عسكرة السياسة الأميركية..د.محمد عاكف جمال

عسكرة السياسة الأميركية..د.محمد عاكف جمال

تحليل وآراء

الاثنين، ١٣ مارس ٢٠١٧

زيادة الإنفاق العسكري في دولة ما يثير بكل تأكيد القلق لدى دول الجوار وخاصة حين تكون هناك خلافات لهذه الدولة مع بعضها تتعلق بالحدود الجغرافية أو بعائدية بعض الموارد الطبيعية أو غير ذلك.

ولكن حين تعمد دولة مثل الولايات المتحدة إلى زيادة إنفاقها العسكري فذلك مصدر قلق لدول عديدة على سواحل المحيطين الهادي والأطلسي.

فقد تزامن مع إنجاز البنتاغون خطة خاصة مكثفة لمواجهة تنظيم داعش لا تقتصر على وجوده في العراق وسوريا بل تشمل تنظيماته وأنشطته في جميع أنحاء العالم الإعلان عن زيادة تأريخية في الإنفاق العسكري مقدارها 54 مليار دولار أي ما يعادل 9 في المئة من ميزانية البنتاغون وهي أول زيادة في الميزانية العسكرية في زمن السلم منذ قام الرئيس رونالد ريغان بذلك عام 1981.

وتأتي هذه الزيادة مقابل خفض التخصيصات المالية لبعض البرامج الحساسة ذات الصلة بحياة المجتمع مثل التعليم والبيئة ومحاربة الفقر هذا إلى جانب تخفيض ميزانية وزارة الخارجية التي ستتأثر سياساتها مع تخفيض المساعدات الأجنبية التي اعتادت الولايات المتحدة تقديمها لبعض الدول لتسهم في الاستقرار العالمي وتجنب الصراعات المستقبلية.

زيادة ميزانية البنتاغون جزء من نهج تكريس التفوق العسكري وبالتالي المكانة السياسية للولايات المتحدة الذي تعتمده جميع الإدارات سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية، وقد حققت هذه الزيادة طفرة ملحوظة مع مجيء الرئيس بوش الابن لسدة الحكم في سياق الحروب التي خاضتها إدارته.

إلا أن ما يجعل الرئيس ترامب مختلفا هو اهتمامه غير العادي بالقوات المسلحة والاعتماد على كبار مسؤوليها الذين كان لهم دور قيادي في الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق في طاقم إدارته.

الزيادة المقترحة يبررها الرئيس بأنها ضرورية لإعادة بناء القدرات الدفاعية المستنزفة هذا على الرغم من أن متاعب الولايات المتحدة الاقتصادية وثقل مديونيتها التي وعد الرئيس بمواجهتها بإجراءات غير تقليدية ترجع أساساً إلى صرفياتها العسكرية. ففي أول خطاب يلقيه أمام الكونغرس لم يتطرق إلى ما لهذه الزيادة المقترحة في الإنفاق العسكري من مردودات على الوضع الأمني في الولايات المتحدة ولا انعكاساتها على سياستها الخارجية.

والواقع أن هذه الزيادة غير مبررة من وجهة نظر خبراء على بينة بقدرات الجيش الأميركي فميزانية البنتاغون تعادل المجموع الكلي لسبع من أكثر الدول المنفقة عسكرياً وبضمنها الخصمان المحتملان الصين وروسيا.

فالخبير في شؤون الأمن القومي، جوردون آدمز، الذي عمل كأحد كبار الموظفين في إدارة الرئيس كلينتون يرى أن الجيش الأميركي لا ينقصه الاستعداد وليست هناك تهديدات حقيقية منظورة أو غير منظورة تتعرض لها الولايات المتحدة تبرر هذه الزيادة على حساب ميزانيات قطاعات مدنية في الدولة الفيدرالية.

الحرب على داعش لها شرعية لا شك فيها من جوانب عديدة حضارية وسياسية وأخلاقية وأمنية ولكن الدول عادة تضع في سياقات خوضها حرباً معينة أهدافاً تتجاوز ما هو معلن وخاصة حين تقرر دولة بحجم الولايات المتحدة ذلك. إلا أن الرئيس ترامب لا يرغب في خوض حروب. كما خاضها من سبقوه فهو حين يعلن أن الولايات المتحدة لم تحقق مكاسب سياسية توازي إنفاقها العسكري متهماً الإدارات التي سبقته بإهدار ستة تريليونات من الدولارات في حروبها خلال السبعة عشر الماضية محققة مكاسب سياسية لغيرها لا بد من أن له رؤية في تحقيق مكاسب سياسية ومادية في الوقت نفسه كما سبق أن أعلن عن ذلك مراراً.

ما تسرب من خطة البنتاغون لمحاربة داعش لا يقتصر على شن العمليات العسكرية ضد هذا التنظيم أو ضد حواضنه بل قد يتجاوز ذلك إلى اتخاذ قرارات سياسية تشمل إعلان الحرب على تنظيمات وميليشيات ذات هويات متعددة ووضعها ضمن المنظمات الإرهابية بل قد يتجاوز ذلك إلى شن حروب على دول تتهم بدعمها للإرهاب.

الحرب على هذا التنظيم لا تتطلب زج قطعات عسكرية كبيرة ومعدات ثقيلة بكثافة عالية فهي في أغلب الحالات تتم عن طريق طائرات الدرون أو الإنزالات المفاجئة التي تقوم بها القوات الخاصة على مواقع الإرهاب المهمة.

وحرب كهذه لا تبرر هذه الزيادة في الإنفاق العسكري فتعزيز قدرات هذه الأداة المسلحة القوية قد تعمل على زيادة الإغراءات باستخدامها ولا سيما أن كوريا الشمالية وإيران أصبحتا مصدر قلق للولايات المتحدة ولحلفائها ولم يخف الرئيس ترامب مشاعره غير الودية نحوهما.

في هذا السياق هناك مخاوف حقيقية تتمحور حول عدم القدرة على التنبؤ بما سيذهب إليه حلفاء الولايات المتحدة الرئيس في الاصطفاف وراء سياسته التي قد يتمخض عنها مواقف تلقائية تتصف بها شخصيته بما قد لا يتفق مع مصالح هؤلاء الحلفاء.