عاشقة القمر.. بقلم: د. ندى الجندي

عاشقة القمر.. بقلم: د. ندى الجندي

تحليل وآراء

السبت، ٦ مايو ٢٠١٧

nadaaljendi@hotmail.fr

ماذا تخبئ لنا الأيام في جُعبتها.. توقعات وآمال تصدحُ في الأجواء وبكاء وأنين يخترق صمت الليل ويملأ الآفاق.

القمر ساهرٌ وعاشقة القمر تتأمل بصمت حذرٍ تتوجس فيه غدر الزمان.

ليال سوداء قد مرت بنا وما زالت الغيوم الرمادية تكتسح السماء.. وعاشقة القمر تترقب شروق شمس الحق بعد غياب.

أي غموض يكتنف حياتنا.. لم تعد خطانا تدري أي مسار نلتمس بعد أن تاه الفكر في غياهب هذه الفوضى التي اجتاحت وجودنا، صارت ديارنا قفاراً.. وباتت أحلامنا سراباً.. وما زالت عاشقة القمر تتأمل بشجن عودة الطيور إلى أوكارها.

الكل يبحث عن وطنٍ يسكن إليه.. بعد أن تاه قلبه وسكن الشر أحداقه، فلم يُعد فكره ينطق إلا بالسموم.

الأصوات تتعالى.. صراخ وشتائم.. كلمات غوغائية تتردد من دون أي معنى تُدلي به، ولكنها تصب جميعها في مسارٍ رُسم بدقة، وخُطط له بمنهجية علمية.

الكل يبحث عن مساحةٍ يُجسد فيها فكره.. يلتمس وجوده، ولكن لا أحد يعترف بوجود الآخر.

الكل يبحث عن حبٍّ يحيا به.. لكن القلوب تحجرت، وصارت مرتعاً للأحقاد.

الكل يبحث عن تحقيق ذاته، ولكن في مرحلة انعدامية تتلاشى فيها الأخلاق، أي مسار قد يتخذه البعض لتحقيق وجوده؟ هل يكون حمل السلاح وإعلان الحرب وسيلةً يحيا بها؟

هل يكون التماس الشر كأداة يخرج بها عن الظل إلى الأضواء ويشعر بوجوده؟

أي خطة محكمةٍ هذه التي أُحيكت ضدنا، ثعالب الصحراء متوجسة تحيط بنا من كل صوب، وتحت أقدامنا تتسحب الأفاعي، وما زالت عاشقة القمر تترقب هطل المطر!

من أين يأتي الغيث وما زالت عقولنا متصحِّرة برياح غربية أعمت بصيرتنا.

إعصار مُدمر يريد أن يقتلعنا من جذورنا، ولكننا صامدون نقف شبه عراة في وجه هذا التيار الماكر، وما زلنا ثابتين ولكن إلى متى يتساءل الكثير؟

أين نحن من وجودنا وقد حولتنا الأحداث إلى مسرح التحديات الكبرى؟

فإذا لم نكن نمتلك الحاضر فهل سيكون الآتي والمستقبل لنا؟

قد تكون المرحلة مأساوية، والفكر لا يستطيع الإحاطة بعمق الأسئلة التي تطرحها، ولكن الانطلاق من الواقع ذاته والتفكر به، نُدرك أننا ما زلنا نمتلك خيوط اللعبة، ونتقن فن توجيه مسارها، فنحن أبناء أم الحضارات، وليس أي كائن كان يستطيع اللعب في ساحة الكبار، فالمنافسة خطيرة، والصراع في أوجه، والخسارة تعني الفناء للجميع، فإما أن تنجو السفينة وننجو معها، وإما يصير الموت مصيرنا، تنهشنا أسماك القرش، فلابد من خوض غمار هذه المعركة حتى الرمق الأخير مدفوعين بإرادة الحياة المتجسدة بإرادة القوة، لأننا على حق، فلابد أن ننتصر رغم الآلام والدماء.. ما زلنا أحياء نقاوم وإذا كانت (السياسة هي القدر) على حد قول نابليون، فإننا نتقن فن رسم قدرنا، ولا أحد يملي علينا إرادته، فمن يمتلك ذاته، يمتلك إرادة القوة، وبالتالي يستطيع تحديد مصيره ورسم مستقبله، إنها فلسفة القوة والإرادة التي دعا إليها نيتشه والتأكيد على الحياة وكل ما يهب الحياة قيمة.

وتتساءل عاشقة القمر في لوعة أي قيمة نرجو إذا فقدنا هذا الوطن؟

الكل يدَّعي أنه يبحث عن الحقيقة وهي تسطع كنور الشمس، ولكن خفايا الذات وما يعتليها من مكبوتات وعجز قد أعمت بصيرة البعض، فإرادة القوة عند نيتشه التي تُجسد إرادة الحياة بكل ما تدفع بالإنسان إلى الأمام ما هي في نظر ألفرد أدلر (عالم نفس) إلا صورة من صور التعبير عن الشعور بالنقص!

والتفكر عميقاً نستنتج احتمالية الوجهين، فإذا كان الإنسان لا يعرف نفسه حق المعرفة ولا يدرك نوازعه، وبالتالي لا يمتلك السيادة على الذات، قد يكون مدفوعاً بإرادة القوة كحالة تعويض عن شعور داخلي بالنقص أو العجز النفسي بإيجاد قيمة مبالغة له، إنها مسألة البحث عن تحقيق الذات، وقد يكون وجوده مرهوناً بخلق عدو له ومحاربته، وبالتالي يجب أن يستمر الصراع.

ولكن إلى متى؟

تتساءل عاشقة القمر، وهي تتأمل قوة نوره في ظلمة هذا الليل.. تتأمل المستحيل، أما من قوة خفية تجمعنا على قلب واحد؟

قيمتنا مرهونة بهذا الوطن الذي لا نستطيع الحفاظ عليه إلا بالحب.

تعالوا جميعاً ندفن آلامنا.. أحقادنا.. جراحنا

تعالوا إلى كلمة سواء التي لا تُعلى إلا إذا شعر الإنسان بوجوده مع أخيه الإنسان، لنعود جميعاً رغم الإعصار، ونشكل قوس قزح سورياً نادراً بجماله وقوته في انعكاس درجاته، رغم اختلاف ألوانه إلا أنها تعكس وحدةً متكاملة.

تتساءل عاشقة القمر بعد تأمل وإدراك بأنَّ لا شيء يعود كما كان، فهل من التمس طريق الشر يحيا به، فإذا شعر يوماً بأنه سيجد له مكانا،ً فهل سيحمل السلاح معنا بدلاً من أن يوجه فوهته إلينا؟

وإذا حدث هذا فإلى أيّ مدى تكون مصداقيته؟

فكيف نبني جسور الثقة؟

تتساءل عاشقة القمر ودموع الأمل تروي أرض الياسمين.