للتاريخ والأجيال.. بقلم: رفعت البدوي

للتاريخ والأجيال.. بقلم: رفعت البدوي

تحليل وآراء

الأحد، ٧ مايو ٢٠١٧

علمتنا ممارسة السياسة الإقليمية لعقود طويلة أن أي اتفاق بين الدول الكبرى والمؤثرة في مجرى الأحداث المشاركة لن يكون في مصلحة دولنا ومنطقتنا العربية وخصوصاً في ظل ضعف الموقف والوهن الذي أصاب القرار العربي الذي بقي دون أي تأثير في المحافل الدولية.
بالنظر إلى شاشة الأحداث في بلادنا العربية سرعان ما يصيبنا الضنك من الانقسام الحاصل في الوطن العربي الذي وصل إلى حد تآمر بعض العرب الذين رهنوا قرارهم ومصيرهم وثروات بلادهم لمصلحة إدارات ومراكز القرار في أميركيا والغرب ومن ورائهم إسرائيل بشكل فاضح، هؤلاء العرب الذين فرطوا بالهوية العربية وبالانتماء للقومية العربية الحقيقية التي تحتم علينا مؤازرة إخوة لنا بالعروبة والهوية والثقافة والتراث والتاريخ واللغة في مواجهة مخططات أعداء الأمة ومؤامرات ممن ورهنوا مقدرات بلادهم لمصلحة أميركا وإسرائيل وبدل أن تكون المصائب والنكسات والهزائم المتتالية التي أصابت الأمة إضافة للاستهتار الأميركي والإسرائيلي بالحق العربي قد شكلت دافعاً قوياً لإعادة رص الصفوف العربية وإعادة التوجه نحو البوصلة الأساسية فلسطين أم القضايا العربية بيد أن ما أصابنا نحن العرب هو عكس ذلك تماماً، فأصابنا الشلل والغياب شبه التام للقرار عن الساحة الدولية وذلك نتاج توغل أميركا وإسرائيل في رسم سياسات وحِياكة مؤامرات دنيئة تولى مهمة تنفيذها بعض القادة والحكومات في بلادنا العربية ووصلت إلى حد تخويف بعض العرب من بعض العرب وتخويف الأديان والمكونات بعضها من بعضٍ وحتى تخويف مذاهب من المذاهب الأخرى في الدين الواحد.
وإذا ما قلنا إننا استطعنا إفشال مخططات أميركا وإسرائيل الهادفة إلى تفتيت مجتمعاتنا العربية وتقسيم جغرافيا بلادنا سرعان ما نكتشف إننا نغرد خارج الواقع الحاصل في بلادنا ابتداء من فلسطين والعراق وسوريه واليمن وليبيا ولبنان وحتى مصر والسودان.
كان للعرب قضية مركزية اسمها فلسطين، صار للعرب قضايا مركزية بل صار الوطن العربي برمته قضية من خارج السياق ومشتتة الأهداف عنوانها الضياع والتشتت والقتل والتهجير والقفر والجهل.
كان للعرب وطن رحب يتغنى بالانتماء للهوية العربية، صار الوطن الرحب أوطاناً تتغنى بالانتماء الديني والطائفي وانحدر بنا الأمر حتى صرنا نتغنى بزواريب ضيقة تتغنى بالمذهبية المقيتة، كان التعامل مع العدو الإسرائيلي جريمة لا تغتفر فصار التحالف مع العدو الإسرائيلي قضية فيها نظر وانحدر بنا الأمر حتى أضحى العداء لإسرائيل والمطالبة بمقاومتها أمر لا يغتفر، كان الكلام عن العرب كأمة عربية صار الكلام عن العرب شعوباً وطوائف وإثنيات وأعراق ومذاهب، كان للعرب جامعة عربية تعنى بشؤونهم وتدافع عن حقوقهم ترفض الهيمنة الغربية فصار للعرب جامعات ومجالس وتكتلات جميعها مرتهنة للإرادة الغربية، أما الدولة الرافضة للهيمنة المتمسكة بالهوية والسيادة فيتخذ بحقها قرار تعسفي بتجميد عضويتها في جامعة الدول العربية تنفيذاً للقرار الأميركي الإسرائيلي.
انحدر الأمر بالعرب حتى بات البحث عن الإنجازات العربية المشرفة كمن يبحث عن سراب خلف طريق طويل لا ينتهي اضمحل معه الانتماء للهوية العربية والوطن والالتزام بقضايانا وحقوقنا وصار الهم هو الانتماء للطائفة أو للمذهب وصار بعض العرب مقتنعاً ومسوقاً للصلح وللتفاوض وللاعتراف بعدو الأمة إسرائيل وصارت زيارة بعض العرب للكيان الصهيوني والالتقاء بقادته تحت تسميات الانفتاح ومناقشة مبادرات عربية عقيمة تستجدي الغرب والكيان الصهيوني بإقامة دولة فلسطينية على أجزاء متناثرة من أرض فلسطين مسألة فيها وجهة نظر وخدمة للعرب.
صار لكل نظام عربي لكل حزب لكل حركة لكل جمعية بوصلتها السياسية والدينية والمذهبية الخاصة المرتبطة اقتصادياً ومادياً بدول غنية بثرواتها وأموالها لكنها مرتهنة للإرادة الأميركية التي تتماهى مع الإرادة الصهيونية.
إن أنظمة مرتهنة لأعداء الأمة تقود وتنفذ مؤامرات غربية ضد مصالح الأمة وتطورها شكلت ولم تزل تشكل انكساراً في روح الانتماء وانهزاماً في عقول الأجيال وتفكيرهم فصار الإنسان العربي في أسفل الترتيب بين شعوب العالم في الإنتاج العلمي والتقدم التقني حتى إن تلك الأنظمة العربية التي أسهمت في تدمير آمال وطموح شعوبنا العربية أضحت المنفذ الرئيسي لمخططات إسرائيل الهادفة إلى تدمير وتفتيت بلادنا وجيوشنا وتشتيت مجتمعنا وشعبنا العربي وإلى تهجير الإنسان والفكر العلمي العربي المنتج.
إن أنظمة غنية بثروة نفطية واحتياطي نقدي ضخم، إنشاؤها كان ثمرة اتفاق بين بريطانيا وأميركا، لا يمكنها إلا أن تبقى مخلصة لفكرة إنشائها أي للفكر البريطاني الأميركي والغربي المعادي للانتماء للعروبة وللقومية العربية ولا يمكن إصلاح الأمة إلا بإصلاح تلك الأنظمة وأن يكون إصلاحها ثمرة إعادة إنتاجها من جديد من الداخل محلياً وعربياً رسالة للتاريخ والأجيال من أجل تصحيح الالتزام بالانتماء العربي الحقيقي وبقضايا الأمة وفي مقدمها القضية الفلسطينية.