نسف التاريخ.. بقلم: سامر يحيى

نسف التاريخ.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ٤ مارس ٢٠١٧

الجمهورية العربية السورية ليست وليدة اليوم أو البارحة، إنما نتاج تاريخٍ طويل من الحضارات ليس أقلّه سبعة آلاف عامٍ، وعاصمتها أقدم مدينة في التاريخ، ومشهود لشعبها القدرة على العطاء والإبداع والإنتاج في أحلك الظروف وأشدها، ودولة مؤسسات بنيت على قواعد وأسس متينة، وهو سرّ صمودها رغم تكالب الأعداء عليها بعنصريه الإرهاب والفساد، وحافظت على نقائها العروبي بكافة أوردته وانتماءاته، وبقيت الرقم الصعب في المعادلة الدولية، ونداً لكل دول العالم، فلم تقبل أن تكون سيداً أو مسوداً، إلا سيّدة نفسها معتمدةً على ذاتها وقدراتها وإمكاناتها في إطار عالم حرٍ مستقلٍ مستقرٍ، ورغم أن ما سميّ الربيع العربي هدفه  استنزاف ثرواتها وخيراتها ومواردها البشرية، لكنّها أبت إلا أن تبقى سورية العروبة التي يشهد بصمودها القاصي والداني، رغم التضحيات الجسام التي قدّمتها .
فهل هذا التاريخ المجيد يستحق منا أن نجعله حقل تجارب ونرضخ للمؤامرات المكشوفة الواضحة، أم أنّ علينا الانطلاق ممّا سبق للوصول للمستقبل المنشود؟! وهل من الصواب والحكمة والمنطق أن نعمل على جلد ذاتنا، وتحميل المسؤولية لمن سبق من مسؤولين وأصحاب قرار، أو الإمكانيات المادية، متجاهلين أن دور كل منا العمل ضمن الإمكانات المتاحة والموارد المتوفّرة والظروف القائمة؟ هل من الصحّي أن ننكر تجاربنا وخبراتنا ونجاحاتنا وسر صمودنا في أحلك الظروف والحصار الظالم على سوريتنا، وتكالب الأعداء علينا، بمساعدة فساد البعض من ضعاف النفوس أو المضللين من أبنائها؟!
 إن الحكومات التي تم تشكيلها في الظروف التي تمر بها سوريتنا، ليست حكومة إدارة أزمة، فالأزمة يتصدّى لها المواطنون الشرفاء كل في المفصل الموجود به، إنّما دورها إدارة الموارد البشرية والمادية لمساعدة الجيش والشعب والقيادة في إعادة الأمن والأمان والازدهار للوطن، للوقوف بوجه هذه الأزمة عبر تفعيل وتنشيط كافّة عناصر الإنتاج، ورفع الوعي والانتماء الوطني لدى أبناء الوطن، والتنشئة الصحيحة المجتمعية، كي لا يقع أبنائه فريسة سائغة بيد أعداء الوطن، وصانعي الفتنة بين أبنائه، وتفعيل دور كل عامل أنّا كان مكانه ومكانته وعمله، بوطنية وحكمة وتنبّه للاستغلال وسد الفجوات بين المواطن ودولته لا توسعتها تحت حججّ غير مبرّرة وغير منطقية وإن أدّعت القانونية، إنّما انطلاقاً من القوانين والقرارات واللوائح القائمة، وتحملّ كل منا المسؤولية، وتصحيح أخطاء من سبقنا، والاستفادة من إيجابياته وتطويرها، وتحقيق الانسجام والتعاون والتضامن بين أبناء المؤسسة، فنحن لسنا بوضع تنافسي إنّما تكاملي للنهوض بالوطن ودعم مقّومات صموده وازدهاره، وبذلك لن تتجاوز نسبة السلبيين العشرة بالمئة، وهذه النسبة موجودة بأرقى دول العالم المتقدّم، إن أنصفنا أنفسنا، وتلقائياً سنجد أنفسنا نعالج العقبات ونتدارك النقص، ونستكمل مسيرة التطوير والتحديث بمسيرة البناء والإعمار، التي كانت استكمالاً لمسيرة التصحيح المجيد، التي صحّحت مسار ثورة الثامن من آذار التي نحتفل بذكراها، والتي كان هدفها المواطن من المحيط إلى الخليج، وليست عملية بناء بدأت من الصفر، أو من لا شيء.
