العالم يقترب من لفحات صيف حاسم.. بقلم: إيهاب شوقي

العالم يقترب من لفحات صيف حاسم.. بقلم: إيهاب شوقي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١٤ مارس ٢٠١٧

يقع أردوغان هذه الأيام ضحية للانتخابات الأوربية التي اصبحت تنافساتها اكثر حدة ونتائجها اقل قابلية للتوقعات المحسومة.
وهو ضحية لما حاول تصديره عن نفسه بأنه نظام الخلافة الاسلامية بدوافع توسعية وأصبح موسوماً بذلك رغم تناقضات ممارساته بالطبع مع جوهر الاسلام، الا أن هذا العنوان أصبح عنواناً سياسياً فتح عليه ابواب المزايدات الانتخابية في هولندا والمانيا ونتوقع ان تدخل فرنسا على الخط في المرحلة القادمة، والتي برز اليمين فيها من مكمنه وأبرز أنيابه مستندا على قواعد شعبية عانت من تداعيات العولمة والهجرة وفكرة الاتحاد الاوربي من الاساس وما فرضته من سياسات.
هذا التصعيد الذي رأيناه وكأنه مفاجئ في هولندا مبعثه ان حزب الحرية للسياسي اليميني المتطرف فيلدرز ينافس بقوة، وتقول التوقعات انه ربما يحلّ ثانياً في الانتخابات التشريعية التي ستشهدها هولندا الأربعاء المقبل (15 من مارس/اذار)، ما قد يمثل لطمة جديدة لأوروبا التي لم تفق بعد من صدمة خروج بريطانيا.
الانتخابات الهولندية التي يتنافس بها أكثر من ثمانية وعشرين حزباً لنحو اثني عشر مليون ناخب من المرجح أن تتناثر الأصوات وتتشتت وقد يستغرق تشكيل الحكومة الجديدة اشهراً.
وتتكون الحكومة الائتلافية الحالية من حزب الشعب من أجل الحرية من يمين الوسط وحزب العمل من يسار الوسط.
وترجح استطلاعات الرأي أن يأتي حزب "الحرية" لفيلدرز المعادي للإسلام والاتحاد الاوروبي في المركز الثاني.
وقد تعهد فيلدرز بخروج هولندا من الاتحاد الأوروبي في حال حقق حزب "الحرية" اليميني الراديكالي الذي ينتمي إليه، الفوز بالانتخابات.
والوضع في المانيا شائك، وأنجيلا ميركل التي تترشح لولاية رابعة بعد ان شغلت هذا المنصب منذ عام 2005، تناضل من اجل منع المزايدات اليمينية عليها.
وبرغم ان التحليلات الجوهرية تقول ان سياسة التقشف في دول أوروبا، أفقدت ميركل جزءاً كبيراً من شعبيتها، ومن شعبية فكرة الإتحاد الأوروبي ككل، وخير مثال على ذلك، اليونان، الا ان ما يتصدر الصورة هو أن ترحيب المستشارة الألمانية بمليون لاجئ، وفتح أبواب أوروبا على مصراعيها أمام المهاجرين، هو ما أثار غضب المواطنين الأوروبيين، وعزز من مواقف القوى اليمينية، خاصة بعد الأعمال الإرهابية التي شهدتها دول وعواصم أوروبية، وألقي باللائمة على المهاجرين ويعد إلصاق الاسلام بالمهاجرين هو لبّ المزايدة وهو ما يدفع المانيا حاليا للتصعيد ايضاً مع اردوغان ناهيك عن محاولات ابتزازه المستمرة.
وكل التقديرات تقول ان الورقة الرابحة في الانتخابات هي حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني، المعادي للمهاجرين، والمعادي للإسلام. ويمكن أن يكتسب المزيد من الدعم إذا نمت المعارضة لسياسة ميركل تجاه المهاجرين.
