النظام الرأسمالي الغربي على طريق الانحدار

النظام الرأسمالي الغربي على طريق الانحدار

تحليل وآراء

الاثنين، ١٧ أبريل ٢٠١٧

حسين عطيوي

معروف أن صعود الرأسمالية كنموذج اقتصادي وتقدمها وازدهارها، ترافق مع تأمين تقديمات اجتماعية وتحقيق الرفاهية في الدول الغربية الصناعية، وهذه المرحلة من الرأسمالية تمثلت في توفير الحماية لأسواقها من جهة، وغزو أسواق العالم الثالث والنامي من جهة ثانية، ذلك أنه لم تكن الرأسمالية بعد تواجه منافسة من الاقتصادات الاشتراكية التي كانت سائدة في الاتحاد السوفييتي السابق ودول أوروبا الشرقية، التي كانت جزءاً من المنظومة الاشتراكية السوفييتية، ولا من جمهورية الصين الشعبية أو البرازيل وغيرها من الدول الناهضة اقتصادياً هذه الأيام، فمثل هذه الاقتصادات كانت اقتصادات تعتمد على أسواقها المحلية، ولم تكن في وضع يؤهلها لمنافسة الاقتصادات الرأسمالية في الخارج.
غير أن النظام الرأسمالي الذي حقق ازدهاراً مستمراً، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتنفيذ مشروع مارشال في أوروبا وانتقل إلى مرحلة التقدم في أواخر الستينيات من القرن الماضي، استمر هذا النظام في الحفاظ على هذه الوتيرة من الازدهار حتى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، إلى أن بدأت الاقتصادات الرأسمالية الغربية تعاني من الأزمات التي ازدادت مع بداية القرن الواحد والعشرين.
التراجع في وضع الرأسمالية الغربية، بدأ عملياً مع أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، مع صعود نهج النيوليبرالية في ظل إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وإدارة رئيسة الوزراء البريطانية تاتشر، حيث بدأت سياسة فتح الحدود والعولمة الرأسمالية الساعية إلى زيادة عملية النهب والاستغلال، ليس فقط في دول العالم الثالث، وإنما أيضاً في الدول الرأسمالية نفسها، التي تحول جزء منها ليصبح مصدر الأرباح الأساسية التي يحققها، يأتي من القطاعات الريعية المالية، وليس من خلال القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية وغيرها.
وباتت هذه الرأسمالية القوة الأكبر المسيطرة على الاقتصاد من خلال البنوك والبورصة، وقد كبر دور الرأسمالية الريعية وباتت من خلال الأرباح الهائلة التي تحققها، القوة الأكثر هيمنة، وهو ما مكنها من الوصول إلى السلطة وفرض القوانين والتشريعات التي تمكنها من زيادة أرباحها وبالتالي إحداث تحول في طبيعة النظام الاقتصادي من اقتصاد يعتمد بشكل أساسي على الصناعة والزراعة، إلى اقتصاد مالي يعتمد على جني الأموال من البورصة وفتح الحدود وتعميم نظام العولمة المالية الذي يمكنها أيضاً من السيطرة على الأسواق في العالم، وجني الأرباح الطائلة. بموازاة ذلك كانت دول نامية في العالم مثل الصين قد انتقلت بسرعة من مرحلة متخلفة اقتصادياً إلى مرحلة متقدمة، وبدأت تحقق معدلات نمو عالية ومنتجاتها باتت تنافس المنتجات الغربية في الأسواق العالمية، مما أثر على معدلات النمو في الدول الرأسمالية الغربية، وخلق مشكلة للصناعات والمنتجات الرأسمالية الغربية التي بدأت تبحث عن طريقة لمواجهة هذه المنافسة التي انتقلت أيضاً إلى عقر دارها، أي أسواقها الداخلية، بسبب تدني أسعار المنتجات الصينية وغيرها من المنتجات التي تصدرها الدول الناشئة، بالقياس إلى مثيلاتها الأميركية والغربية التي لم يعد بالإمكان الحد منها بسبب تحرير الأسواق والتخلي عن نظام الحمائية الذي كان معمولاً به في المرحلة السابقة.
لقد دفع هذا الوضع الشركات الصناعة الغربية إلى البحث عن سبل لخفض أكلاف الإنتاج للتمكن من مواجهة المنافسة في الأسواق الداخلية والعالمية، فعمدت إلى سلسلة خطوات وإجراءات كانت لها انعكاسات سلبية كبيرة على نظام التقديمات الاجتماعية وفرص العمل داخل بلدانها وتمثلت بالآتي:
– نقل المصانع إلى دول من العالم الثالث، حيث كلف إنتاج السلع أقل إن كان لناحية أسعار المواد الخام، أو أجور اليد العاملة.
– الضغط على الحكومات الرأسمالية في بلدانها لتعديل قوانين العمل بما يمكنها من تغيير شروط العمل التي تحمي اليد العاملة المحلية ومستوى الأجور والضمانات الاجتماعية لمصلحة تشغيل يد عاملة أجنبية أقل تكلفة من اليد العاملة المحلية، لناحية التحرر من الأجور المرتفعة ومن الضمانات التي كان يرتبها تشغيل العمال المحليين عبر العودة إلى نظام الأجر بالساعة.
– تعديل النظام الضريبي بحيث يتم تخفيض الضرائب عن أصحاب الدخول المرتفعة.
هذه السياسات الرأسمالية النيوليبرالية أدت إلى زيادة تمركز الثروة بيد قلة قليلة من أصحاب الثروات الضخمة من أثرياء العالم الجديد، وبالتالي زيادة حدة التفاوت الاجتماعي وسحق الطبقات الوسطى وانتشار البطالة وطالبي المساعدات الاجتماعية، ما أدى إلى تراجع معدلات نمو الاقتصاد الحقيقي، وإلى التسبب في توليد عجوزات في الميزان التجاري للدول الرأسمالية، كما أدى تفاقمه إلى توليد ما بات يعرف بالدين العام الذي أصبح علة العلل، وتسبب بالفوائد العالية وزيادة تحكم الطبقة المالية الريعية وهو ما أنعكس في اتجاهين:
الأول: زيادة الركود الاقتصادي وتراجع معدلات الإنتاج، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة وتراجع أداء الخدمات العامة، وترهل البنية التحتية التي جرى إهمال صيانتها لعدم توافر الأموال بسبب العجوزات الكبيرة في الموازنة في بلدان مثل أميركا وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا… الخ.
الثاني: اتجاه الحكومات الرأسمالية إلى السعي لحل أزماتها بالعودة إلى سياسة شن الحروب الاستعمارية لإخضاع الدول وإعادة هيمنتها على الأسواق والموارد.
هذا الواقع الذي باتت ترزح تحت وطأته بلدان الرأسمالية الغربية دفع كبار الكتاب والصحفيين في الغرب إلى القول: إن الرأسمالية دخلت مرحلة الانحدار ولم تعد قادرة على تجديد نفسها وشبابها، فلا هي قادرة على الهيمنة والعودة إلى الأسواق من خلال المنافسة، ولا هي قادرة على العودة إلى فرض هيمنتها بوساطة القوة العسكرية، وهذا ما يجعلها تغرق بمزيد من أزماتها وتواجه احتداما في الصراع الاجتماعي والانقسام بين مكوناتها.