الحدث الخطر.. تصعيد يوجب المضي في المصالحات لتشكيل جبهة شعبية واسعة في مواجهته

الحدث الخطر.. تصعيد يوجب المضي في المصالحات لتشكيل جبهة شعبية واسعة في مواجهته

تحليل وآراء

الأربعاء، ١٢ أبريل ٢٠١٧

 السويد- سهام اليوسف

تذكرنا دوافع وأهداف ما حصل في خان شيخون صبيحة 4 نيسان الجاري بدوافع وأهداف ما حصل في بيروت صبيحة 14 شباط عام 2005 عندما أودى تفجير كبير بحياة رئيس الحكومة اللبنانية آنذاك رفيق الحريري، حيث كان الهدف الأساسي لتلك الجريمة هو ضرب سورية وإخراج الجيش السوري من لبنان ما يؤدي إلى انكشاف ظهر المقاومة اللبنانية للانقضاض على حزب اللـه والقضاء عليه.
وهذا ما يُمهد للقول في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سورية: إن عملية اتخاذ قرارات خطرة تهدد الأمن والسلم الدوليين على شاكلة القرار الأميركي بضرب القاعدة الجوية في سورية، تحتاج لحدث خطر تُتهم القيادة السورية والجيش السوري بارتكابه على شاكلة جريمة تفجير القذائف التي تحتوي على الغازات السامة في خان شيخون، وكذلك الحال فإن التراجع عن قرارات مهمة تتعلق بقضايا كبيرة يحتاج إلى مسوّغات توازيها.
فقد تمكنت منظومة الإرهاب وداعموها من خلال ارتكاب جريمة استخدام الغاز السام في خان شيخون من توفير الفرصة المناسبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب كي يتراجع عن مواقفه التي أعلن عنها خلال حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، وتلك التي أعلن عنها بعد تسلمه منصب الرئاسة في أميركا، وخاصة المتعلق منها بالحرب في سورية والإرهاب، والتي كانت حتى الأمس القريب محط اهتمام القادة السياسيين في العالم والمؤسسات الإعلامية بمختلف أنواعها، وهي العمل على محاربة الإرهاب في سورية والعالم، بل زاد على ذلك بقوله: إنه لن يكون هناك مكان واحد آمن في العالم لإرهابي واحد وبأنه سيُطهّر الكرة الأرضية من الإرهابيين، كذلك قول وزير خارجيته: «إن الشعب السوري هو الذي يملك كلمة الفصل في تحديد مستقبله واختيار رئيسه». هذه الجريمة المزعومة كما وفّرت لترامب أيضاً الفرصة المناسبة لاتخاذ القرار الأخطر على السلم والأمن الدوليين عندما قرر ضرب القاعدة الجوية شرقي حمص بعشرات الصواريخ المجنحة، هذا القرار الذي وضع روسيا وأميركا على شفا المواجهة العسكرية، كما قال رئيس وزراء روسيا الاتحادية «ميدفيديف».
وعلى الرغم من خطورة هذا القرار وخطورة تصريح «ميدفيديف»، سارعت الدول الداعمة والراعية للإرهاب، إلى تأييد العدوان الأميركي ومباركته كما فعل ملك آل سعود، في حين اعتبره رئيس الحكومة الصهيونية بنيامين نتنياهو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، غير كافٍ ولا يفي بالغرض ما لم تعقبه ضربات متتالية على بقية المطارات العسكرية ووحدات الجيش السوري التي تخوض معارك مع تنظيم داعش الإرهابي قرب دير الزور وتدمر، وتلك التي تلحق الهزائم بمجموعات «هيئة تحرير الشام» الإرهابية في أرياف حماة وحمص واللاذقية ودرعا والقنيطرة، واعتبار أن هذا العدوان يبقى ناقصاً ما لم يتم تدمير ما تبقى من مقومات صمود الشعب والجيش السوري من بُنى تحتية ومنشآت اقتصادية، كما أن هذا العدوان فتح شهية نتنياهو للقول: إنه يفكر في عملية تدخل عسكري في سورية لضمان حماية أمن كيانه على غرار ما تفعله تركيا في الشمال السوري.
