الباب وروسيا وتركيا: من خدع من؟.. بقلم: عامر نعيم الياس

الباب وروسيا وتركيا: من خدع من؟.. بقلم: عامر نعيم الياس

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ فبراير ٢٠١٧

تعالت في الآونة الأخيرة الأصوات التي تنتقد الدور الروسي في سورية، وهذا ليس من المحرّمات بالطبع، لكنه يثير التساؤلات حول الدوافع التي تقف وراء حملةٍ من الانتقادات لا تقتصر على رجل الشارع بل تتعداه إلى بعض النخب السياسية والإعلامية التي ركّزت الهجوم من باب التوغل التركي الأخير في سورية واحتلال مدينة الباب، باعتبار ما جرى دليلاً على القصور السياسي في إدارة موسكو للملف السوري، خاصةً في شمال البلاد وشرقها.
لا بد من القول إن الاحتلال التركي للباب حسم جدلاً منذ شهور في ما سمي «السباق نحو الباب» باعتبارها نقطة تماس بين الجيش السوري والاحتلال التركي على تخوم مدينة حلب التي حرّرت مؤخراً من جانب الدولة السورية والحلفاء، والمدينة ذات الأهمية الإستراتيجية ما كانت لتمنح الجيش السوري وضعيةً أفضل لو أنه استطاع الدخول إليها، وأن أحد أسباب عدم دخول الجيش السوري إليها هو القرار الروسي أو الانخداع الروسي بنيات أنقرة، فهل هذا ما حصل؟
بالعودة إلى عملية تحرير حلب التي توقفت مرات عدّة خلال السنتين الأخيرتين بفعل الضغط الأميركي والموقف التركي السلبي من العملية، يجب الاعتراف أن التكتيك الروسي وسياسة النفس الطويل في إدارة أهم معركة في الميدان السوري أثمرا إنجازاً استراتيجياً قلب الموازين رأساً على عقب، حتى إن الخارجية الفرنسية أصدرت وثيقة لرسم السياسة الأوروبية لمرحلة ما بعد حلب باعتبار ما جرى «إنجازاً استراتيجياً استبعد المعارضة المعتدلة من أهم معاقلها السياسية والإستراتيجية» وفق الوثيقة.
التحرير لعاصمة سورية الاقتصادية ما كان ليتم لولا استمالة أنقرة إلى جانب موسكو والتزامها في حينه الخطوط الحمر الروسية، فهل هذا يعني أن الروس مرتاحون للأتراك على الدوام وأن الالتزام التركي مع الكرملين هو التزام ثابت؟ هل روسيا وتركيا دولتان حليفتان وعلاقاتهما إستراتيجية ترقى إلى التحالف كما هي حال العلاقات الإيرانية الروسية على سبيل المثال؟ هل تراهن موسكو من وراء علاقاتها مع أنقرة على جذب الأخيرة لمعاداة أو للخروج من إجماع حلف شمال الأطلسي؟ ألم يضع صانعو القرار في سورية وفي روسيا وفي إيران إمكانية انقلاب أردوغان على تعهداته في حال وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الحكم في الولايات المتّحدة وعدم التزامه بتعهداته في ما يخص الشأن السوري؟
جملة من الأسئلة تطرح والجواب عنها لا يمكن أن يكون سلبياً، وإلا فإن دولة بحجم روسيا ستكون بحكم المنهارة متخبطة في سياسات لم تكن لتوصلها إلى مرتبة قطب مشارك وله وزن في صياغة العلاقات الدولية يشكّل هاجساً بالنسبة لأوروبا وحتى الولايات المتّحدة يصل اليوم إلى حد اتهام الكرملين بالتأثير في الانتخابات الأميركية والفرنسية، وبالتالي فإن التقصير الروسي في سورية والحديث عن خديعة تنطلي على السذّج الروس ليس في مكانه، بل إن تعدد الجهات التي تعبث باستقرار سورية والقوى التي تتنافس على الأرض عقّد من المهمة وجعل من اللجوء إلى