إن أهم وأولى آليات التطوير والتحديث هي  تغيير آلية التعامل الإداري مع القرارات والقوانين النافذة والالتزام بها، لا كل منا يريد تطبيق نظريته التي قد تكون بعيدةً كل البعد عن الإمكانيات المتاحة، وإن كانت معسولة، ولا يفكر بالتطوير والتحديث إلا عبر نسف الماضي ولو كان مستنداً لقوانين وقرارات لم يطبّقها حتى يتم تغييرها، تلك القوانين التي أثبتت نجاحها في المراحل السابقة، والتي الكثير منها سرّ صمودنا بوجه آفة الإرهاب والفساد رغم عدم استثمار جزءٍ بسيط منه.
إن الحفاظ على هيبة الدولة يتطلّب مننا الوقوف جنباً إلى جنب مع الشعب الصامد، والجيش العربي السوري، والقيادة السياسية، وأن ندرس القرارات بجديّة ووطنية، بحكمة وحنكة وسرعة لا تسرّع وتهوّر ونسف الحاضر بحجة التغيير والتطوير، والبدء من حيث انطلقنا لا من نقطة الصفر، وأن يتم التواصل والتلاقي بين أبناء المؤسسة وتعريفهم بدورهم ونظام مؤسستهم وقوانينها وأسسها، لنتمكن من تطوير ما يحتاج لتطوير بإيجابية ويكون بنّاءً بعيداً عن العشوائية والشخصانية وإن ألبسناها ثياب الوطنية، وبذلك يكون المجال مفتوحاً للتطوير والتحديث لكل ما لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع.
أن تتذكّر الحكومة أن عامل الوقت جزءٌ هام بل أساس في البناء الإداري، فالعمل الإداري الذي لا يؤتي ثماره بشكلٍ مباشر ما هو إلا عبارة عن حقن مخدّرة مهما كانت إيجابية هدفها استنزاف الجهود والخبرات، وإبان جني الثمار تكون قد حصلت تغييرات جعلتها في عداد الماضي، وتطلب منا العودة مجدداً للنقطة التي بدأنا بها وهذا ما حصل بالكثير من القرارات والقوانين والوعود الخلبية المعسولة والتي للأسف كان لها دورٌ أساس استغله الإعلام التضليلي في تشويه سمعة الوطن وأبنائه وتضخيم الأخطاء والبطء في التنفيذ لصالح استنزاف ثرواته، وهذا يعني أننا لسنا بحاجة لخلية نحلٍ، وموظفون نشطون يعملون ولكن في دائرة مفرغة دون نتائج إيجابية أو أثر حقيقي ملموس من قبل المواطن على أرض الواقع، سوى على شاشات التلفاز والجرائد والمجلات التي تناقض نفسها في الكثير من الأحيان.
الخطط الاستراتيجية مهما كانت إيجابية وبناءةً، لا يمكن أن تنجح إن لم ترتبط بخطط تكتيكة وآنية ومدخلات حقيقية وبناءة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع للوصول إليها، والخطط الاستراتيجية السورية واضحة ومعرفة، والتي هي المبادئ والثوابت السورية، والتي ليست بحاجة لحكومة أو غيرها لابتكارها، إنّما للحفاظ عليها والعمل بموجبها لاستمرار التطوّر والرقيّ والحفاظ على مكانة سوريتنا في مصاف الدول.