بعد الشعيرات.. أمريكا بلا نفط وبلا «إسرائيل».. بقلم: إيهاب زكي

بعد الشعيرات.. أمريكا بلا نفط وبلا «إسرائيل».. بقلم: إيهاب زكي

تحليل وآراء

السبت، ٨ أبريل ٢٠١٧

بيروت برس -

في مراحل سقوط الإمبراطوريات، لا يمكن لأي فعلٍ مهما كان رصينًا أن يُغير مجرى التاريخ، فكيف إذا كان أحمقًا، فما فعلته الإدارة الأمريكية من عدوانٍ على مطار الشعيرات، نستطيع أن نضعه بكل يقين كتأريخٍ لظهور أول علامات الانحدار الامبراطوري، فكثيرًا ما تحدثنا عن إرهاصات هذا الانحدار، ولكن هذا العدوان جعل من تلك الارهاصات حقيقة واقعة، فمن نواميس التاريخ حالة "الصعود فالقمة فالانحدار"، وقد تربعت الولايات المتحدة على قمة الكون عقدين كاملين بلا منازع، ولم يكن عبثيًا ولا غبيًا ما قاله دونالد ترامب في حملته الانتخابية، حول رغبته في إعادة العظمة لأمريكا، فهو يرى بالفعل تآكل القدرة الأمريكية وعجز الإرادة عن تحقيق الأهداف وحماية المصالح، كما كان يرى سلفه أوباما ذلك أيضًا، وتبدى من خلال التذكير المتواتر بأنّ روسيا ليست دولة عظمى، وإنما مجرد قوة إقليمية، فقبل عقدين لم يكن أحدٌ بحاجة للتذكير، وفي الوقت الذي حاول ترامب ترميم هذه القدرة عبر العدوان على سوريا، كان يزيد من انكشاف سوءة العجز.

بعكس الصخب الذي سبق انطلاق صواريخ العدوان على سوريا، تسود حالة من الصمت الأمريكي بعد العدوان، صمتٌ ترافق مع تصريحات تنم عن الرغبة الأمريكية بامتصاص الغضب الروسي، فقد أعلن البنتاغون انتهاء العمليات، ثم طالب روسيا بإعادة فتح قنوات الاتصال المغلقة، بحكم تعليق العمل ببروتوكلات السلامة. فالإعلان عن انتهاء العمليات بعد طلاق 59 صاورخًا، يعني أن الأمر لم يكن أكثر من عملٍ استعراضي، لن يؤثر على الوضع الميداني القائم، وأنه مجرد زوبعةٍ في فنجان، وأن الأطراف المعنية ستتفهم الحاجة الأمريكية-الترامبية- لهذا العمل الاستعراضي، لمواجهة خصوم الداخل أولًا، كما أنها عظَمة مناسبة يلقيها ترامب لأتباعه النابحين على أبواب دمشق محليًا وإقليميًا، وهي استثمار جيد حيث تقوم مملكة آل سعود بتغطية التكاليف بإضعاف مضاعفة، كما أن مسارعة البنتاغون للطلب من روسيا إعادة فتح قنوات الاتصال، ينم عن الرغبة الأمريكية بعدم التصعيد، أو بالأحرى بعدم القدرة على احتمال مآلات التصعيد، كما أنه رغبة بالعودة إلى قواعد ما قبل العدوان، فالولايات المتحدة لم تتوقع تغيير قواعد الاشتباك لمجرد ارتكابها لفعلٍ أحمق، وهو توقعٌ ساذجٌ لردود أفعال المعتدى عليهم.

فقد كانت ردود فعل دمشق وحلفائها، تنم عن فهمٍ دقيق وعميق للأهداف الأمريكية، وهي ردود أفعال تجعل من العودة لقواعد ما قبل العدوان، أمرًا متعذرًا ودونه الكثير من التنازلات التي يتوجب على الولايات المتحدة دفعها، فالولايات المتحدة قد اعتبرت أن إبلاغ روسيا بالعملية قبل انطلاقها، بمثابة بطاقة خضراء، وبغض النظر إن تم الاتفاق مع روسيا على أهداف محددة تجازوها القصف، أو أن روسيا رفضت إعطاء الضوء الأخضر ابتداءً، فقررت أمريكا تحمل النتائج منفردةً، فإن هناك عدة نتائج لهذه الحماقة الأمريكية، وأهمها على الإطلاق، هو القرار الروسي بتعزيز الدفاعات السورية، وهذا بالتزامن مع الإعلان عن إغلاق قناة الاتصال الأمريكية الروسية، وهذا يعني أولًا كسرًا للذراع "الإسرائيلية" الطويلة، فالطائرات "الإسرائيلية" ستكون أكثر عجزًا من طائر بلا أجنحة في السماء السورية، فهذه الحماقة-الترامبية- جعلت من زيارات نتن ياهو إلى موسكو-التي حتمًا يطالب فيها بوتين بعدم تزويد سوريا بدفاعات أرضية متطورة- هباءً تذروه الرياح، وأن إغلاق قناة الاتصال إن كان يعني حاليًا شبه حظر جوي على الطيران الأمريكي في السماء السورية، فإنّ الإعلان عن تزويد سوريا بأسلحة دفاع جوي متطورة يعني حظرًا جويًا ستفرضه دمشق وقتما تشاء، وستكون سوريا كلها منطقة آمنة أرضًا وجوًا بقرار يفرضه قصر المهاجرين ولا يفرض عليه.

حتى كتابة هذه السطور، لا يوجد ما يدل على رغبةٍ أمريكية بالتصعيد، وكل ما ترغب به هو العودة لقواعد ما قبل العدوان، فالترحيب الإقليمي بهذا العدوان والإعراب النفطي عن الاستعداد التام لدفع كامل الفاتورة بشكلٍ مضاعف، لم يدفع أمريكا للتصعيد، والقادم من الأيام سينبئ بما لا يدع مجالًا للشك، بأن محور دمشق في تصاعد مستمر بالتزامن مع انحدار المحور الأمريكي، خصوصًا أن هذا العدوان يستبطن التراجع بعكس ظاهره، وما الاندفاع الأوروبي "الإسرائيلي" التركي النفطي للترحيب به، سوى برهان قاطع على غرق هذا المحور، الذي تعلق بهذه القشة الأمريكية، وإذا كانت هذه القراءة خاطئة، ورفع ترامب من وتيرة هذه الخطوة الحمقاء، بالاتجاه نحو التصعيد والصدام المباشر، فإنّ الانحدار الأمريكي سيكون أكثر تسارعًا مما يظن أكثر المتفائلين، فحينها ستخرج الولايات المتحدة من هذه المنطقة إلى الأبد، بلا نفط والأهم بلا "إسرائيل".