نيويورك تايمز تنصح ترامب بمساندة ’داعش’

نيويورك تايمز تنصح ترامب بمساندة ’داعش’

تحليل وآراء

السبت، ٢٩ أبريل ٢٠١٧

ترجمة :عقيل الشيخ حسين

الكاتب : Maxime Chaix

عن موقع  dedefensa.org  بواسطة  موقع  Mondialisation.ca الالكتروني
14 نيسان / أبريل 2017

  كاتب الافتتاحيات الشهير في نيويورك تايمز، توماس فريدمان، الفائز لثلاث مرات بجائزة بوليتزر، نصح مؤخراً إدارة ترامب بتقديم المساعدة العسكرية لداعش في سوريا، وذلك في الوقت الذي تقوم فيه بمحاربة هذا التنظيم في العراق. سياسة بمثل هذا التناقض والخطورة يمكنها بنظره أن تسمح بـ "ممارسة ما يكفي من الضغط على بشار الأسد وروسيا وإيران وحزب الله" لكي تقبل بالتفاوض على أساس رحيل الرئيس السوري. ففي بداية هذه المقالة التي تحمل عنوان "لماذا يقوم ترامب بمحاربة داعش في سوريا ؟"، يتكلم توماس فريدمان عن وجود تمايز أقل ما يقال فيه إنه جريء وأهوج بين ما ينظر إليه على أنه داعش "الأرض" التي تمتد من العراق إلى سوريا، و"داعش العالم الافتراضي" التي تحرك أنصارها عبر الفضاء الافتراضي. وهو يعتبر "داعش الثانية" هذه كعنصر "شيطاني، وقاس، وناعم : تنشر إيديولوجيتها عبر الانترت. وتعبئ مناصرين عقائدياً في أوروبا والعالم الإسلامي (...) وتشكل التهديد الأول الذي يثقل كاهل "العالم الغربي]". وبما أن الهدف الرئيسي لـ "داعش الأرض" هو تحقيق الانتصار على بشار الأسد وداعميه، فإن توماس فريدمان ينظر إليها باعتبارها ورقة قوة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها.

ويعتبر فريدمان أن من شأن الهزيمة العسكرية لداعش في العراق وسوريا أن تؤدي إلى تكاثر العمليات الإرهابية التي تقوم بها "داعش العالم الافتراضي" في الغرب وغيره، وذلك بهدف التعويض عن انهيار "خلافة" إبي بكر البغدادي.

فريدمان: التفجيرات التي تستهدف الغربيين هي تهديد حيوي للحضارة الغربية

بكلام آخر، يعتبر توماس فريدمان أن التفجيرات التي تستهدف الغربيين هي تهديد حيوي للحضارة [الغربية]، وينصح دونالد ترامب ليس فقط بعدم ضرب داعش بل أيضاً بمساعدتها عسكرياً في سوريا بهدف إلحاق الهزيمة بالأسد وحلفائه.

وبتركيز فريدمان على "الإرهاب الفرصة" الذي ينتج عن "داعش العالم الافتراضي"، يبدو أنه ينسى واقع أن الهجمات الكبرى ضد المدنيين الغربيين، هجمات 13 تشرين الثاني / نوفمبر، مثالاً، قد خطط لها في أراضي داعش "الخلافة". يبدو إذن أن التمييز بين العناصر المكونة لشبكة واحدة تبعاً لنمطها الإجرائي وللبلدان المستهدفة أمر قائم على الخداع وعدم النزاهة. وفي جميع الحالات، فإن كاتب الافتتاحيات النافذ في نيويورك تايمز يبدو، من خلال دعوته لاعتماد هذه السياسة، وكأنه يعتبر أن ارتكابات داعش هي مقبولة عندما تكون موجهة ضد الدول المنظور إليها -من قبل الولايات المتحدة وحلفائها- على أنها معادية.

الكاتب المذكور يقوم إذن بحث دونالد ترامب على أن يكون "هو نفسه" شخصاً يصفه بأنه "صفيق تماماً وصاحب تصرفات غير منتظرة منه"، ويدعوه إلى "أن يترك داعش لتكون معضلة في مواجهة الأسد وإيران وحزب الله وروسيا، وذلك بالطريقة نفسها التي شجعنا فيها المجاهدين على إثخان الجيش السوفياتي في أفغانستان خلال فترة الثمانينات".

هذه المقارنة التاريخية تمكننا من أن نفهم إلى أي "ثوار معادين للأسد" يطالب فريدمان بإرسال "ما يكفي من الصواريخ المضادة للدبابات وللطائرات ليهدد بها الحوامات والطائرات المقاتلة المستخدمة من قبل روسيا وإيران وحزب الله وسوريا، ولينزل بها الضربات، على الأقل، حتى توافق على التفاوض". وهذا ما يقول فريدمان بأنه "يناسبه تماماً".

