لاتحدثني عن "الربيع" ..سورية تقاتل أعدائها لا أبنائها.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

لاتحدثني عن "الربيع" ..سورية تقاتل أعدائها لا أبنائها.. بقلم: المهندس ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الأحد، ٢٦ مارس ٢٠١٧

عندما يضعون رهانهم في مقامر لاس فيجاس , و يشحذون سكاكينهم في مسالخ تل أبيب , ويفخخون اّمالهم في عبوةٍ أو حزامٍ ناسف , و تحلم أرواحهم بحورياتٍ السراب , حرية ٌ مطلقة , وديمقراطية مزيفة , زهرٌ أسود , وجماجم يعلوها الصدأ , و رائحة الخراب والدمار تملئ الفضاء , و يصرخ الألم , هوذا الربيع الذي وُعدنا به , هلمّوا لنكتب قصتنا , ونخبر الأجيال عن عمّا كان وعمّا حصل , فأيُ عصرٍ هذا .. و أي ليلٍ طويل حالك السواد شديد الظلمة!.
فهل سيجرؤ العرب على كتابة تاريخهم الحديث ؟ و ماذا سيكتبون ؟ أم سيتركونها مهمة ً للمستشرقين والغرباء و المستغربين!؟, أسيكتبون عن ربيعهم المزور , وسفكهم الدماء العربية , وتدمير أوطانهم , وتوسيع الهوة أكثر فأكثر مع أقرانهم من ساكني الأرض .
أتراهم يَصدقون و يكتبون عن أعداء ٍ خططوا ليحصدوا , فيما نحن نتصارع و نتقاتل , و يتسابق بعضنا لنيل رضاهم وتقبيل أحذيتهم , فيما يتساءل  البعض الاّخر لماذا نُحارَب ؟ لماذا نُقتل ؟ لماذا يَفرضون علينا قانون الغاب ، و لماذا ينصر "المجتمع الدولي" الظالم على المظلوم ؟ والإرهاب على السلام .
أسيحدثونا عن ثورات الحرية والديمقراطية والكرامة وحقوق الإنسان في نصف الدول العربية وجمهورياته , ويتجاهلون عمدا ً ممالك و مشيخات الجاهلية والتطرف والجهل والحقد والشرّ ؟ .
كم من الكذب والنفاق نحتاج لإقناع أجيالنا القادمة أن ثورات العرب قادها أتراكٌ و شيشانيون و بلغار وأنغوش و بلجيك وألمان ...إلخ, بدعم وقيادةٍ  صهيو- أمريكية , بصفقات ترامب وعقيدة أوباما و فكر هيلاري و رايس وهنري ليفي و برجنسكي و كيسنجر و تسبي ليفني ونتنياهو و أردوغان!.
أسيصدق عرب المستقبل أن السعودية و قطر أرادا جلب الحرية و الديمقراطية للسوريين , وأنهم أرسلوا المال و السلاح والصواريخ و الفتن والفتاوي الشيطانية و قاطعي الرؤوس و اّكلي الأكباد لهدف ٍ " نبيل " و من فيض محبة الشيطان , يقودهم خزّان علومهم وتطورهم و دساتيرهم و سيرهم الذاتية ..!
اكتبوا ما شئتم .. لكن اعترفوا أن الربيع ضل طريقه و أخطأ العنوان , و احذروا لعنة هيرودت و توكيديوس و ابن خلدون , و اختاروا من عِبَرِهم إن كان " التاريخ يكرر نفسه " أم لا ؟.
اكتبوا أنكم سفكتم دم السوريين لأجل فلسطين والجولان و كل ذرة تراب ٍ محتلة و مغتصبة , و قولوا لقد تأخروا في تحريرها , و فضحوا القصة , فوجب قتلهم , ولا بد من الإنتقال إلى الخطة البديلة وإلى الدوران في الفلك الصهيوني , فقد استشهد الاّلاف و فلسطين لم تُحرر , فلماذا لا نبيعها و نشتري لأولادهم ثيابا ً ليلبسوها في عيد الفطر والأضحى , وخبزا ً و كعكة الفصح ليأكلوها على قبر المسيح هناك .
هي الحرب القذرة التي تبدأ ولا تنتهي , حتى لو إنتهت في الميادين فإنها لن تغادر العقول والقلوب , فهناك من أراد للعالم أن يخرج عن السيطرة , و يتحول فيه كل فعل ٍ إلى مباح و مطلب و ضرورة .
فالعالم يعيش حالة غليان , و الأزمة ليست في دول الصفيح الساخن , بل في عقول مصنّعيها من الديمقراطيات الغربية , و دول الإستعمار القديم والحديث , في طليعتها الولايات المتحدة الأمريكية.
فالخطر يتهدد الجميع في وقت ٍ تغيب فيه الأمم المتحدة و تنحرف عن مبادئها التي أعلنتها زورا ً , تستباح فيه كل القيم والأخلاق الإجتماعية و الدينية ويصبح كل شيءٍ مباح , و يسوده نظام ٌ مصالحي دون أي إعتبار للفارق بين الخير و الشر , إستنادا ً إلى الدين أوالقيم الأخلاقية .
