اقتتال الغوطة يعزز من تحالف «الموك» و«القاعدة».. بقلم: عبد الله علي

اقتتال الغوطة يعزز من تحالف «الموك» و«القاعدة».. بقلم: عبد الله علي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٢ مايو ٢٠١٧

يبدو أن قدر الغوطة الشرقية أن تدفع من دماء أبنائها ثمن طموحات أمراء الحرب ونزواتهم الشخصية وارتباطاتهم الإقليمية، ولا سيما في ظل معلومات حصلت عليها «الوطن» تؤكد أن الاقتتال بين الميليشيات المسلحة كان سيندلع بجميع الأحوال، وأن ما قام به «جيش الإسلام» هو مجرد استباق لهجوم كان يجري الإعداد له ضده، وثمة دور مشبوه تقوم به «غرفة عمليات الموك» في أحداث الغوطة، بدأت ملامحه تتضح بالتزامن مع الحديث عن خطة روسية لإقامة أربع مناطق لـ«تخفيف التصعيد» من بينها منطقة يفترض أن تقوم في الغوطة الشرقية.
وتواصلت الاشتباكات، أمس، بين «جيش الإسلام» و«فيلق الرحمن» وجبهة النصرة في الغوطة الشرقية لليوم الخامس على التوالي من دون تغيير جوهري على خريطة السيطرة على الأرض ولا سيما بعد دخول «فيلق الرحمن» بثقله العسكري على خط المواجهات، الأمر الذي جعلها تتخذ طابع الكر والفر مع عدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لمصلحته بسرعة.
وجاء دخول «الفيلق» بهذا الشكل، بعد فترة من التردد والإرباك غلبا على موقفه في البداية نتيجة انقسامات داخلية بين جناح متشدد وآخر كان رافضاً للاصطدام مع «جيش الإسلام»، وتشير المعلومات إلى أن قيادات «الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام» الذي انضم إلى «فيلق الرحمن» في وقت سابق، تشكل اللوبي الأكثر معاداة لـ«جيش الإسلام» وتلعب دوراً كبيراً في التحريض على استمرار القتال وإجهاض أي محاولات للتسوية.
ويلعب الطرفان مع بعضهما البعض لعبة «القط والفأر» من خلال تبادل الاتهامات وتحميل كل منهما مسؤولية تصعيد الأحداث للطرف الآخر، على حين ظهر جلياً أن كلا الطرفين كان يخطط من جهته للهجوم على خصمه، متحيّناً الفرصة المناسبة لتنفيذ ذلك، وحسب معلومات حصلت عليها «الوطن» من مصادر متقاطعة في الغوطة الشرقية، فإن أمنيي «جيش الإسلام» اكتشفوا وجود مخطط كان يعمل عليه كل من «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» للهجوم على معاقله بالتزامن مع إطلاق معركة جديدة مع الجيش السوري على أحد المحاور للتغطية والتمويه، وبعد أن اكتملت المعلومات لدى «جيش الإسلام» واتضحت صورة الهجوم الذي كان سيستهدفه، سارع إلى قلب الطاولة وبادر هو إلى الهجوم.
ويدرك «جيش الإسلام» تمام الإدراك، أن «معركة يا عباد اللـه اثبتوا» التي قام بها «فيلق الرحمن» و«هيئة تحرير الشام» على محور جوبر العباسيين، كانت تستهدفه بالدرجة الأولى أكثر مما تستهدف الجيش السوري، ولا شك في أنه قرأ هذه المعركة على أنها مسعى لسحب البساط من تحته ولمنعه الاستفراد بقرار السلم والحرب في الغوطة الشرقية، ورغم إخفاق هذه الخطوة إلا أن «جيش الإسلام» راودته مخاوف من أن يكون المخطط الجديد أكثر فاعلية وينجح بالتالي في تحقيق أهدافه، لذلك لم ينتظر كثيراً قبل أن يعمل على إجهاضه ولو أدى ذلك إلى إحراق الغوطة بما فيها، وعليه كانت المعارك الدموية الحالية التي ما زالت الغوطة تعيش على وقعها منذ خمسة أيام.
في المقابل فإن «جيش الإسلام» لم ينطلق في هجومه «الاستباقي» من فراغ، بل كانت لديه هو الآخر خطط جاهزة للانقضاض على خصومه وتلقينهم درساً رداً على الصفعة التي تلقاها منهم العام الماضي، لكنه استعجل الهجوم فيما يبدو استناداً إلى المعلومات التي حصل عليها.
لكن ثمة أمرين فاجأا «جيش الإسلام» وباتا يهددان خطته بالفشل، الأول هو تماسك «فيلق الرحمن»، والثاني قوة تحالفه مع «جبهة النصرة» المصنفة على لوائح الإرهاب الدولية باعتبارها «امتداداً للقاعدة»، على حين «الفيلق» يتصدر قوائم الدعم من «غرفة عمليات الموك» التي تديرها الاستخبارات الأميركية، وكانت حسابات «جيش الإسلام» تراهن على أن «الفيلق» لن يلتزم بتحالفه مع «النصرة» لأسباب تتعلق بالدعم وطبيعة ارتباطاته، وهي حسابات لم تكن في محلها كما توحي الأحداث حتى الآن.
