أكذوبة اغتيال الجعفري وانتحار الإعلام الأسود

أكذوبة اغتيال الجعفري وانتحار الإعلام الأسود

تحليل وآراء

الجمعة، ١٧ فبراير ٢٠١٧

الفكرة الأساسية التي يمكن البدء فيها هنا، بعد أن نعرج بشكل بسيط من باب التذكير، على مسألة التضليل الإعلامي الأسود الذي كان في أشد قسوته ودهائه ومكره خلال الفترة الأخيرة مدعوما وملغوما بمواقف سياسية ضبابية تماهي وتساير هذا التضليل المرسوم بدقة متناهية من قبل بعض القادة الإقلييميين والدوليين.

ونصل في آخر المطاف، وليس نهايته، بأن يتم نشر خبر عن محاولة لإغتيال رئيس وفد الجمهورية العربية السورية الدكتور بشار الجعفري من خلال مجموعة مؤلفة من خمسة أشخاص أتت من سورية ومرت بالأردن إلى موسكو حتى وصلت أستانة وسردت فيها تفاصيل هوليودية لا تمر على مجنون فما بالكم العاقل، هذا التضليل الإعلامي كان خلال الفترة الأخيرة في ذروته موجهاً بطريقة محكمة ضد القيادة الروسية والسورية والإيرانية ومن يقف معهم في صف مكافحة الإرهاب الذي لم تعترف حتى اللحظة الولايات المتحدة أنها ترعاه لتحقيق مشاريع مسبقة الصنع للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط مع أن كل الدلائل التي كشفها صمود سورية ومقدرة حلفائها في إسنادها لمواجهة الماكينة الإرهابية على الأرض والماكينة الإعلامية على الساحة الدولية قد وضعت النقط على جميع الحروف إلا المحذوف منها قسراً وعمداً.

وكانت الردود الروسية حول هذا التضليل الإعلامي واضحة على لسان الرئيس بوتين ووزير الخارجية لافروف وكذلك الأمر على لسان المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زخاروفا بما يخص كل القضايا المتعلقة بدءا من حقوق الإنسان وصولاً إلى إعادة مسألة شبه جزيرة القرم والنزاع الروسي الأوكراني، إلى إرسال قاعدة جوية أميركية إلى بولندا إلى عتبة قتل الأبرياء والمدنيين في سورية من قبل الطيران الروسي، كما يزعمون، كل هذا كان من أجل زيادة الضغط والحصار على روسيا التي لم ولن يستطع ولفترة طويلة أي أحد أن يحد من قوتها وتمددها ودورها العالمي في مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم بعد أن أعادت الجميع إلى تحت قبة مجلس الأمن والأمم المتحدة من بوابة الانتصار والصمود في سورية، وسورية بنفس الوقت لم تقف مكتوفة الأيدي فقد كان لها موقفها السياسي والإعلامي الحاسم الذي جاء على شكل رسائل موجهة إلى دول الإقليم وإلى دول العالم ومفادها، أو بالأحرى أحد محتوياتها، هو تأكيد الرئيس بشار الأسد على قدرة سورية في الصمود بدعم الحلفاء وأنه لن تقدر أي دولة أن تخلق شرخاً بينها وبين حلفائها وفي مقدمتهم الحليف الروسي الذي قدم كل ما بوسعه للحفاظ على وحدة سورية وسيادتها وحقها في تقرير مصيرها من خلال الحل السياسي الذي يقره الشعب.

القضية وبحيثياتها الكلية هي التسليم بأن سورية أصبحت الآن مركز فالق الزلزال الذي يتحاشاه الجميع إقليمياً ودولياً، بدأت عملية المساومة من قبل الكل مع الكل ممن هم في المحور الآخر، ووصلت حد الابتزاز، وسارت قافلتهم في طريق تمييع لقاء أستانة من خلال افتعال الخلافات  بين الأطراف التي تمثل مصالح كل جهة من هذ الجهات سواء أكانت إقليمية أو دولية، وعملية تأخير  وصول الوفود الممثلة للمجموعات المسلحة والوفد التركي ماهي إلا خطة في هذا السياق لأن تحاول فيه تركيا ابتزاز الطرفين الروسي والأمريكي من خلال التأرجح فيما بينهما على أرجوحة.