 وذوو الاطلاع يعرفون جيدا انه إذا حدثت "المفاجأة" وخسرت ميركل، لا يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي على شفا تغيير شامل لسياساته فقط بل سيكون في حكم المؤكد انهياره.
اما الانتخابات الرئاسية الفرنسية، والتي ستجري الجولة الأولى بها في 23 أبريل/نيسان والجولة الثانية 7 مايو/أيار، فقد تفاخرت ماريان لوبان، زعيمة الجبهة القومية اليمينية في فرنسا، بأنها ستكون الرئيس المقبل في فرنسا، ولا تستبعد  استطلاعات الرأي حدوث ذلك في الجولة الاولى على الاقل.
ومعظم الخبراء السياسيين الفرنسيين يعتقدون أنها ستكون أحد المرشحين في الجولة النهائية من الانتخابات.
وتستفيد لوبان من الاوضاع الاقتصادية والامنية الحالية ويساعدها مؤيدوها المتحمسون، وتستفيد ايضا من انقسام المعارضة.
ومن شأن فوز لوبان كما تقول التقديرات أن يقلب السياسة الفرنسية، ويحفز الأحزاب اليمينية في أماكن أخرى في أوروبا، ويترك المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كزعيم أوروبي وحيد يدعو بقوة لاتحاد أوروبي موحد، وهو ما يفسر استقبال ميركل المميز للمرشح ايمانويل ماكرون المؤيد لبقاء الاتحاد الاوربي.
المانيا ميركل تعلم ان انهيار الاتحاد الاوربي لن يترك فرصة لاوروبا سالمة وانا ستكون هناك عودة لاجواء الحرب العالمية الثانية ويراهن اليمين على بعث المارد الالماني وهو ما تخشاه الحكومات الاوربية المدافعة عن بقاء الاتحاد الذي يذيب ويحتوي التناقضات التي تبدو ناعمة والتي سرعان ما ستتطور الى صراعات من النوع المسلح الخشن.
ربما ما يؤجل الصراعات المسلحة وسط الحشود العسكرية في المنطقة العربية هو انتظار الانتخابات الأوروبية كما تأجلت التسويات في سوريا انتظارا للانتخابات الامريكية.
ربما لو فاز اوباما لكانت الامور قد تبلورت اما الى احترام مناطق نفوذ وتجنب حرب او الى حرب مسلحة صريحة وفقا للارادات السياسية للاطراف اللاعبة، ولكن فوز ترامب اجل الحسم انتظارا لتداعياته ونتائجه وذيوله.
لو فاز اليمين الاوروبي وانهارت العولمة رسميا فان الصراع المسلح يدخل الى منطقة اقرب للحتمية لا بفعل الحماسة الشعبوية او الضغائن الدينية فهي ربما ستار، ولكن بفعل البحث عن خروج من الازمة الاقتصادية والعودة للاستعمار الصريح.
ولو خسر اليمين واستقرت التوجهات العولمية فلربما تستسلم امريكا ولن تجد لها عونا الا الحلفاء التقليديين ولربما يصبح ترامب نسخة من اوباما ويتم حسم الامور على نطاق اضيق ليس بالضرورة اقل حدة ولكنه بالضرورة اقل استقطابا من حيث المسميات والتصنيفات ولن يكون مفتوحا انفتاح صراع اليمين.
الى اشعار اخر فالامور تنتظر اوروبا بعد ان انتظرت امريكا وبالتالي فهي لا تنتظر طويلا والعام الحالي وصيفه سيحدد كثيرا من مستقبل العالم.
هناك من فاته قطار التسويات ويسير الى حتفه ويجني ما صنعت يداه مثل اردوغان.
وهناك من يمشي على الحبل في السيرك الدولي انتظاراً للحسم وهم التابعون والمرتضون بهذا الدور.
وهناك من هم أطراف لاعبة وهم الاسياد ايا كان توصيفهم القيمي من حيث الخير او الشر.
ولكل من ينحاز نصيبا من السيادة ولكل من يتلون وينتظر نصيبا من العبودية