التفاهمات المؤقتة والمناورة هنا وهناك أمراً لا مفر منه بالنسبة إلى جبهة حلفاء سورية التي وإن كانت قوية، فإنها تواجه عدوّاً لا يستهان به وبقدراته وجبهة عريضة من القتلة والرعاة والقوى العظمى ليست مجرّد رقمٍ في الحرب السورية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن مصالح الدول التي توجد في سورية ومنها روسيا تدفع باتجاه تبني رؤى تختلف عن رؤيتنا للوضع في البلاد، لكن تأكيد وجود تنسيق عالي المستوى بين القيادة في سورية وروسيا وإيران ليس كلاماً للاستهلاك الإعلامي بل هو أدى إلى النتائج الميدانية المبهرة التي نراها اليوم ويكفي المقارنة بين الميدان السوري في العام الماضي والميدان اليوم.
إن الاحتلال التركي في سورية، والدور الكردي المدعوم أميركياً بدرجة ترقى في بعض المحطّات إلى تحالف أديا إلى نشوء واقع حساس ودقيق في شمال البلاد، حيث تبرز معركتا الرقة في الشمال الشرقي، وإدلب في الشمال الغربي باعتبارهما نقطتي تنافس دولي محموم لتعويض الخسارة الإستراتيجية في حلب بالنسبة للمحور المضاد، وتوسيع سيطرة الدولة السورية الميدانية بعد النصر الإستراتيجي في حلب، ويبرز أيضاً السباق نحو الطبقة من جانب الكرد والدولة السورية التي وصلت اليوم إلى تخوم منبج، وتحاول التقدّم عبر ريف حلب الشرقي إلى منطقة الخفسة التي تغذّي مدينة حلب بالمياه والوصول إلى ضفاف بحيرة الأسد ما يعقّد من التقدّم الكردي نحو الطبقة ويرسم خط تماس جديداً في هذه المنطقة الإستراتيجية التي أعلن الجيش السوري في بيان له في 13 شباط من العام المنصرم أنها من أولوياته في المنطقة الشرقية في سورية.
إن تقدم الجيش السوري في شمال البلاد جاء اليوم ليقطع الطريق على الكرد وعلى الأتراك في آن واحد وفقاً لمقتضيات الأمر الواقع على الأرض وحسابات المعركة المعقدة والشائكة في الشمال السوري التي تسير وفق توازن دقيق واقتراب في خطوط التماس في الآونة الحالية، يفتح إمكانيات الصدام الكبير أو التهدئة على المدى المنظور هي أقرب إلى التعاون وفرض الأمر الواقع مع الأكراد في منبج وفي عفرين مقابل فتح طريق الحسكة وضمان أمن حامية مطار القامشلي، وما يحصل في حسابات اليوم هو حصار الجيش السوري لمناطق وجود قوات الاحتلال التركي والزمر المرتبطة بها في مواجهة مدينة حلب، وفصل قوات الاحتلال هذه عن الأكراد المتحالفين مع الأميركيين في منبج، وبالتالي تحوّل مناطق الجيش السوري إلى منفذ وممر إجباري في حال أريد تغيير المعادلات على الأرض وقلبها بالمعنى الإستراتيجي.
اليوم يحاصر الجيش السوري الجميع في الشمال وحركته غير مقيّدة حتى اللحظة، بل إن هوامش تحرّكه في محيط حلب وأريافها الجنوبية والغربية والشرقية والشمالية، وفي ريف حمص الشرقي وباتجاه مدينة تدمر، وقدرة الجيش على صد الهجوم الأخير على حامية المطار في دير الزور فضلاً عن تطهير مناطق محيط دمشق، وفرض منطق المقايضة الميدانية مع الأكراد، كل ذلك ما كان ليتم لولا وجود تنسيق عالي المستوى روسي سوري، لا وجود فيه لطعنات في الظهر وتساؤلات من هنا وهناك لا تراعي أبسط البديهيات السياسية والعسكرية التي تحكم الوضع السوري عموماً والوضع في شمال البلاد وشرقها خصوصاً.
كاتب ومترجم سوري