الحل السياسي المعلقة بخطاف الضغط في الميدان ما بين أستانا وجنيف وتضع الجميع على حافة الهاوية في الشمال السوري الذي خسر جنوبه بالمعنى المجازي لسيطرة المجموعات المسلحة من خلال ضم الأردن إلى محادثات أستانة كضامن جديد في الحل السوري، وهذا يعني تضييق الخناق من خلال سياسة قضم الجبهات، وصمت الولايات المتحدة على هذا الإجراء أو حتى مباركته خلال زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة إلى أمريكا ولقائه الرئيس ترامب إلا مغامرة لا تشبه بالشكل والمضمون مغامرات غاري بورتير، وما زيارة مدير الاستخبارات الأميركية إلى أنقرة مؤخراً وبعدها إلى فلسطين، إلا دليل قاطع على التحضير لنقلة نوعية ما، في التعامل مع الواقع الحالي وخاصة بعد الإعلان عن مخططات تركية أميركية مشتركة للقيام بعملية عسكرية في مدينة الرقة السورية التي تعتبر المقر الأساسي لتنظيم داعش الإرهابي على الأرض السورية بامتداه الموازي في العراق بعد أن تم قطع الطريق على تحقيق أي نصر للولايات المتحدة وحلفائها في معركة الموصل، لأن الحلقة الأخيرة من مسلسل استثمار الإرهاب حتما هي في الرقة، ومن بعدها قد ينتقل الطرف الآخر إلى المرحلة التي لم تستطع حتى اللحظة الولايات المتحدة أن ترسم ملامحها بسبب شدة تعقيد الحالة ما بين سيادة سورية وحقها الشعبي، والمناطق الآمنة، والقضية الكردية، والتواجد الروسي الإيراني الذي يوجه فوهات مدافعه وصواريخه إلى قلب التنظيم الطفل المدلل الذي لم يعد يعرف أهله وذويه الحقيقيين يقتلونه أم يتركوه لحال سبيله فتكن على يده النهاية الكبرى لمشاريعهم التي تشرذمت إلى حد السقوط.

إذا السرد يطول جداً عن ماهية مجريات الأحداث في سورية والمنطقة بشكل عام، الحقيقة أن الملف السوري بات أمراً مسلماً به لصالح الدولة السورية وحلفائها، وما سياسة الرئيس ترامب اللامفهومة أو الغامضة أو حتى البهلوانية التي تعتمد على التأييد تارة أو الصد والرد تارة على هذا الجانب أو ذاك إلا اللعب في الوقت الضائع للحصول بأي وسيلة على هدفه ولو بضربة جزاء، ما جعلها تلعب دور المتفرج المحترم الذي ينظر الجميع إلى وجوده كمراقب يريد أن يلعب دوراً أخلاقياً إنسانياً لحل عقد جميع هذه المناحرات الدموية التي هو من أنشأها ورعاها أصلاً، وضمناً يسير حلفائه وعلى رأسهم تركيا لتحقيق مآربهم التي خطفتها روسيا من يده في كل الساحات، ليحاول من الجهة الأخرى وبخبث كبير أن يحاصر روسيا في ما حولها للإستفزاز والضغط من خلال مناورات غير محسوبة النتائج إطلاقا، ويحاصرها في منطقة الشرق الأوسط من خلال الإسراع بحل بعض ملفات المنطقة الساخنة في غفلة الملف السوري الذي ضاع من يده بشكل لا يمكن النقاش فيه، ظناً منه أن روسيا تغيب عن هذا الأمر، في الواقع الذي لا يحتاج في أن نبصره إلى مجهر الإدارة الأمريكية بعد هذه الخسارة والوضع المذري لها تحاول خطف ملفات المنطقة وعلى رأس حربتها الملف الفلسطيني وسحبه بالكامل على حين غرة من اللجنة الرباعية التي تعتبر روسيا فيها لاعبا رئيسا، من خلال تمرير مشروع نقل الدولة الفلسطينة إلى سيناء المصرية بعد ضم غزة إليها وما تصريح الوزير أيوب إده المعين مؤخراً في مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بدون حقيبة حول أن الرئيس ترامب  ونتنياهو ناقشوا موضوع حل القضية الفلسطينية على هذا النحو إلا الإسفين الذي يتم سنه لإعادة إشعال المنطقة بأكملها إنطلاقا من حساسية هذه القضية عند شعوب المنطقة دون استثناء شعبياً وسياسياً واجتماعياً والأهم من ذلك دينياً. وصراحة الأيام القادمة غير كفيلة بفهم ما يجري أو ما يمكن أن يرتد عن هذه السياسات التي لا بد لروسيا أن تتخذ إجراء حاسما حيالها لمنع وقوع المحظور.