ترامب: عودة إلى «جادة الصواب» بعد «مشاغبات» لثلاثة أشهر

ترامب: عودة إلى «جادة الصواب» بعد «مشاغبات» لثلاثة أشهر

تحليل وآراء

الثلاثاء، ١١ أبريل ٢٠١٧

عبد المنعم علي عيسى

إذاً، لقد حسم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمره بعد صراع قصير لم تصل مدته ثلاثة أشهر، بل قرر، ونفذ أيضاً، رفع الرايات البيض إيذاناً بإعلان الهزيمة في مواجهة المؤسسة الحاكمة الأميركية، التي يمثل البنتاغون إحدى أهم ركائزها، جرى ذلك بعدما أجهدته محاولات الظهور كمن يريد التمرد عليها أو أقله التمايز عنها، وهي المشهورة بالدعوة إلى قرع طبول الحرب بشكل دائم، وهي المشهورة أيضاً بأياديها السوداء فيما يخص الأزمة السورية، ولربما كانت هذه الأخيرة قد سارت في اتجاه آخر مغاير للذي سلكته فيما بعد لو أن اتفاق 9 أيلول 2016 قد جرى تنفيذه، ولو لم تسقطه الرؤوس الحامية في البنتاغون التي أرادت رسم خطوط حمر حتى في مواجهة رئيسها، وقد استطاعت أن تفعل.
الآن من الجائز القول إن دونالد ترامب ومنذ 7 نيسان الجاري، قد بدأ مرحلة جديدة، وقرر في سياقها أن يخوض معركة بناء تراثه الخاص الذي يظهره كرئيس قوي بعد ثماني سنوات من «التعقل» الأميركي الذي طفى على ولايتي باراك أوباما 2009- 2017، وبمعنى آخر أراد ترامب أن ينتفض على «التعقل» وعلى «الاتهامات» التي أغرقته أو أظهرته بمظهر «رجل روسيا في أميركا»، وما يؤكد هذه الفرضية، أن الكونغرس الأميركي ومن باب دعمه للتوجه الجديد للرئيس ترامب، كان قد منح هذا الأخير تفويضاً يخوله تزويد المعارضة السورية بصواريخ «مانباد» المضادة للطائرات في 9 نيسان الجاري أي بعد 48 ساعة على قرار ضرب مطار الشعيرات.
من الناحية العملية، لم يحقق العدوان مكاسب عسكرية أو سياسية، فقد ذكر المرصد السوري المعارض أن طائرتين سوريتين أقلعتا في الساعة السابعة من مساء 7 نيسان الجاري من مطار الشعيرات باتجاه تنفيذ غارة على أهداف للفصائل المستثناة من أي وقف لإطلاق النار.
أما في الشق السياسي، فيمكن القول: إن الضربة قد أدت إلى تغيير جذري للمناخات التي ولدتها، بغض النظر عن القائم بالفعل، فقد كان واضحاً وبعيد دقائق من حادثة خان شيخون في الرابع من نيسان الجاري أن الاتهام جاهز ولا داعي للانتظار ريثما يتكشف الفاعل، الأمر الذي وضع دمشق وحلفاءها في موقف دفاعي، قبل أن ينقلب هذا الأخير إلى نقيضه بعد ضرب مطار الشعيرات، ولذا فإن ما قام به ترامب، حتى بالنسبة للمصالح الأميركية، يمكن تصنيفه في باب «سوء استخدام القوة»، وفي التاريخ هناك العديد من الزعماء الذين لم يحسنوا إقرار سياسات تتواءم مع قدرات بلادهم المادية، وهم بذلك سعوا إلى تقزيم أنفسهم وبلادهم معها، والأمثلة عديدة مثل رئيس الوزراء البريطاني نيفيل تشامبرلين عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 والرئيس المصري محمد أنور السادات، قبل أن ينضم إلى تلك اللائحة أخيراً دونالد ترامب.
