدارة الاميركية وخاصة عبر المكامن الحقيقية للقرار في دوائر التخطيط والمتابعة لديها، كالمخابرات والمؤسسات الامنية والعسكرية والديبلوماسية الفاعلة، وأيضا من خلال تأثير وحداتها الذكية (الوحدات الخاصة ووحدات الحرب الالكترونية والجوية) على الميدان في كل من العراق أو سوريا، لأن تربط تحرير الموصل، والذي لا يوجد عملياً اي عائق أمام استكماله سوى التدخلات الاميركية مع الحكومة العراقية، بتحرير الرقة، والتي لا تظهر في الأفق من الناحية العسكرية او الميدانية أي إمكانية لتحريرها سريعاً، حيث الأتراك ومن معهم ما زالوا يتخبّطون في الشمال الشرقي السوري على مداخل مدينة الباب البعيدة عن الرقة، وحيث معارك الكرّ والفرّ والسيطرة المتبادلة في أرياف الرقة الشمالية والشمالية الغربية، بين الوحدات الكردية ومن معها وبين داعش الذي، حُكماً سوف يقاتل بأنيابه للحفاظ على عاصمته في سوريا.

إنها اللعبة الأميركية التي خلقت داعش مستغلة العديد من النقاط والثغرات في الوطن العربي والاسلامي بشكل عام وفي كل من العراق وسوريا بشكل خاص، اللعبة التي حافظت على التنظيم بطريقة  حساسة وناعمة مستفيدة من قدراتها الديبلوماسية والعسكرية الضخمة في الضغط على الدول والمجموعات، ومستفيدة من قدراتها الواسعة في الرصد والمراقبة والتنصت والمتابعة، هي نفسها اللعبة الاميركية التي تحاول اليوم تأخير هزيمته وإبعاد انتصار الدولتين العراقية والسورية عليه بعد استنزافهما، انها السياسة الاميركية الخبيثة دائماً ابداً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً.

العهد