ضربات ترامب ومكاسب داعش! .. بقلم: عادل الجبوري

ضربات ترامب ومكاسب داعش! .. بقلم: عادل الجبوري

تحليل وآراء

الجمعة، ١٤ أبريل ٢٠١٧

بخلاف عدد غير قليل من الدول، لم يصدر أي موقف رسمي في العراق يدعم ويؤيد ويرحب بالضربات الصاروخية الاميركية ضد مواقع عسكرية سورية في السابع من شهر نيسان-ابريل الجاري، بل على العكس تماما، بدا الموقف الرسمي -وحتى الشعبي-العراقي منددا ومستنكرا ورافضا لذلك العدوان، ومعتبرا انه "يمكن ان يعزز وضع الجماعات الارهابية المسلحة، لا سيما تنظيم "داعش"، في كل من سوريا والعراق وعموم المنطقة."

   ولعل الموقف العراقي الرافض والمستهجن، انطلق من قراءة واقعية وموضوعية، تستند الى حقيقة، أكدت عليها محافل وقوى وشخصيات سياسية عراقية منذ الايام الاولى لاندلاع الازمة السورية قبل حوالي ستة اعوام، وبروز اجندات اقليمية ودولية تبنت الخيار العسكري لتغيير نظام الحكم في دمشق، وتمثلت تلك الحقيقة بأن الحوار والحل السلمي هو الخيار الصحيح، الذي يترتب عليه أقل قدر من الخسائر والاستحقاقات على سوريا وعموم دول المنطقة، مقارنة بالخيارات الاخرى المتهورة والفوضوية.

  وفي خضم الصخب والضجيج والفوضى والمزايدات والتدافعات، قد لا يكون ممكنا ومتاحا ادراك وتشخيص الموقف العقلاني والصحيح، ومثلما يقول السياسي العراقي عادل عبد المهدي "وقعت جريمة خان شيخون يوم 4 نيسان وقُصف مطار الشعيرات بعد 3 ايام.. أوليس من المنطقي ان تعطى فرصة لاسابيع او لايام لاجراء تحقيق دولي محايد لمعرفة الفاعل الحقيقي للجريمة ومعاقبته؟.. اجتيج العراق للقضاء على اسلحة الدمار الشامل، وكان سبباً مباشراً لتقوية "القاعدة" و"داعش".. وضرب "الشعيرات" سيقوي "النصرة" و"داعش"، بعد ان برهنت الاشهر الاخيرة ان التعاون الدولي والاقليمي لاستنهاض قوى المعارضة والنظام -حتى مع وجود خلافات عميقة- والتقريب بينها، هو ما يضعف قوى الارهاب ويفتح الطريق لدحرها ولوضع ترتيبات سياسية وامنية تنهي معاناة شعوبنا".

