هل تكون الرقة هي الفخ؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

هل تكون الرقة هي الفخ؟.. بقلم: فراس عزيز ديب

تحليل وآراء

السبت، ٢٥ مارس ٢٠١٧

أن يهدد «أردوغان» الأوروبيين بأنهم «لن يستطيعوا المشي في الشوارع» ثم يتبعه هجوم إرهابي في «لندن» فهذا ليس دلالة فقط أنه علينا الجلوس ومراقبة المزيد في باقي العواصم التي زرع فيها «أردوغان» خلاياه النائمة، لكن علينا ألا نغفل سؤالاً أساسياً: تُرى ماذا لو أن مُطلق هذه التهديدات هو أحد أضلاع محور «الحرب على الإرهاب» في سورية؟ أما كان «مجلس الأمن» سيجتمع لبحث خطورة التهديدات؟ إذاً، هل بدأ الأوروبيون يستوعبون الدرس بأن هذا «الأردوغان» كان ولا يزال يلدغهم كيفما يشأ؟
لكن وبشكلٍ متزامنٍ، أن نقرأ ليلَ نهار عن أهمية سلسلة اجتماعات «جنيف»، ونجاح لقاءات «الآستانة» في إرساء «الهدنة»، هنا ليس علينا فقط أن نسأل ماذا بقي من «كذبة» «الهدنة» بعد ما جرى في ريفَي «دمشق» و«حماة»، بل علينا أن نجلس وننتظر الأسوأ؟ وهل هناك أسوأ مما جرى؟ ربما أن ما هو أسوأ ألا نستوعب خطورة ما جرى، ونبقى أسرى لاتفاقاتٍ جافة لا معنى لها.
في السابق كانت الذريعة أن «جبهة النصرة» هي المسؤولة عن أي هجومٍ ومن ثم فإن «الهدنة» بخير كون «النصرة» خارج الاتفاق، حتى هذه الذريعة ربما كانت لا تقنع من يدافعون عنها من المقتنعين بصوابية «الهدنة». اليوم خرجت الأمور للعلن وبشكلٍ فاضح، فالجبهة ليست إلا طرفاً في الهجوم مثلها مثل باقي الفصائل الموقِّعة على «الهدنة»، بل إن التعاون بينهم وبين الجبهة المدرجة على لائحة مجلس الأمن للمنظمات الإرهابية كان علنياً لدرجةٍ تجعلك تشعر أن من قرر الهجوم قرره لأنه يريد إحراج المدافعين عن الاتفاق.
عندما يتحول الدفاع عن اتفاق وقف إطلاق النار إلى «لازمة موسيقية» نكررها فقط من باب إظهار صوابية هذا الخيار، فالأمر فيه نوع من التبسيط في التعاطي، لأننا نتجاهل السلبيات، ولكي تتضح الصورة أكثر يمكننا القول إن إجرام العصابات المسلحة لم يتبدل، وما يسمونه «العنف» لم يتراجع، لا قبل الاتفاق ولا بعده مع فرقٍ بسيط أن هذا الإجرام كان (مفرقاً)، أما اليوم فهو(جملة)؛ يعتمد التركيز على منطقة ما بهدف الحصول عليها تمهيداً لكسبها في المفاوضات السياسية. القضية لم تعد تحتمل التجميل، تحديداً أن عاملين أساسيين وبعد ست سنواتٍ من العمل «غير المباشر» فيما يتعلق بأجندتهم الخاصة في سورية انتقلا عملياً للعمل «المباشر»، فما هما؟
أولاً: العامل الإسرائيلي؛ فأن يعلن الإرهابي «محمد علوش» أن لا علاقة لـ«إسرائيل» بالهجوم الذي شُنَّ على دمشق فهو تطبيقٌ لمقولة «يكاد المريب أن يقول خذوني».
هذا النفي المتزامن مع التصعيد «الإسرائيلي» سياسياً وعسكرياً يحمِل تأكيد الرغبة «الإسرائيلية» في رفع منسوب الاستنزاف حتى الصيف القادم، على أمل أن تكون حربها التي تُعدُّ لها أسهل. هذا الكلام يُفسره ببساطةٍ اتحاد العصابات الإرهابية على مختلف ارتباطاتها بغزوةٍ واحدة، لأنه انعكاسٌ لما يجري في المستويات الأعلى؛ بدأها «ليبرمان» نهاية العام الماضي بالدعوة لتشكيل تحالفٍ بين «إسرائيل» والدول العربية المعتدلة، وأتبعها «ترامب» بتأكيده على «بن سلمان» ضرورة انتقال التحالف الخليجي مع «إسرائيل» إلى العلن، كون حربهم على «عدوٍ» واحد.
ثانيا: العامل الأميركي؛ هنا يبدو السؤال المنطقي: أي وجهتي النظر في الإدارة الأميركية ستنتصر؛ «البنتاغون» الذي يصر على وراثة نهج «أوباما» بأن الحرب على «النظام السوري» يجب أن تتم بالتوازي مع «الحرب المزعومة» على الإرهاب لتصبح الثانية ضرورةً لتحقيق الأولى، أم وجهة النظر «الترامبية» التي ترى أن التعاطي مع الإرهاب كبوابةٍ لتحقيق المصالح بات يشكل خطراً دولياً والأولوية هي لمحاربة الإرهاب مع الحفاظ على الحلفاء التقليديين؟
