لماذا يلجأ الجيش السوري الى تدبير إعادة التموضع؟.. بقلم: عمر معربوني

لماذا يلجأ الجيش السوري الى تدبير إعادة التموضع؟.. بقلم: عمر معربوني

تحليل وآراء

السبت، ١ أبريل ٢٠١٧

بيروت برس -

قبل البدء بشرح الظروف التي تضطر الجيش السوري للجوء الى تنفيذ تدبير اعادة التموضع، لا بد من شرح ماهيّة هذا التدبير ومتى يجب اعتماده وأسباب اعتماده.

إعادة التموضع هو تدبير تسميه بعض المدارس العسكرية بالإنسحاب التكتيكي، وهو كناية عن مناورة تراجعية تلجأ اليها القوة المقاتلة بحسب ظروف الميدان ومتغيراته، واهم أسباب اعادة التموضع هي :
1-     تجنب خوض القتال في ظروف غير متكافئة.
2-    الفارق الكبير في العدد بين قوّة المُدَافعة والقوة المهاجِمة.
3-    عندما تكون قوات الخط الأول قوات استطلاع ومراقبة.
4-    التراجع الى خط دفاع مُحضّر مسبقًا بهدف سحب القوة المهاجِمة الى بقعة الرّوْع (القتل) ووضعها ضمن حالة الإستنزاف بالنار.
5-    الحفاظ على العديد البشري والعتاد وتحسين شروط المدَافعَة.

وقد يكون التراجع صامتًا وقد يكون مرفقاً بالحركة والنار، وهي أمور يعود تقديرها للقادة الميدانيين وترتبط بظروفهم الميدانية المباشرة.
ومن شروط نجاح اعادة التموضع، الحفاظ على سيطرة مركزية لقيادة القطاع او المنطقة على القوات واحتفاظ القوة المتراجعة بقدرة التنفيذ حتى انتقالها مع الإحتياطي الى ظروف الثبات، وامتلاك المبادرة والعودة لاحقًا الى تنفيذ هجمات مضادة قد تكون شاملة وقد تكون على محاور محددة.

ومن شروط نجاح اعادة التموضع أيضًا ان يكون التراجع منظّمًا، بحيث يكون متواليًا من الأبعد فالأقرب.
في ظروف الحرب الدائرة على الأرض السورية نحن أمام حرب لا نمطية، تختلف اختلافًا جذريًا عن الحرب التي تمّ اعداد الجيش السوري لخوضها، وهي الحرب الجبهية بمواجهة العدو الصهيوني وفي منطقة جغرافية واحدة.
ومن التموضع في ارض محددة على جبهة بعرض محدد وبعمق محدد وجد الجيش السوري نفسه امام مواجهة شاملة على كامل الجغرافيا السورية، حيث تحولت كل قرية او مجموعة قرى الى جبهة منفصلة عن الجبهة الأخرى.

في بدايات هذه الحرب، كان على الجيش السوري ان يستوعب الصدمة الناتجة عن اضطراره للمواجهة في كل الأماكن التي يتواجد فيها، ويبدأ بتنفيذ إجراءات وتدابير تقليص لانتشار قواته ووضعت القيادة لهذا الأمر اولويات تمثلت في الحفاظ على المدن الكبرى وطرق الربط بينها، وهو الأمر الذي يستنزف اعدادًا كبيرة من عديد الجيش، خصوصًا اذا ما اضفنا اليه القواعد الجوية والمطارات المدنية والموانئ، فحول كل مدينة يوجد طوقان او اكثر من القوات المدافعة عن المدن اضافة الى تأمين قلب المدن من خلال الحواجز وتأمين الحماية للإدارات الرسمية والمؤسسات الحساسة ومراكز القيادة وغيرها.

واذا ما عدنا الى الوراء سنوات، لوجدنا ان الجيش السوري نفّذ مجموعة انسحابات من مناطق واسعة لتخفيف حجم الإنتشار ونقل عبء الجغرافيا للجماعات الإرهابية، ما يجبرها على تشتيت قواتها للحفاظ على الجغرافيا الجديدة تحت سيطرتها، وهو احد اشكال الإستنزاف وسيؤدي غرضه في مرحلة لاحقة من المواجهات.

وهنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ الجيش وقواته الرديفة مارسوا كل انواع القتال من قتال المدن المعقد والذي كانت ولا زالت الأنفاق احد ابشع انواعه، لما تؤمنه للعدو من قدرة انتقال وتخفي وتحقق له عنصر المفاجأة من خلال اعتماد التفجير تحت الأرض، وهي تفجيرات أدّت الغرض منها أحيانًا وفشلت احيانًا اخرى، إلّا انها لا تزال احد اسباب تأخر الحسم في جبهات كثيرة كالغوطة الشرقية وغيرها.
المفخخات المتحركة والثابتة كانت ولا تزال احد الأنماط التي تستخدمها الجماعات التكفيرية ينفذها انتحاريون بهدف احداث خرق في خطوط الدفاع الأولى، لتحقيق عامل الصدمة والمفاجأة تمهيدًا لاندفاع مجموعات الإقتحام.

حتى اللحظة، تتفوق الجماعات الإرهابية على الجيش السوري بعاملين:
1-    العدد البشري الكبير لناحية القوة المقاتلة، فهذه الجماعات تقاتل بكامل عديدها حيث تتواجد وتتموضع وضمن بقع جغرافية لا تحتوي تجمعات سكنية ضخمة ولا منشآت حيوية ولا طرق ربط، على غرار الجيش السوري الذي عليه واجب حماية المدن الكبرى وطرق الربط بينها.
2-    خطوط الإمداد المفتوحة والقصيرة على تركيا في الشمال وعلى الأردن في الجنوب وكذلك عند منطقة الحدود السورية – الفلسطينية، حيث يؤمن الكيان الصهيوني لهذه الجماعات كافة اشكال الدعم الناري واللوجستي.

منذ حوالي السنة تقريبًا بدأت الجماعات الإرهابية تعتمد اسلوب الهجمات الشاملة بأعداد كبيرة من المهاجمين، تضم عربات مفخخة باعداد كبيرة تتولى مهمة خرق الدفاعات الأولى ليبدأ عمل الإنغماسيين، وهم انتحاريون يدخلون بقعة القتال بعد تفجير العربات ولتتبعهم مجموعات الإقتحام.
امام هذا النوع من القتال، بدأ الجيش السوري باعتماد تدبير اعادة التموضع المؤقت لاحتواء قوة الهجوم والحفاظ على قوة المُدَافعَة وتحسين شروطها، وهو ما حصل في حلب وأدّى الى وضع الجماعات الإرهابية داخل بقعة الرّوْعْ والبدء بعملية استنزاف نارية تولاها في المرحلة الأولى سلاحا الطيران والمدفعية، وفي المرحلة الثانية وحدات المدفعية المباشرة والمضاد للدروع.

هذا الأمر حصل في حلب بعد معركة الكليات العسكرية ومعركة غرب حلب، وحصل اخيرًا في جوبر وريف حماه الشمالي، والنتيجة نفسها حيث تم وضع آلاف الإرهابيين في بقعة الرّوْعْ واستنزافهم بالنار وضرب خطوط امدادهم والبدء بالهجوم المضاد بعد تحقيق خسائر كبيرة في صفوف الإرهابيين.
في حلب، خسرت الجماعات الإرهابية آلاف المقاتلين، وهو ما حصل في جوبر حيث تشير التقارير الى حوالي 900 قتل ليصل العدد في ريف حماه الشمالي الى 2300 قتيل.

هذا في خسائر الجماعات الإرهابية البشرية، امّا في الجانب الميداني فالجيش استطاع استعادة كامل الأراضي التي تراجع عنها بفارق ان اهداف الجماعات لم تتحقق وادّت الى خسارة كبيرة لها.
ان استمرار اعتماد الجماعات الإرهابية للأنماط نفسها سيتم احتواؤه بالتأكيد، وسيؤدي الى تراكمات سلبية ترتبط بقدرة هذه الجماعات على الإستمرار في القتال على المدى المتوسط والبعيد.