«القمة» العربية وأفضلية الراقصة.. بقلم: إيهاب زكي

«القمة» العربية وأفضلية الراقصة.. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢٨ مارس ٢٠١٧

بيروت برس -
الحقيقة أنّ الصراع كاد أن يكون داميًا بين نفسي ونفسي، ونفسي تحاول اقناع نفسي باختيار الموضوع الأهم للكتابة، فحدثان جللان تنازعتهما نفسي مع نفسي، وأيهما الأكثر تأثيرًا على حاضر ومستقبل هذه الأمة، أو بالأحرى أيهما أشد أثرًا على عقلها وضميرها، الأول هو مؤتمر القمة العربية في دورته العادية، والثاني هو إعلان الراقصة سما المصري عن نيتها تقديم برنامج ديني في شهر رمضان المقبل. فنفسٌ تحمل سيف العروبة المتخشب منذ سقوط الأندلس، ونفسٌ تحمل درع الإسلام المتشظي منذ اختراع الوهابية ورفدها بالنفط، ولا شيء يضاهي بؤس المعركة وعبثيتها سوى كارثية النتائج، فقد تغلب السيف على الدرع وألزمني بالكتابة عن مؤتمر القمة، فالفاضلة سما المصري خسرت المعركة بالضربة القاضية، على قاعدة "إذا حضر الماء بطل التيمم"، فلا يُعقل أن تكتب عنها في حضور الجلالات والفخامات، رغم أن النفس المكلومة بالهزيمة لا زالت تحاجج بأفضلية الراقصة وأحقيتها وأهميتها، لأنها بالمقارنة ستكون أكثر إئتمانًا على الإسلام والمسلمين، والعرب والعروبة، من أطولِ لُحَيِّةٍ حتى أطول عُبيئة، ومن أصغر ملك حتى أُصيغر الملوك.
من المعيب ابتداءً اطلاق مسمى "قمة" على هذه الحادثة السنوية المؤسفة، حيث يجتمع الصغار بالأصاغر مستظلين بالقدم الأمريكية في أغلب الأحوال، وبالأحذية الصهيونية في أفضلها، وهذه نتيجة حتمية للتغول النفطي في ظل غياب أو تغييب العواصم العربية الشاهدة والشهيدة، بغداد دمشق والقاهرة، وإن كانت دمشق تغيب شكلًا ومضمونًا، فإن القاهرة وبغداد تغيبان مضمونًا، وتحضر الرياض وتحضر الدوحة ويحضر ديمستورا، فأي قاموس يحوي مفردات قادرة على وصف شقاء هذا الحضور وحضور الأشقياء، الذين سيناقشون ثلاثين قضية، وهو بالصدفة البحتة عدد أيام شهر رمضان وبالتالي عدد حلقات البرنامج الديني لـ سما المصري. وعلى رأس تلك القضايا العدوان السعودي على اليمن وسوريا والعراق، والتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، والدعابات "الإسرائيلية" الثقيلة، المتمثلة في سرقة فلسطين بمقدساتها العربية والإسلامية والمسيحية، وتشريد شعبها وعدوانها المتواصل على شعوب العرب وأوطانهم، لذلك فإنّ هذه الدعابات ما عادت ترقى لمرحلة وجوب العتاب، حتى الرجل الذي يُعتقد أنه سيعتبر الدعابات "الإسرائيلية" عدوانًا، الرئيس اللبناني ميشيل عون، يُعتبر خارجًا عن الإجماع العربي.

قديمًا كانت تأتي البيانات الختامية لتلك "القمم" من "السي آي إيه" ويتم ترجمتها للعربية، كما كشف ذات مرة الراحل معمر القذافي عبر لقاءٍ متلفز، لكنه قال تأتي من البيت الأبيض، وقد يكون هذا تقديرًا منه لنفسه ولأقرانه حيث إخفاء حقيقة أنّ مصدرها المخابرات الأمريكية، فالموظفون العرب برتبة ملوك وأمراء ورؤساء لا يرقون لاستحقاق وظائف في البيت الأبيض، أما الآن سيتجشأون عناء الترجمة من الإنجليزية والعبرية معًا، وسيحتل التدخل الإيراني في الشؤون التحتية –الداخلية أقصد- صدَّارة البيان الختامي، "والشدة هنا ليست خطًا مطبعيًا"، فإيران هذه هي التي تؤرق عيون العرب، وتعكر صفو عيشهم وتعايشهم مع "إسرائيل"، وهي التي تمول وتسلح كل من يقاتل "إسرائيل"، وهذا يرقى لمرحلة التهديد الوجودي على حد تعبير ولي ولي العهد السعودي. فلا يمكن لإيران أن تكون تهديدًا وجوديًا لأيٍ من شعوب هذه المنطقة أو جغرافيتها أو ديمغرافيتها، إلَّا إذا ربط مصيره بمصير "إسرائيل"، فإيران الثورة كان من اليسير عليها وراثة سياسات إيران الشاه، وبالتالي تظل شرطيًا للخليج ترنو إلى يديه أو قدميه -لا فرق- العباءات والتيجان بالقبلات والقرابين، والأهم أنها أكثر احتمالًا وأوسع صدرًا من العرب على العرب، فمقارنة ما يبديه العرب من عداءٍ لإيران، وما يفعلونه بغية التعبير والمجاهرة بذلك قولًا وفعلًا، لا يُقارن على الإطلاق بما أبدته الكويت من عداوةٍ أو بغضاء تجاه عراق صدام حسين، حين جعل عاليَها سافلها.

والمفارقة فيما لو ورثت إيران الثورة سياسة إيران الشاه، لكانت سوريا اليوم تقف وحيدةً لمطالبة العرب بفكّ ارتباطهم بإيران -بمن فيهم صدام حسين الذي سالم إيران الشاه ووقَّع معها العهود والمواثيق، وعادى إيران الثورة وحاربها-، بعكس اليوم وهي-سوريا- تقف شبه وحيدة أيضًا يطالبها العرب بالتخلي عن حلفها مع إيران، وأما في اليمن فتحضر إيران أيضًا، وعلى مدار الساعة منذ عامين يرتكب آل سعود المجازر وجرائم الحرب، ويلطخون بالعار وجه العروبة والإنسانية والإسلام، وإذا كان وجودهم عارًا فكيف بسلوكهم، ورغم ذلك ستبارك "القمة" همجية جرائمهم، وستلعن أطفال اليمن طفلًا طفلًا، الأموات منهم قبل الأحياء. فالعرب يحبون الريالات والثريد، فيستهجنون على اليمنيين رفض استحياء نسائهم واستعباد رجالهم لمن يملك الريالات والثريد، لذلك سيستنكرون هذا العفاف اليمني ويدينونه، وسيخرجون علينا بلا حياءٍ ليعلنوا في القبائل كما قال درويش ذات ماضٍ "أن يثرب أجَّرت قرآنها ليهود خيبر". وعليه فإنّ ما ستقوله "القمة" هو الباطل المحض، وإذا أراد العرب معرفة البوصلة الحق، فهو الضد التام مما ستقوله "القمة" بلا جدلٍ أو نظر، بعكس ما ستقوله الفاضلة سما المصري في برنامجها الديني، فقد يكون فيه نظر شكلًا وموضوعًا، وأنصح المواطن العربي بالتمعن في جلسات هذه "القمة"، فقد تكون الأخيرة بلا حضور "إسرائيلي" مباشر.