ومما لا شك فيه أن ترامب نجح كرجل أعمال وكتاجر كبير على مستوى العالم في جني ثمار هذه العملية من خزائن دول الخليج، لكنه أخفق ومعه الأطراف الإقليمية الداعمة للإرهاب والتطرف في تحقيق الاختراق الذي كانت تأمله على الأرض، واستطاع الجيش السوري احتواء نتائج هذا العدوان وتقويض أهدافه، واستطاع إفشال الهجوم الإرهابي للسيطرة على القاعدة الجوية المستهدفة والذي تزامن مع الضربة الأميركية، ولم يفشل هجومهم فحسب، بل حقق مزيداً من النجاح في تحرير مناطق جديدة في ريف حماة الشمالي وأحبط هجوم هيئة تحرير الشام في ريف اللاذقية. اللافت في هذا العدوان الأميركي هو تزامنه مع انعقاد ما يسمى «المؤتمر الدولي لدعم سورية ودول الجوار» في العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث تحول المشاركون فيه إلى خبراء كيميائيين وتسابقوا إلى اتهام الجيش السوري باستخدام قذائف تحتوي على غازات سامة واتهام القيادة السورية بالمسؤولية عن جريمة ارتكبتها أدواتهم.
وإضافة إلى ذلك شكل العدوان الأميركي مخرجاً لتلك الدول الداعمة ولأدواتها سواء من التنظيمات الإرهابية في سورية أو ممن يُسمون بـ«المعارضة السياسية»، من المأزق الذي وصلوا إليه نتيجة فشلها في تحقيق أهدافها التي كانت تعمل على تحقيقها عبر إنجاز عسكري شرقي دمشق أو في ريف حماة الشمالي، وهذا ما دفعها إلى إفشال مفاوضات الحل السياسي، سواء تلك التي عُقدت في أستانا أو الأخيرة التي عُقدت في جنيف، فزادت بذلك فشلاً على فشلها، وبكل تأكيد فهي ترمي من وراء ذلك كله إلى إطالة أمد الصراع لاستنزاف سورية وإنهاك الشعب والجيش السوري وصولاً لتقسيمها كما تحلم. ولكن كما يقال: «حساب الحقل لا ينطبق على حساب البيدر»، «وربّ ضارة نافعة»، فقد جدد العدوان الأميركي عزيمة الشعب والجيش والقيادة السورية على الاستمرار في محاربة الإرهاب بكل أشكاله، وجدد تأكيد حلفاء سورية على دعمها حتى إنجاز الانتصار على قوى الإرهاب وداعميها، وأكد بالتالي صوابية موقف سورية الحازم من الإرهاب والإصرار على محاربته حتى يتم استئصاله من جميع أراضيها، في الوقت الذي ظلت فيه دول العدوان الداعمة للإرهاب على مواقفها وتسعى إلى دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى مزيد من التصعيد والتهديد بتوجيه ضربات لاحقة إلى سورية وتحت أي ذريعة كانت.
أمام هذا التصعيد الخطر الذي تواجهه سورية في هذه المرحلة، يجب علينا المزيد من رص صفوف الوحدة الوطنية، والمضي قدماً في المصالحات المحلية، لتشكيل جبهة شعبية واسعة في مواجهة الإرهاب ومشروعات الهيمنة، لأن التجارب التاريخية أثبتت أن الشعوب التي قررت التصدي لمشروعات الغزو والاحتلال، ومهما كانت الأثمان التي تدفعها، هي المنتصرة في النهاية، فالتاريخ علمنا، أنه على أبواب سورية وأرضها تحطمت كل الغزوات واندحرت، وخرجت سورية منتصرة موحدة، وحافظت على استقلالها وسيادتها، وهذا ما سيؤكده الشعب السوري وجيشه الذي يخوض أشرس المعارك في العصر الحديث ضد الإرهاب، وإن غداً لناظره قريب.
أخيراً وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن يد الإرهاب التي امتدت إلى العاصمة السويدية استوكهولم قبل عدة أيام، والتفجيرات الإرهابية التي ضربت كنائس الأقباط في مصر مؤخراً، هي ذاتها التي تعيث خراباً وقتلاً وتدميراً في سورية والعراق، فالمشغل هو نفسه والأدوات هي ذاتها، وهذا ما حذرت منه سورية منذ زمن طويل من أن الإرهاب لا دين ولا لون له وسيطول الجميع.
الوطن