هذه المقالة الانتقامية والعدوانية بوجه خاص والتي تأتي كصدى للتهديدات الأميركية الموجهة لروسيا من أحد الرؤساء السابقين لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، أو من المدير الوطني للاستخبارات في عهد الرئيس أوباما، هل تشكل انعكاساً لما يدور في أذهان صقور واشنطن ؟

فريدمان يتصرف كما ولو أنه الناطق باسم المتشددين في دولة الأمن القومي الأميركي

وفقاً لما يقوله الصحافي ماكس بلومونتال، فإن "فريدمان يتصرف بلا شك كما ولو أنه الناطق باسم المتشددين في دولة الأمن القومي الأميركي. فهؤلاء سبق لهم أن دافعوا عن النوع نفسه من الحجج" بهدف دفع أوباما إلى دعم جماعات جهادية أخرى معادية للأسد منها أحرار الشام أو جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة. والحال، إذا لم أكن مخطئاً، فإن التوصية بتقديم دعم عسكري إلى داعش لم يسبق لها مطلقاً أن صدرت عن شخصية بمثل هذه الأهمية في النقاش الأميركي العام، أقله مع حجج بمثل هذا الوضوح وهذه الصراحة. وإذا ما كان بمقدور هذه النصيحة أن تبدو مذهلة وحتى صادمة، فإن ذلك لا يعني أنها غير منطقية في منظور السياسة الخارجية الأميركية التي فرضت مؤخراً على الشرق الأوسط.

فالواقع أن داعش كان ينظر إليها من قبل إدارة أوباما، وهذا ما أكدت عليه في حواري مع الخبير البريطاني كريستوفر دافيدسون، على أنها "ورقة استراتيجية غير مباشرة"، وهذا ما دفع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وشركاءها في سوريا إلى دعمها سراً ابتداءً من كانون الثاني / يناير 2012. واعتباراً من آب / أغسطس 2014،  ومن ثم قام البنتاغون وحلفاؤه، بشكل انتهازي، باحتوائها وحمايتها من الضربات الروسية والسورية والإيرانية.

وسواء وافقنا أم لم نوافق على هذا التحليل، فإن موقع داعش كـ "ورقة استراتيجية" قد تم التأكيد عليه من قبل جون كيري خلال نقاش خاص مع ممثلي المعارضة السورية. وقد جرى الكشف عن ذلك، بشكل جزئي، من قبل نيويورك تايمز. وخلال ذلك النقاش، أكد وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة "تراقب عن كثب" صعود داعش القوي في سوريا. وأكد أن التهديد الذي يشكله هذا التنظيم يمكنه أن يجبر بشار الأسد على التفاوض بشأن استسلامه، وهذا ما حالت دونه روسيا -على ما يقوله كيري نفسه- عندما تدخلت بشكل مباشر في الصراع منذ أيلول / سبتمبر 2015.

وعلى ما يبدو، فإن توماس فريدمان هو مؤيد شديد الحماس لاستخدام داعش ضد بشار الأسد والقوى الخارجية الداعمة له. وهذه السياسة يتم إنكارها من قبل السلطات الأميركية التي توعز بتطبيقها إلى حلفائها الأتراك والخليجيين، من خلال تأكيدها الأرعن أن البنتاغون وشركاءه لا يقاتلون داعش بشكل فعلي في سوريا خلال فترة حكم أوباما، يبدو أن مقالة فريدمان  هي انعكاس لغضب الصقور الأميركيين تجاه تحول استراتيجي ممكن في ظل ولاية ترامب من شأنه أن يترجم نفسه، للأسف، على شكل خسائر بشرية كبيرة في المناطق التي تحتلها داعش.

ففي حين كانت الولايات المتحدة قد انتظرت لمدة عشر سنوات قبل أن تقصف "المقاتلين من أجل الحرية" سابقاً الذين كانت تحركهم الاستخبارت المركزية الأميركية في أفغانستان، ما جعلها تطلق أطول حرب في تاريخها، يبدو أن القوات الأميركية قد أصبحت منخرطة، منذ تولي ترامب، في القتال ضد "المعارضة المعتدلة" التي خلقتها بنفسها. وكما في كل صراع من هذا النوع تقوم فيه قوة كبرى مسلحة بضرب رجال عصابات مستعدين للموت دفاعاً عن قضيتهم، فإن الرابح الوحيد في مثل هذه الحلقة المفرغة هو (وسيبقى) شركات الأسلحة المتعددة الجنسيات التي تضاعفت أرباحها بفضل عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وبفضل فرص البيع التي يوفرها ذلك منذ العام 2014 ، على ما يقوله رئيس شركة لوكهيد مارتن.

على هذا، وسواء كانت داعش عدواً أو ورقة استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة، فإنها ستشكل بالتأكيد تهديداً مالياً في السنوات القادمة.

العهد