تفجيرات حمص رسالة دموية في مرحلة معقدة..بقلم: عمر معربوني

تفجيرات حمص رسالة دموية في مرحلة معقدة..بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ فبراير ٢٠١٧

ليست العملية الإنتحارية المزدوجة الأولى ولن تكون الأخيرة في سياق هذه الحرب اللانمطية التي تستهدف سوريا، لكن العملية التي استهدفت مركزي الأمن العسكري وأمن الدولة في حمص صبيحة اليوم تأتي في توقيت حساس سواء في المكان او الزمان.
في الدلالة الأمنية، إنّ استهداف جبهة النصرة للمركزين الأمنيين يأتي ضمن مرحلة كان رئيس فرع الأمن العسكري اللواء شرف الشهيد حسن دعبول ورئيس فرع أمن الدولة العميد ابراهيم درويش يقومان خلالها بمتابعة ملفات مركبّة، يرتبط جزء هام منها بعمليات المصالحة والتسويات، وما استهداف الرؤوس الأمنية في حمص إلّا دلالة على استهداف الملفات التي يديرانها، ومنها بالإضافة الى ملفات التسويات، المتابعات الإستخباراتية الدقيقة لحركة الجماعات الإرهابية التي تعاني هذه الأيام من مشاكل متشعبة سواء فيما بينها او بمواجهة الدولة السورية.
وعندما تعلن جبهة النصرة عن تبنيها للعملية المزدوجة، فهذا يعني ان المخابرات القطرية وراءها وهو ما يرتبط بالتوقيت، حيث ينعقد مؤتمر جنيف 4 وقطر ومن يمثلها من الجماعات الإرهابية خارجه، ما يعني محاولة حجز مكان لها في المفاوضات.
والسبب في اشارتي الى قطر دون غيرها هو أنّ حال تركيا والسعودية الحاضرتين في جنيف من خلال الجماعات التي تمثلهما لا ينطبق على قطر الراعي الأول لجبهة النصرة المصنفة ارهابية. فما بين قطر والنصرة علاقة متينة ليست خافية على احد، مع التذكير بأنّ قطر اعلنت استمرارها دعم الجماعات الإرهابية اكثر من مرة حتى لو تخلت اميركا عن دعم هذه الجماعات، وهو امر تكرر اكثر من مرة على لسان مسؤولين قطريين بمناسبة او غيرها.
إذن نحن امام عملية موجعة في توقيت مركب ومعقد، وعندما اقول موجعة فهذا يعني ان الهجمة لا تزال في ذروتها وان ادوات الهجمة لا يزالون يمتلكون امكانيات الخرق والتنفيذ في اماكن حساسة وفي مدينة حمص بالذات، التي تعتبر اليوم مدينة آمنة بعد سلسلة المعارك التي حصلت فيها.
وحتى لا نغرق كثيرًا في المكان والزمان، فالجماعات الإرهابية تعتبر اي ظرف تقدر على تنفيذ عمليات امنية فيه هو مكان وزمان ملائمان.
إنّ ما حصل من استهداف اليوم وفي حمص بالتحديد يجب ان يدفع الأمور في الجانب الأمني نحو تحصين الأماكن الحساسة اكثر لتجنب حصول عمليات مشابهة، حيث ان استهداف مركزين امنيين يمكن استغلاله في بث روح الخوف بين المواطنين، ويمكن استخدامه في الحرب الإعلامية والنفسية بأبعاد واتجاهات مختلفة رغم قناعتي انه لا يمكن لأي دولة في العالم ان تؤمن اجراءات أمنية كاملة وغير قابلة للإختراق، والدليل ما يحصل في دول تعتبر مستقرة أمنيًا في اوروبا وغيرها.
في الجانب الميداني، تعتبر مدينة حمص قاعدة الإرتكاز الاساسية في قيادة العمليات العسكرية والأمنية في اكثر من اتجاه، وتوجيه ضربة لمواقع حساسة في المدينة يعتبر من وجهة نظر الإرهابيين إنجازًا يمكن ان يعكس نفسه بشكل سلبي على اداء القيادة السورية ومعنويات القادة والجنود، وهو تكرار لفهم سابق لم ينتج عنه ما تريده هذه الجماعات. فباعتقاد الأخيرة أنّ ازاحة القادة الميدانيين والأمنيين عبر الإغتيال سيساهم في اضعاف الدولة وهو ما لم يتحقق، فلا الجماعات الإرهابية ولا مشغليها أدركوا انهم امام دولة المؤسسات التي استطاعت ان تُنتج القادة البدلاء في كل مرة يرتقي فيها أحد القادة الحاليين، وهو جزء لا يتجزأ من شيفرة التركيبة المؤسساتية التي كانت على رأس اولوية اهداف الإرهاب وداعميه.
في الخلاصة، وعلى الرغم من الألم الناتج عن العملية الإنتحارية المزدوجة، فإنّ منفذي العملية ومشغليهم لم يستطيعوا سابقًا ولن يستطيعوا في المستقبل تحقيق اهدافهم لجهة تفكيك الدولة ومؤسساتها، ولا لجهة استثمار نتائج العملية في السياسة حيث يميل الميزان اكثر فاكثر لمصلحة الدولة السورية من خلال الإنتصارات الميدانية المتتالية. ويهمني هنا أن اسجل أنّ ما بعد حلب ام المعارك التي احدثت متغيرات جيوسياسية كبيرة ليس سوى معارك جيوب، وهو تعبير لا يرتبط بالجغرافية حتى لا يُسجل علينا الأمر لناحية مساحات الأرض بقدر ما يرتبط المصطلح بالقدرات العسكرية المتبقية لجماعات متناحرة ستضعف يومًا بعد الآخر، فكل المعارك ما بعد انتصار حلب سواء كانت ميدانية او امنية لن يكون لها نفس تأثير ما قبل انتصار حلب.
وكما تجاوزت الدولة السورية والجيش السوري الكثير من المراحل والمحطات، سيتم تجاوز العملية الإنتحارية وآثارها المباشرة من خلال النهج المؤسساتي نفسه بزخم اكبر وبنتائج افضل، رغم تصاعد الهجمة والمتغيرات الحاصلة فيها. فالمعركة اولًا واخيرًا كانت وستبقى معركة إرادات ستنتصر فيها قوة الحق وليس حق القوة مهما كبرت.
بيروت برس