في تداعيات الضربة، لا يبدو أن هذه الأخيرة قد أفرزت مواقف، أو تراصفات، جديدة، فمعسكر الحرب على دمشق بقي هو هو ولم يتغير، لكن لابد من تسجيل نقطتين مهمتين في هذا السياق الأولى هي: حجم التردد، والوهن، المصري الذي اكتفى بدعوة «العالم» إلى التفاهم لإيجاد تسوية للأزمة السورية، وكأنه لا يدرك أن المواقف أو التراصفات هي التي تفرض التسويات أو تجعلها واقعاً لا فرار منه، والثانية هي: في ما ذهبت إليه أنقرة التي عبرت عن دعمها للضربة الأميركية بل استعدادها الدائم للمشاركة في أي عمل عسكري قد تقرره أو تخطوه واشنطن ضد دمشق، وذاك بالتأكيد خروج على التفاهمات الروسية التركية، ولسوف ترخي بظلالها الثقيلة على العلاقة القائمة بين البلدين، فما قامت به أنقرة أشبه ما يكون بحرق مراكبها، لأن المعركة الفاصلة قد حانت لحظتها، واللافت أن الرئيس رجب طيب أردوغان قد رمى بكل ما وصلت إليه «تناغماته» مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لحظة واحدة، ولربما كان ذلك، عبر الصورة التي جاء عليها، وهي خطيئة كبرى تضاف إلى مسلسل أخطاء الرئيس التركي وهو ما أظهره وكأنه «قد غرق في شبر ماء».
في التداعيات أيضاً، دفعت الضربة بموسكو نحو تعزيز ودعم القدرات الدفاعية السورية بعدما تبين أن نظام إس إس 200 المضاد للصواريخ لم يكن فعالاً، إلا أن الذروة كانت في إبلاغ موسكو لواشنطن وقف العمل بالاتفاق المعمول به فيما بين البلدين في سورية تجنباً لحدوث صدام عسكري، وهو أمر يعتبر بمنزلة قرار روسي بإخراج أميركا عسكرياً من الجغرافيا السورية قياساً إلى افتقاد ذلك الوجود لعمق «محيطي» بما فيه أنقرة ذات الموقف المتردد وخصوصاً أن عودة الأمور إلى مجاريها السابقة سوف يلزمها المزيد، ما يوجب على أنقرة تقديمه لإرضاء موسكو.
يبقى السؤال الأهم هو هل كانت ضربة مطار الشعيرات مقدمة أو هي قابلة للتكرار؟ إن الجواب يأتي على الأرجح بنفي مؤكد انطلاقاً من أمرين اثنين أولاهما: المناخات التي فرضتها الضربة وردة فعل موسكو الحادة، وهو ما قرأه وزير الدفاع البريطاني في السابع من الجاري على أنه لا يمثل مقدمة لحملة عسكرية تشنها واشنطن ضد دمشق، وثانيهما: فضيحة «الكفاءة» التي أظهرتها الضربة، ومن المؤكد أن واشنطن قد أخرجت فخر صناعتها الصاروخية ومع ذلك فإن عدد صواريخ التوماهوك التي وصلت إلى أهدافها لم يتجاوز الـ23 صاروخاً من أصل 59 صاروخاً كانت قد أطلقت من السفن الأميركية المرابطة في مواجهة الشواطئ اللبنانية، ولربما كانت حالة فقدان واشنطن لثقتها بصواريخها هي التي لعبت الدور الأبرز في اختيار الهدف نظراً لأن مطار الشعيرات لم يكن يحوي أي وجود روسي أو إيراني فيه ولا قريباً منه، حيث الخشية كانت كما يبدو في أن تؤدي حالة إصابة الصواريخ لأهدافها بدقة قد دفعت إلى اختيار هدف يبعد ما يزيد على50 كم لأي وجود عسكري روسي وما يؤكد هذه الفرضية أن واشنطن قامت بإبلاغ موسكو بالضربة، كما أعلن البنتاغون الأميركي، قبيل ساعات على حدوثها، لإخراج أي وجود لها، حيث لا تبرر مدة الساعات الطويلة نسبياً القول إن ذلك الإبلاغ يندرج تحت إطار التوافق الروسي الأميركي، وخصوصاً أن ما كانت واشنطن مقبلة عليه، يمثل خروجاً عن أدنى التوافقات المعمول بها، أو هي لا تقيم اعتباراً لها.
باختصار لم تكن الضربة تهدف إلى تعديل ميزان القوى القائم، كما رجح العديدون، ولا إلى أهداف بعيدة تصل إلى حدود إسقاط النظام القائم في دمشق، وهي لا تعدو أن تكون إشعاراً أراد ترامب تقديمه إلى خصمه الداخلي المتمثل بالمؤسسة الحاكمة الأميركية أو هيكلية النظام الأميركي وطريقة اتخاذ القرار فيه، وقد أراد عبره أن يؤكد حسن نياته تجاه هؤلاء أو تقديم دليل مادي لعودته إلى «جادة الصواب» بعدما جرب «المشاغبة» لثلاثة أشهر، ومثلها ما قبل فوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة في الثامن من تشرين الثاني الماضي، التي أوصلته إلى سدة السلطة في واشنطن.