وبدأ هذا التحالف الوثيق بين «فيلق الرحمن» و«النصرة» يرسم العديد من علامات الاستفهام حول دور «غرفة عمليات الموك» فيما يجري، ولماذا تسكت عن تحالف إحدى الميليشيات المدعومة منها مع أخرى تعتبرها إرهابية.
من حيث المبدأ، لا تمانع «غرفة الموك» في تحالف ميليشياتها مع تنظيمات إرهابية، وقد كان بيان المبعوث الأميركي إلى سورية مايكل راتني واضحاً لهذه الناحية حيث ميز بين التحالف ضمن «غرفة عمليات» والاندماج الكلي، واعتبر الأول مقبولاً، لذلك ليس في تحالف «الفيلق» مع «النصرة» ما يناقض المبادئ الأميركية الحاكمة للعلاقات بين الميليشيات، لكن هذا لا يعني عدم وجود دور لـ«غرفة الموك» في أحداث الغوطة، إذ تشير المعلومات إلى أن «الموك» لا تمانع في وقوف «الفيلق» ضد «جيش الإسلام» ما دام الأخير يعمل وفق أجندة سعودية محضة ويرفض الشروط الموضوعة للانضمام إلى قوائم الفصائل المدعومة من قبلها، ويلخص أحد نشطاء الغوطة هذا الواقع بالقول: «إن «الموك» تفضل بقاء الوضع على قاعدة لا غالب ولا مغلوب على أن ترى الغوطة تخرج عن تأثيرها ونفوذها».
وعلى الرغم من عدم وجود علاقة واضحة بين اندلاع الاقتتال في الغوطة، والاقتراح الروسي بإقامة أربع مناطق «تخفيف تصعيد» في شمال حمص وإدلب ودرعا والغوطة الشرقية، إلا أنه يمكن من خلال تتبع مواقف الميليشيات المسلحة إزاء هذا الاقتتال والتباينات التي ظهرت بينها مع الأخذ بالاعتبار خريطة انتشارها الجغرافي، أن نتلمس مؤشرات إلى أن ثمة من يعمل على إجهاض هذا المقترح قبل أن يرى النور.
فقد كان من اللافت أن تعلن مجموعة من الميليشيات أغلبها مدعوم من غرفة «الموك» وشارك في «درع الفرات»، وقوفها إلى جانب «جيش الإسلام» مطالبة إياه باستئصال «النصرة» التي وصفتها أنها «تشبه داعش»، لكن دون أن تصعد ضد «فيلق الرحمن»، بل اكتفت بمطالبته بالوقوف إلى جانب «جيش الإسلام»، وذلك على خلاف موقف «حركة أحرار الشام الإسلامية» وهي من أقوى الميليشيات في الشمال، التي ذهبت إلى إدانة هجوم «جيش الإسلام» بعبارات قاسية حيث اعتبرت أنه يشكل «بغياً وصيالاً» وهو موقف أغضب «جيش الإسلام» لدرجة كبيرة.
هذا يعني أن «أحرار الشام» التي ذكرت بعض التقارير الصحفية أنها شاركت في اجتماع أنقرة المخصص لمناقشة المقترح الروسي بخصوص المناطق الأربع، غير موافقة عليه وربما ستعمل على إفشاله ولا سيما البند الذي يتحدث عن قتال التنظيمات الإرهابية ضمن هذه المناطق.
وما يعزز من ذلك أن «أحرار الشام» سارعت عبر المتحدث باسمها محمد أبو زيد، إلى توضيح نقاط تحمل دلالة تصب في هذا الاتجاه، حيث أفاد أبو زيد في تغريدات على حسابه الرسمي على «تويتر» أن كل من «محمد بكور قائد «جيش المجاهدين» ومصطفى برو قائد «تجمع فاستقم» لا يتبعان إلى «أحرار الشام» تنظيمياً، وأن انضمام «الجبهة الشامية» و«تجمع فاستقم» لصفوف «أحرار الشام» في منطقة إدلب فقط».
وهذا التوضيح المتأخر، حيث جاء بعد أكثر من شهرين من انضمام هذه الميليشيات إلى «أحرار الشام»، له غاية وحيدة وهي تطمين «النصرة» أن مشاركة «جيش المجاهدين» و«فاستقم» في بيان المطالبة باستئصالها، لن يكون له أي مفعول في محافظة إدلب.
ومقتضى ذلك أن منطقتين اثنتين من المناطق الأربع التي تقترحها روسيا لتكون مناطق تخفيف تصعيد وقتال الإرهاب، هما الغوطة وإدلب، قد حسمت موقفها من هذا المقترح برفضه، ففي الغوطة سيمنع تحالف «الفيلق» و«النصرة» من قتال الأخيرة، كذلك في إدلب، لن يكون هناك أي إمكانية لقتالها ما دامت «أحرار الشام» تتهيب من اتخاذ هذه الخطوة، على حين لم يصدر أي رد فعل على هذا المقترح من ميليشيات الجنوب أو شمال حمص.