برج ترامب في غزة.. بقلم: نبيه البرجي

برج ترامب في غزة.. بقلم: نبيه البرجي

تحليل وآراء

الخميس، ٤ مايو ٢٠١٧

هذا الذي في رأس دونالد ترامب. دولة فلسطينية في غزة مع اجزاء من صحراء النقب، واجزاء من شبه جزيرة سيناء. وعد بانشاء «برج ترامب» في مدينة غزة التي سيحولها الى احدى لآلئ الشرق الاوسط...
ينصحنا اوبير فيدرين بألا نبحث عن البعد الثقافي، او البعد الاخلاقي، او «البعد المسيحي» في شخصية الرئيس الاميركي الذي حاول هنري كيسنجر عبثاً ان يشرح له الجانب اللاهوتي من ازمة الشرق الاوسط...
المسألة هنا مقايضة بالاراضي، ومقايضة بالسكان، وعلى خطى صهره جاريد كوشنر لا يستطيع ان يتصور دولة فلسطينية كاملة الاوصاف في الضفة الغربية. الفلسطينيون ذئاب، وقد ينقضون على القنابل النووية حتى بالقنابل اليدوية...
زميل اردني يقول انه عندما التقى الملك عبدالله الثاني دونالد ترامب في المرة الثانية سمع كلاماً لافتاً عن غزة، على ان ترتبط الضفة الغربية، او ما تبقى منها، بالاردن في استعادة لمشروع الملك حسين الذي اطلقه في اذار 1975 تحت عنوان «المملكة العربية المتحدة».
ويتردد ان هذا هو تصور دنيس روس الذي ينقل رأي اللوبي اليهودي. لا مانع من انتشار وحدات من الجيش الاردني في بعض النقاط من «يهودا» و «السامرة»، وفي اطار الفديرالية اياها التي تعني، واقعاً، الحاق اجزاء من الضفة الغربية بالضفة الشرقية...
روس يعتبر ان سوريا خرجت، عملياً، من الصراع مع اسرائيل. اكثر من ست سنوات على الحروب اللولبية اجهزت على الدور الجيوسياسي، حتى ان «حزب الله»، انتقل الى الارض السورية، كما انها حدت كثيراً من الفاعلية الميدانية للجيش السوري الذي كان يقاتل، في بعض الاحيان، على 400 جبهة، وهو الامر الذي لم يحدث البتة في التاريخ لاي جيش آخر...
وتبعاً لما ينقله الزميل الاردني، فإن الملك عبدالله نقل الى ترامب مخاوفه التي تتطابق مع مخاوف اسرائيل، من ان ينقل «حزب الله»، وبالتعاون مع ايران، بعضاً من «الحالة اللبنانية» الى الحدود مع الجولان، وعلى اساس توسيع المدى الجغرافي للجبهة ما يتيح لـ«حزب الله» تفعيل دوره في قواعد اللعبة، وفي قواعد الاشتباك، ان على المستوى التكتيكي او على المستوى الاستراتيجي...
واذا كان الروس قد المحوا امام بنيامين نتنياهو الى تسوية مع سوريا، وعلى اساس اعلان مرتفعات الجولان منطقة مجردة من السلاح، والى حد ما على غرار ما حصل بالنسبة الى سيناء، فإن اللوبي اليهودي يعتبر ان تلك المرتفعات بمثابة «الحائط الالهي» لحماية دولة اسرائيل...
الاسرائيليون كانوا دائماً يعيشون الهاجس السوري. اذا وصلت الدبابات السورية الى جسر بنات يعقوب لا يعود امامها سوى مسافة قصيرة للوصول الى شاطئ المتوسط، وبالتالي شطر اسرائيل الى قسمين...
والآن، ماذا يمكن ان يقول دونالد ترامب لمحمود عباس بعد اللقاء الحار والكلام الحار؟ حديث الاروقة الخلفية يشير الى ان قيادة حركة «حماس» حصلت على معلومات حول اتصالات جرت بين رام الله وواشنطن في صدد مستقبل غزة، وعلى اساس ان حل الدولة يبدأ من هناك، ولكن في اطار اتفاق اوسلو، وبمنأى عن الخط الايديولوجي لحركة «حماس». اذا صحت هذه المعلومات يمكن ادراك السبب الذي حمل الحركة على اطلاق وثيقتها عشية توجه ابو مازن الى واشنطن، على ان تتولى الديبلوماسية القطرية تسويق خالد مشعل داخل الادارة الاميركية، وعلى اساس ان الوثيقة، وان حفلت بالتناقضات، تتماهى الى حد بعيد مع ورقة العمل الخاصة بمنظمة التحرير...
هنا تتحدث التقارير عن خلاف تكتيكي بين تل ابيب التي تدعم بقوة بقاء الصراع بين حركة «فتح» وحركة «حماس» لانه يتيح امامها هامشاً لا متنياهياً للعب او للتلاعب الديبلوماسي، وواشنطن التي ترى ان عودة القطاع الى كنف المنظمة يمكن ان يساعد على اقامة الدولة الفلسطينية في غزة تحديداً مع بعض التعديلات الجغرافية في اتجاه النقب وسيناء...
الذي ظهر من ردة الفعل الاسرائيلية على الوثيقة يؤكد ان تل ابيب تبغي تكريس الستاتيكو القائم وعلى اساس افهام الاميركيين بأن البنية الايديولوجية لـ «حماس» لا تختلف قطعاً عن البنية الايديولوجية لتنظيم «القاعدة» وايضاً لحركة «طالبان» في افغانستان.
صائب عريقات، كبير المفاوضين، يرى ان دونالد ترامب اكثر قوة وديناميكية من باراك اوباما الذي ما لبث ان تهاوى امام بنيامن نتنياهو، كما يعتقد ان دفعه في اتجاه المفاوضات جزء من حربه ضد ايران التي لن يعود باستطاعتها التوظيف السيكولوجي للملف الفلسطيني في تهريب طموحاتها الجيوسياسية.
الجنرالات الاميركيون يرون ان الوقت مثالي، في ضوء الانهيارات التي حدثت في سوريا، لتركيب سيناريو للتسوية يشمل، في سياق تفاوضي، بيروت ودمشق اذا ما اخذنا بالاعتبار الرسائل المتعددة الابعاد لصواريخ التوما هوك.
معلقون كبار في واشنطن ولاحظوا ان افكار دونالد ترامب غير قابلة للتطبيق في ضوء الاشتباكات المترامية في المنطقة. اقامة دولة فلسطينية بخمس نجوم في غزة لا تشبه قطعاً اقامة كازينو بخمس نجوم في لاس فيغاس...
كل الرؤساء الاميركيين باعوا اوهاماً للفلسطينيين. مسلسل آخر من ديبلوماسية طواحين الهواء!
الديار