ربما أن ما نجح به «نتنياهو» خلال زيارته الأخيرة للبيت الأبيض هو الوصول إلى حلٍ وسط يقوم على المزج بين الفكرتين والوصول للإستراتيجية الأميركية القادمة في سورية: الحرب على الإرهاب يجب أن تتم بالتوازي مع إضعاف «النظام السوري» تدريجياً حتى نصل إلى إنهاك كليهما معاً، ولعل أولى النقاط التي يريدون العمل بها بشكلٍ مباشر هذه المرة هي العودة لما كان يطرحه «أردوغان» عن «المناطق الآمنة» بصورةٍ تقسيمية، فهل بدأ الأميركي بذلك؟
لم يكن من باب المصادفة أن يعلن أحد مستشاري «ترامب» «وليد فارس»أن الرقة سيتم تسليمها بعد تحريرها لأهلها «العرب السنة». هذا الكلام هناك من رأى فيه ضربة لطموحات «أردوغان»، لكنه في العمق لا يتعارض أبداً مع ما يريده «أردوغان» لأنه سيوقف حكماً مخاوفه من «الانفصاليين الأكراد». القصة الأميركية لم تبدأ هنا، هي بدأت مع الإعلان عن إنزالٍ مظلي قامت به قوات أميركية في «الطبقة»، هذا الأمر لا يعني مجرد رغبة في السيطرة على «سد الفرات» أو قطع الطريق على تقدم الجيش العربي السوري، الأمر حكماً هو نوعٌ من تكريس «المناطق الآمنة» للهاربين من عملية تحرير «الرقة»، التي بشرنا وزير الدفاع الفرنسي «لودريان» أنها ستكون طويلة ومعقدة، وعندما نقول إنها طويلة فهذا يعني أن الكثير من المفاجآت في انتظارنا؛ فلا التركي المُستبعد بقرارٍ أميركي من عملية التحرير سيقبل بسقوط «داعش» بهذه السرعة، ولا الأوروبيون يريدون المزيد من طوفان اللاجئين الذي هددهم به «أردوغان»، العملية تبدو نظرياً أعقد.
لم نخطئ يوماً عندما تساءلنا: (هل باتت الرقة تساوي سورية؟)، لأن مصير المعركة سيحدد مصير وحدة الأراضي السورية، لم يكن الانفصاليون الأكراد وحدهم المشكلة لأن سيطرتهم عليها ستعني قفل مناطق نفوذهم عند حدود الفرات، بل كان هناك مشكلة أهم وهو ما كان يُـطرح عن «كانتون طائفي» يكون تمهيداً لدولةٍ طائفية تمتد من الرقة عبر «دير الزور» وصولاً لغرب العراق. إن تصريحات مستشار «ترامب» قد تكون عودة لخطاب الكانتونات الطائفية والعرقية، هذه العودة علينا أن ننتبه أنها تترافق مع استماتة «داعش» للسيطرة على «دير الزُّور»، من ثم خلق ذاك المجال الحيوي الذي نتحدث عنه، لكن أين الروس من كل ذلك؟
الروسي يريد معاقبة الأوروبيين على هذا الأساس يقوم بتدليل «أردوغان» والتغاضي عن تورطهِ في كل ما جرى في الأسبوع الماضي من بينها وصول 1000 إرهابي من ميليشيا «درع الفرات» إلى «ريف حماة» تحديداً، لكن عليه أن يتنبه لما هو أهم: أوروبا هي من تعاقب نفسها بنفسها فلماذا نشتري من «أردوغان» بضاعة كاسدة؟ ثم إن أوروبا مقبلةٌ على تغييرٍ جذري في بنيتها السياسية تحديداً عند الدول الوازنة والفاعلة، تبدلٌ سيفرض مستقبلاً نظرية أن أوروبا بحاجة لروسيا، لكنها حكماً ستظل ترى في «أردوغان» عدواً، واقعٌ سيعيشه الروس مستقبلاً ملخصه الأساسي: أوروبا ستتبدل ذاتياً، لكن إياكم أن تقعوا في فخ احتمالية تغير «أردوغان»، فماذا ينتظرنا؟
غالباً ما يُحكى عن اتفاقٍ ضمني (روسي أميركي) على تقاسم النفوذ في سورية حتى لو أدى هذا الأمر لخلق نوع من التقسيم. هذا الكلام لا يبدو منطقياً، ومطلقوه هم فئتان أساسيتان: الأولى تلك التي ترى بنفسها معتدلةٌ وترفض الإرهاب، لكنها في الوقت نفسه تعتبر أنه لولا الروسي لسقط ما يسمونه «النظام»، الثانية تلك التي تريد تعويم أي إنجازٍ إيراني، وترى بكل الخطوات الروسية مجرد أجندة مصالح. بين هذه وتلك على المواطن السوري أن يعي أن كلا الطرفين مغال في وجهة نظره؛ فالاتفاق «الروسي الأميركي» لا يزال بعيداً، بل نكاد نجزم أنهما أقرب للصدام من الاتفاق، وإذا كان الأميركي سيواصل مغامرته في الشمال السوري، فعليه أن يتذكر أن من يستخدم كلاب الصيد يُتقن فن نصبِ الأفخاخ، فهل تكون «الرقة» هي الفخ؟ ربما ستخبرنا الأيام بأن هذا الفخ قد يبدو تحصيل حاصلٍ. واهمٌ من يظن أن أحداً سيرفع الراية البيضاء بهذه السهولة، وواهمٌ من يظن أن مسلسل الاجتماعات على اختلاف مسمياتها ستصنع حلاً، وحدهم «شجعان هذا العصر» من يصنعون الحل.