   ولا شك ان الحديث عن التسرع والتخبط والتضليل الاميركي في الاوساط والمحافل السياسية العراقية، لم يأت من فراغ، وانما استند الى حقائق ومعطيات ومؤشرات عديدة، من بينها، ان الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، كان طيلة حملته الانتخابية في العام الماضي، يحذر من قيام سلفه باراك اوباما باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا، على اعتبار ان مثل ذلك التوجه فيه اخطاء كثيرة، وينطوي على مخاطر كبيرة، وقد اثار موقف ترامب في حينه حفيظة المتحمسين والداعين للجوء الى القوة   العسكرية لازاحة الرئيس السوري بشار الاسد من السلطة، مثل تركيا وقطر والسعودية وفرنسا وبريطانيا وغيرها، وهذا التحول والانقلاب الكبير في موقف ترامب خلال فترة زمنية قصيرة، اما يعكس انتهازية وبراغماتية سياسية فاضحة، او تسرعا وتخبطا وانفعالا غير مدروس، وفي كلا الحالتين تبدو المسارات خاطئة، والنتائج محبطة.
   ومن بين الحقائق والمعطيات والمؤشرات على التسرع والتخبط والتضليل الاميركي، هو ان الضربات الصاروخية جاءت -بحسب ما ادعت واشنطن وروج لذلك حلفائها واتباعها- ردا على استخدام النظام السوري للاسلحة الكيمياوية في بلدة خان شيخون بمدينة ادلب، علما ان الفاصلة الزمنية بين القصف الكيمياوي والضربة الصاروخية لم تتجاوز الاثنين والسبعين ساعة، ومن دون شك انها فترة غير كافية لاجراء التحقيقات اللازمة من قبل جهات محايدة وتشخيص الطرف المتورط بالقصف الكيمياوي، علما ان المدينة التي تعرضت للقصف خاضعة لسيطرة الجماعات الارهابية المسلحة، وواحدة من الاحتمالات المطروحة، هي ان ما حصل هو تفجيرات في مخازن للاسلحة الكيمياوية التابعة للجماعات الارهابية، مع التأكيد على ان سوريا سلمت قبل اعوام منظومة اسلحتها الكيمياوية لجهات دولية، في اطار الجهود الرامية لاحتواء الازمة وقطع الطريق على اصحاب اجندات الخيار العسكري.  
   والمؤشر الاخر، تمثل في ان بوصلة المواقف السياسية والتغطيات الاعلامية اقليميا ودوليا انحرفت وركزت على ادانة النظام السوري والدعوة الى توجيه المزيد من الضربات له للوصول الى هدف اسقاطه، وغابت وتلاشت مساحات المواقف السياسية والتغطيات الاعلامية ضد داعش وبقية الجماعات الارهابية، وكأن ذلك كان مقصودا ومخططا له.
   واستكمالا للنقطة الانفة الذكر، وضعت روسيا الى جانب سوريا في بؤرة الاستهداف، وطبيعي معهما ايران وحزب الله، ومن ينظوي تحت مظلة ما يطلق عليه "معسكر الممانعة".  
    ومن الطبيعي ان يكون العراق مهتما الى حد كبير بمجريات الحدث السوري، ارتباطا بموقفه المبدئي المبكر، وارتباطا بتداخل وتشابك الملفات، لا سيما الملف الامني، ذلك التداخل الذي تفرضه الثوابت  والحقائق الجغرافية.
   فتنظيم "داعش" الارهابي الذي يتحرك وينشط في مساحات من الفضائين العراقي والسوري، حينما يقوى في احدهما فإنه يقوى في الاخر، ومعلوم ان ذلك التنظيم الارهابي تعرض الى ضربات وانتكاسات كبيرة في العراق، خصوصا خلال الشهور الستة الاخيرة، وكذا الحال في سوريا، لذلك فإن أي شيء من شأنه ان يساعده على التقاط انفاسه وترتيب صفوفه، يعني أن فرص بقائه يمكن أن تتعزز، وفترة استمراره ستطول.
    ومما لا يقبل الشك، انه من مصلحة "داعش" اضعاف النظام السوري، مثلما ان من مصلحته اتساع دائرة الخلافات والتقاطعات والتناحرات السياسية في العراق، التي تغذيها وتدفع بها قوى واطراف خارجية اقليمية ودولية معروفة النوايا والتوجهات والاهداف.
    ويشير سياسيون واصحاب رأي الى ان هناك طرفين يستفيدان بصورة حقيقة من اضطراب المشهد السوري، وحتى المشهد العراقي، هما تنظيم "داعش" والكيان الصهيوني، اما الاطراف الاخرى، فهي في الواقع تتبنى اجندات ومشاريع الاخرين رغم ان تلك الأجندات تستنزف الكثير من  امكانياتها المالية، وتهدد أمنها القومي على المدى البعيد، وتضرب منظوماتها الاجتماعية في الصميم.
   واذا كانت ضربات ترامب، قد عززت بقدر معين أسهم "داعش"، ومنحتها مكاسب غير مباشرة، فهي  كشفت بدرجة أكبر عن حقيقة ما يراد للمنطقة، وليس لسوريا والعراق فحسب، سواء كان المتربع على عرش البيت الابيض باراك اوباما، او دونالد ترامب.
العهد