فالحروب المصيرية الساخنة على الدول والشعوب في سورية و ليبيا و العراق و اليمن مستمرة بلا هوادة, ولا تزال المهل و الفرص تُعطى بسخاء لإرهابيون و مسلحون و لمعارضات خائنة ؟.. وعلى مقربة من إكتمال العقد الإرهابي الجديد , تستمر الفوضى و المشاريع الدامية , و يبقى السؤال إلى متى ؟
لن نناقش صراعا ً أزليا ً بين الخير و الشر, إنما نتحدث عن صراع أدوات كل منهما , في ظل إنقسام ٍ واضح وضع فيه نصف العالم نفسه بشكل ٍ أو بآخر في خدمة الأول , فيما وضع نصفه الاّخر في خدمة الثاني ...
و يطرح السؤال نفسه , من سيقف بينهما ويقول كفى؟ هل أصبحنا نبحث عن معتدلين أم حياديين , أم منصفين ؟.
إن صراع الإيدولوجيات والمصالح الجيو- سياسية , تحاول فرض شرعيتها من طبيعتين مادية و"إيمانية", و ما بين بينهما يحدث التشابك ومن تضاد إلى توافق إلى شراكة و شركاء , و يدخل التضليل الإعلامي طرفا ً أسياسيا ً, يفرض ضبابيته على كلا الطرفين , فتضيع الحقيقة وسط الإعلام المسيس والمأجور والشاشات والصفحات الصفراء , فيما القتل مستمر والفوضى سائدة.
فقد استطاع الغرب أن يحولنا إلى شعوب ٍ تندفع لحفر قبورها , يُعلّق فيها البعض أمالهم على بعض الدول العربية الحاقدة , والعدو الإسرائيلي!, أو جامعة الدول العربية , والأمم المتحدة , وغاب عن ذهنهم موقف أولئك الأبطال والمقاومين الذين هبوا للدفاع عن أوطانهم و مصير وحياة شعوبهم.
لم نر أحد ٌ يعترف بخطأه , أو بمصالحه الشريرة , ولا بد للحكومات العربية أن تسأل نفسها من نحن و إلى أين نحن ذاهبون ؟ وهل سيتحقق العدل في ظل ربح و خسارة العراقيين و اليمنيين و السوريين ؟
ففي ظل استباحة المارد الأمريكي و مشروعه الكبير في السيطرة على العالم , لم يعد من السهولة بمكان التقليل من أهمية طريقة تفكير العقل الأمريكي المهيمن بأمراضه وعقده النفسية , و دوافعها الراسخة في أحلامهم و وأهدافهم, إذ يقول برجنسكي : " إن الإيمان بأهمية القيم والمعتقدات لا تقل أهمية عن الإقتصاد" , وعليه فإن "استباحة كل شيء تجعل العالم خارج نطاق السيطرة" .. فيما يقول الروائي الروسي فيودور دستوفسكي :" إذا لم يكن الله موجودا ً فإن كل شيء عندئذ ٍ يصبح مباحا ً " .. الأمر الذي يؤكد أن الأول يؤمن بمملكة قيصر والثاني بمملكة السماء , فيما يحتار ثالث ٌ لعدم فهمه كلام السيد المسيح " أوف ما لقيصر لقيصر ,  ما لله لله ".
لا تحدثني ثانيةً عن الربيع , وعمّا يفعله اليائسون أو الأغبياء والخونة , وأنه بات علينا أن ننقل السلاح من كتف المقاومة إلى كتف العمالة , ونستبدل العدو الإسرائيلي بعدو ٍ إفتراضي آخر, و نتسابق في حاجتنا للإعتراف بإتفاقية كامب ديفيد , ووادي عربة , و أوسلو , و"دولة" غزة الكبرى ؟ أكثر من حاجتنا إلى تحرير الأرض و تطوير الذات , ألم نعد نحتاج التضامن و التكامل العربي والوحدة العربية ؟ واكتفينا بالشرذمة و الضياع و الإقتتال العربي- العربي؟ وهل من سبيل لإقناعنا  بحاجة سورية و ليبيا و العراق واليمن لدليل ٍ ديمقراطي صحراوي بدوي بدائي , لم يرتق إلى مستوى يستحق أن يطلق عليه اسم شعب , ليكون المُصلح و المُرشد و الدليل نحو الديمقراطية.
ويلٌ لمن يسير في ركابهم , ويؤمن أن سوريا  تقاتل أبنائها لا أعدائها , وويلٌ لمن "يُزهر" في ربيعهم , ويرى بعيونهم مستقبل سوريا عبر تدميرها و تهجير شعبها و نُخبها , وسرقة ثرواتها ومقدراتها وقرارها ودورها , ويبقى الأمل معلقا ً على شرفاء الأمة ومقاوميها , فلن يطول زمن إنتصارهم, بعدما اختبر الطغاة شدة باسهم و صلابة إيمانهم بالله و بالنصر و الحرية.