لو كررتها اسرائيل... ما هي حدود النار؟.. بقلم: عباس ضاهر

لو كررتها اسرائيل... ما هي حدود النار؟.. بقلم: عباس ضاهر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢١ مارس ٢٠١٧

منذ بدأت مايسمى "الثورة السورية" عام 2011، تعسكرت المعارضة، وتمددت الأحداث بدءاً من درعا جنوب البلاد نحو الارياف في كل الاتجاهات. بمجرد حصول "الثوّار" على أسلحة خولتهم خوض المعارك الميدانية ضدالجيش السوري، كانت أولى اهدافهم التي هاجموها: قواعد الدفاع الجوي. خصوصا في المنطقة الجنوبية، ثم ريف دمشق، فأرياف حمص وحماه. دخلوا الى المطارات ومراكز الدفاع الاستراتيجي وعطلوا منظومات كانت تنتشر على طول المساحة السوريّة. يومها تيقنت دمشق ان بنك الأهداف حدّدتهاسرائيل، لكن لم يصدق المعارضون، ولم تكترث البيئة الشعبية الحاضنة "للثورة السورية". كان الهمّ الأساسي عندها إسقاط النظام بأي طريقة.

تعطلّت قدرة سوريا على الدفاع الاستراتيجي، وشلّت الهجمات المسلحة قدراتها الردعية، بإستثناء منظومتين قرب دمشق حافظ عليهما الجيش وعزز إمكاناتهما بمؤازرة تقنية روسية، وقواعد دفاع جوي في طرطوس واللاذقية. استغلت اسرائيل الانشغال السوري وتراجع قدرات الجيش، فهاجمت اهدافاً سورية مرات عدة خلال السنوات الماضية. كانت تل ابيب تتدخل لتقديم دعم للمسلحين عند تراجع معنوياتهم وسقوط جبهاتهم. لم يسمح الاسرائيليون لشاحنات سورية تحمل صواريخ بعيدة المدى او فعّالة من التنقل، كان الطيران الاسرائيلي جاهزاً لتنفيذ أوامر عاجلة بضرب الأهداف داخل الاراضي السورية، وخصوصا اذا كانت الصواريخ لحزب الله. لم تكن تل ابيب تخشى استخدام تلك الأسلحة الثقيلة ضدها، بل تسارع لإجهاض اي هجوم قد يغيّر موازين القوى الداخلية السورية لصالح دمشق.

في الساعات الماضية هاجمت اربع طائرات إسرائيلية اهدافاً في سوريا. تل ابيب قالت انها استهدفت سلاحاً وقوافل لحزب الله. دمشق أكدت ان الطيران الاسرائيلي استهدف مراكز عسكرية سورية قرب تدمر.

ماذا يعني التصريحان السوري والاسرائيلي؟

دمشق ارادت القول لكل شعوب وعواصم العالم ان تل ابيب سارعت لإنقاذ "داعش" من الهزيمة التي يُصاب بها بعد تدمر. اي ان اسرائيل تساند الارهاب والتطرف الذي يقلق العالم.

تل ابيب ادعت انها استهدفت حزب الله، للايحاء بأنها تدافع عن نفسها وتحمي اسرائيل من زيادة قدرات المقاومة وتعزيزاتها الموجهة ضمنياً ضد المصالح الاسرائيلية، خصوصا بعد تهديد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بضرب مفاعل "ديمونا" في النقب الذي يحتاج استهدافه لصواريخ ثقيلة وعابرة للمساحات.

الحدث هو في نوعية الردّ السوري، بإستخدام دمشق لصواريخ "سام 6" لاحقت الطائرات الاسرائيلية، "فأسقطت طائرة" بحسب البيان العسكري السوري، واجبرت الطائرات الاخرى على الهروب. لم تعتد دمشق الادّعاء يوماً انها أسقطت طائرة إسرائيلية، او اصابت هدفاً آخر. هي لم تخترع انجازاً من قبل، ولم تُفبرك خبراً شبيهاً، بقدر ما توصّف حادثاً ونتائج وقعت. اسرائيل نفت سقوط طائرة، لكنها أقرّت بحصول الرد السوري المفاجئ. هنا بدا القلق في تل ابيب.

