أبعد من مقتل المصري.. هل تسقط إدارة التوحش في سورية؟..بقلم:علي شهاب

أبعد من مقتل المصري.. هل تسقط إدارة التوحش في سورية؟..بقلم:علي شهاب

تحليل وآراء

الاثنين، ٦ مارس ٢٠١٧

تمرّ أخبار استهداف قيادات جبهة النصرة والقاعدة في سوريا من دون إثارة كبيرة، لاعتبارات تتعلق على الأرجح بالجهة المنفذة، وسط تنافس المحاور الاقليمية والدولية في بلاد الشام.

لم يكن "أبو الخير المصري" قياديًا عاديًا في تنظيم القاعدة. فالرجل، الذي لقي حتفه في غارة لطائرة من دون طيار أميركية في إدلب، ربما يختزل تاريخ التنظيم.

قبل عامين تقريبًا، كان المصري من بين مجموعة من الشخصيات الجهادية التي توجهت إلى سوريا لـ"تصويب العمل الجهادي"، بعد أن انقسم منظرّو القاعدة بين مدرستين: أولى ترى في التخطيط لهجمات في الغرب أولوية، و ثانية تستند الى عقيدة "إدارة التوحش" (المنسوبة إلى المدعو أبو بكر ناجي من دون التحقق من واضعها الحقيقي)؛ وهي عقيدة تدعو الى إدارة البقع الجغرافية التي تسيطر عليها عسكريًا بهدف التمدد لاحقًا الى الجوار.

لكن داعش، الذي سعى لتطبيق " الخلافة" من دون مراعاة البيئة الحاضنة – بحسب ما توصي العقيدة - في الموصل والرقّة، خرج من تحت عباءة القاعدة تنظيميًا لا فكريًا، فكان على "جبهة النصرة" الإختيار ما بين المدرستين.

في الواقع يعكس خطاب النصرة في سوريا ترقبًا وحذرًا أكبر في الدعوة العلنية، لا لاعتبارات أيديولوجية، وإنما يبدو أن قيادتها أكثر إدراكًا لفسيفساء المجتمع السوري، كما أن خطابها يُسقط كل دعوة لأعمال في الغرب عن سابق تصميم، رغبةً من الجناح المؤثر فيها بالتخفيف من وصمها بالإرهاب.

"أبو الخير المصري" في طليعة هذا الجناح الذي يُعرف أيضا بـ"قيادة خراسان"، وهو يتألف من مجموعة شخصيات، أغلبها مصري الجنسية، واكبت أيمن الظواهري منذ البدايات.

إلا أن سلسلة الهزائم العسكرية، التي مُنيت بها جبهة النصرة في السنة الأخيرة تحديدًا وصولًا إلى الهزيمة المدويّة في "حلب"، فرضت على الجبهة الدخول في مرحلة "برزخية" على صعيد الرؤية الاستراتيجية؛ فلا هي قادرة على تنفيذ هجمات عابرة لحدود تواجدها العسكري في سوريا بعد أن كبّلتها الدول الداعمة بمسألة التنصيف الإرهابي لغايات تفاوضية، ولا هي قادرة على "إدارة التوحش" في مناطق نفوذها بسبب رفض فصائل وازنة وانغماسها رويدًا رويدًا في معارك استنزاف مع خصومها.

بناءً على ما تقدم، فشل "أبو الخير المصري"، الذي كان أول من أعطى الجولاني الإذن بفك الإرتباط عن القاعدة (شكليًا)، في إثبات جدوى رؤيته التي تقوم على تهيئة الساحات القريبة قبل الإنطلاق الى شن هجمات في الخارج.

في عبارات كتاب "إدارة التوحش" الذي تستند اليها القاعدة بمختلف أوجهها التنظيمية (داعش ونصرة وتنظيم أصلي)، يتحدث المؤلف عن "التحول من مرحلة الشوكة والنكاية إلى مرحلة إدارة التوحش"؛ أي من شن الهجمات في الغرب الى بسط السلطة في المناطق التي يتم الاستيلاء عليها. عند هذه المسألة تحديدًا، يظهر فشل المصري ومعه "قيادة خراسان"؛ حتى باتت النُصرة تتأرجح في فراغ على مستوى الدور.

ولا يبدو أن هذا الفراغ يُقلق كثيرا الجهات الراعية تاريخيًا للجبهة، بدليل تقاطع المصالح "غير المعلن" بين مختلف القوى النافذة في سوريا على حشد العدد الأكبر من الفصائل، ومنها النصرة، في إدلب، بانتظار ما سيؤول اليه المسار التفاوضي؛ فإما أن تسير هذه الفصائل بما يتم الإتفاق عليه إقليميًا و دوليًا، وإما أن تتحول إلى ساحة لاختبار السلاح الروسي في مقابل ما تفترض الدول المعارضة لسوريا أنها ستحصل عليه على طاولة المفاوضات.

في ظروف اغتيال المصري

الطائرات الأميركية من دون طيار تنفّذ عمليات الاغتيال بعد التزود بمعلومات استخبارية حول طبيعة الهدف. وتختلف أساليب جمع المعلومات لهكذا عمليات بين:

1.   زرع شرائح الكترونية في موكب الهدف لترسل إحداثيات عن موقعه.

2.   تتبّع الأجهزة الخليوية أو الأكترونية للشخصية المستهدفة أولمرافقيه.

3.   تزويد الطائرة من دون طيار بمعلومات بيومترية عن شكل ومواصفات الشخص المستهدف، وهي تقنية بدأ الأميركيون بالعمل عليها عام 2012.

في الحالات الثلاث أعلاه، هناك عنصر بشري مهمته زرع الشريحة أو تسريب أرقام الهواتف أو تصوير الهدف. أي أن الخرق الأمني بهدف تشخيص الهدف هو العامل الأساسي لنجاح عملية الاغتيال. (مشاهد من اغتيال ابو الخير المصري في ادلب).

و بالتالي لا يمكن اغتيال شخصية بحجم "أبي الخير المصري" إلا بعد توافر معلومات استخبارية عن تحركاته. والتوقيت له دلالات هامة  أيضاً في عملية الإغتيال. فالمصري يتجوّل في إدلب منذ عامين، وهوعلى ارتباط مباشر بالجولاني وبقيادات من فصائل أخرى انضوت لاحقًا تحت مسمى "هيئة تحرير الشام".

لم يكن رصد هكذا شخصية،اتخذت منذ دخولها الساحة السورية دور الموجّه والمدبّر، أمرًا صعبًا في ظل الإختراقات الأمنية التي تعانيها جبهة الفصائل التكفيرية، خاصة بعد تموضعها في إدلب ودخول عدد غير قليلٍ من المسلحين الجدد الوافدين إليها.

لماذا الآن إذًا؟ سؤال يمتلك الأميركيون الإجابة عليه باعتبارهم الجهة المنفذّة، وهو جواب قد لا يكون بعيدًا عن الدور المطلوب من الجماعات الجهادية التكفيرية في المرحلة المقبلة وعملية ترتيب الساحات لذلك.

المصدر: الميادين نت