اولاً: بعد ست سنوات من الحرب في سوريا، واستهداف الجيش ودفاعاته الجوية والأرضية، ظهر الجيش السوري معافى في ردّه. أي أنّه لا يزال يملك زمام المبادرة الردعية.

ثانياً: برز نقاش إسرائيلي عبر وسائل الاعلام، حول مدى الموافقة الروسية على الرد الصاروخي السوري. خصوصا ان موسكو استدعت السفير الاسرائيلي لديها لاستيضاح سبب العدوان على سوريا. بعكس المرات السابقة من التجاهل الروسي لأي ضربة إسرائيلية تستهدف سوريا. هنا أبدت موسكو اهتماما بدولة حليفة تؤازرها في الحرب ضد الارهاب.

ثالثاً: اذا صحّ إدِّعاء اسرائيل انها استهدفت سلاحاً لحزب الله، فإن الرد السوري هو تأكيد الالتزام بالتحالف بين دمشق وحلفائها، وفي الطليعة حزب الله. علماً ان الإسرائيليين كانوا استهدفوا سابقاً الحزب من دون رد سوري عسكري عملي.

رابعاً: مجرد الردّ على اسرائيل بوجود روسيا في سوريا، يعني ان دمشق تؤكد خياراتها الاستراتيجية والقومية، لتدحض صحة ما يُقال عن إذعان امام ممارسات اسرائيل على الحدود الجنوبية.

خامساً: يأتي الرد السوري في ظل تواجد قوات اميركية في الشمال والشرق السوري، ما يعطي رسالة واضحة ان أي تواجد غربي حليف لتل ابيب لن يمنع من استهداف اسرائيل.

سادساً: يأتي الرد بعد اول عدوان يعقب كلام السيد نصرالله، الذي كان هدد الإسرائيليين بالرد القاسي. تلك إشارة من حليفه السوري على قدرة "حلف الممانعة" على المجابهة لا الرضوخ. وكأن زمن التغاضي عن عدوان اسرائيل قد ولّى.

سابعاً: جاء الرد في زمن استهداف الأميركيين للارهاب في سوريا، كما حصل في ادلب منذ ساعات. علماً ان واشنطن الداعمة ضمنياً وعملياً للجيش السوري في حربه ضد داعش والنصرة، تريد إقصاء حزب الله والايرانيين عن سوريا، الى درجة انها تساوي بينهم وبين "داعش".

وعليه، يدور النقاش في تل ابيب كما ظهر علناً. هل تغيرت قواعد الاشتباك مع سوريا؟ لِم لا؟.

هذا يفتح المجال على سيناريوهين: اما رضوخ تل ابيب امام مستجدات سوريا، والاكتفاء بحماية الحدود معها، كما كانت الحال قبل عام 2011، وإمَّا الاقدام على مزيد من الغارات وضرب أهداف سورية ولحزب الله لحفظ ماء الوجه داخل تل ابيب، ولإعلان رفضها القبول بالوقائع الاقليمية الجديدة القائمة على معافاة سوريا وتمدد نفوذ ايران وتعملق حزب الله.

بالتالي سعي تل ابيب لفرض تسوية برعاية روسية-اميركية.

أي حرب إسرائيلية لن تكون هروباً لتل ابيب الى الامام، بل ستكون مقدمة لضربها في العمق. فهل تتحمل؟

لو كررت اسرائيل عدوانها، سيتدرج الرد عليها. سوريا وإيران وحزب الله باتوا يملكون أسلحة نوعيّة. الحرب هذه المرة ان وقعت، ستجر ويلاتها على الإسرائيليين. هذا ما يقوله عارفون في "محور الممانعة". المحور نفسه ينتصر على "داعش" من الموصل الى تدمر وما بينهما.

النشرة