بن سلمان.. آل ثاني والجبير.. وتظهير الحقائق.. بقلم:إيهاب زكي

بن سلمان.. آل ثاني والجبير.. وتظهير الحقائق.. بقلم:إيهاب زكي

تحليل وآراء

الثلاثاء، ٩ مايو ٢٠١٧

 إنّ وضع حديث ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أو وزير الخارجية القطري على دكة التشريح السياسي، هو كطالب الطب الذي يعكف على تشريح برغوثٍ استعدادًا للتفوق في امتحان التشريح البشري، ولكنه زمن المسوخ الذي أحال التعامل مع الهياكل البراغيثية لضروراتٍ علاجية ملحة، وأظن أنّ هذه الضرورات هي الدافع الوحيد لردّ وزير الدفاع الإيراني على تصريحات بن سلمان. أما التعريج على تصريحات الجبير في مقام التشريح السياسي فقد يكون من باب النكاية بالطهارة، لذلك فكل ما سيرد في الأسطر اللاحقة هو لطبيعة أهداف الدول الاستعمارية، وليس لأهداف المذكورين، ولكن عبر الإضاءة على تصريحاتهم ذات الطبيعة التلقينية والببغائية، حيث أنهم أكثر ضآلة وأقل أهلية من اعتبار أنهم يعنون ما يقولون، واختيار هؤلاء الثلاثة للإضاءة على تصريحاتهم، فقط لأنها تحمل مثلث الأهداف الاستعمارية بشكلٍ لا لبس فيه، وتعبر عن ملامح المرحلة المنتظرة بلا مواربة، فقد استهدفت تصريحاتهم إيران وسوريا بالحرب و"إسرائيل" بمسالمة الاستسلام.

بدايةً مع تصريحات بن سلمان، والتي قال فيها "سننقل المعركة إلى قلب طهران، ولن ننتظر حتى تصبح الحرب في مكة"، فقد أتت استباقًا لزيارة ترامب إلى المملكة السعودية، وهي بمثابة رسالة أمريكية إلى إيران. واللافت أنه قال مكة وليس الرياض، وهذا من باب التجييش العقائدي المذهبي، لما تعنيه مكة من قداسةٍ في الوجدان الإسلامي أولًا، وكتقديم آل سعود لأنفسهم كحماةٍ للحرمين واعتبار أن قدسية المكان تمنح القدسية لهم ثانيًا، وتكريسٍ للفتنة المذهبية باعتبار إيران بمذهبها خطرًا محدقًا بـ"ملكية" المذهب السعودي للمكان ثالثًا، والذي يُعتبر كل من ليس منه كافرًا أو مارقًا في أفضل الأحوال، كتعبيرٍ عن سماحة ذلك المذهب، وقد ساهم النفط بما يمتلك من قدرة على الرشوة ليصبح ذلك المذهب هو عنوان العالم "السني"، وتخصيص مكة في حديث بن سلمان الفتنوي يتماهى مع تصويبه على عقيدة المهدي، وهو ما يلامس غرائز الغوغاء الذين عمل إعلام النفط بشقيه الديني والسياسي على صقلها وانتاجهم، وكخلاصة فهي تأتي كتمهيد لاستهداف إيران باعتبارها خطرًا على الإسلام، وأن "استهدافها" لعائلة آل سعود هو استهدافٌ للإسلام، والرد الإيراني لا يعني بأي حالٍ من الأحوال أن طهران تأخذ كلام بن سلمان على محمل الجد، ولكن التأني الإيراني في الرد يدلل على أنه ردٌ على الرسالة الأمريكية من خلال بن سلمان، والتي تأكدت طهران من وجودها أثناء فترة الانتظار.

والحلقة الثانية كانت سوريا، حيث اعتبر وزير الخارجية القطري بعد لقائه وزير الخارجية الأمريكي بأنّ "اتفاق أستانة إيجابي لكنه ليس بديلًا عن الانتقال السياسي ورحيل الأسد"، والإيجابية المقصودة هنا مرهونة بتحقيق أهداف العدوان، خصوصًا إذا كان فعلًا من منطق تبريد الجبهة السورية لصالح التفرغ لإشعال الجبهة الإيرانية، كما أنها إيجابية مؤقتة تنتهي مفاعيلها وقت الحاجة لإعادة الاشتعال، حيث التراجع عن فكرة استهداف مباشر لإيران لأسبابٍ أمريكية بحتة و"إسرائيلية" خصوصًا عن القدرة من عدمها على تحمّل الأكلاف، ستعيد إشعال الجبهة السورية والقفز عن "إيجابيات" أستانة حسب مفهوم الوزير القطري لصالح البند الرئيسي على جدول العدوان على سوريا، وهو مطلب رحيل الأسد. ثم تأتي الحلقة الثالثة والمرتبطة بشكلٍ مصيري مع الحلقتين السابقتين، هي "إسرائيل" في تصريحات وزير خارجية آل سعود عادل الجبير، حيث يقوم بجولاتٍ مكوككية للدعوة إلى "القمة العربية الإسلامية" الأمريكية التي ستحتضنها بلاده في الواحد والعشرين من الشهر الجاري، فقد قال ما نصه "ستعقد القمة العربية الإسلامية الأمريكية لمناقشة سبل مكافحة الإرهاب، وسبل التعايش والتسامح بين شعوب المنطقة"، ومكافحة الإرهاب تعني في المضمون إيران وحزب الله و"النظام" السوري وليس داعش كما ظاهر النص، والتعايش والتسامح يعني الأخوة في الله مع شعب "إسرائيل" وليس مع الشعب الإيراني، الذي لا تسامح ولا تعايش معه، بل نقلٌ للمعركة إلى قلب عاصمته. فقمةٌ ليس فيها إلا المطبعين مع الكيان الصهيوني والمتطبعين مع الريال السعودي، ولا يعرفون من منطق البقاء إلا الإنبطاح ولا يعرفون من علم السياسة إلّا تقبيل الأقدام الأمريكية، ماذا سينتج عنها إلّا المزيد من الانحطاط والتبعية.

لا يمكن التعبير عن التمهيد للقبول العربي والإسلامي والدولي بـ"يهودية إسرائيل"، بأفضل من برنامج زيارات ترامب على التوالي، من السعودية ابتداءً والذي قال أنها تحتضن الحرمين وهو بمثابة تطويب للتمثيل السعودي للإسلام، كما هي زيارته للفاتيكان كمعقل للمسيحية، وما بينهما زيارة "إسرائيل" كـ"دولةٍ يهودية"، وليس أفضل من تظهير للتعايش والتسامح العالمي من استتباب الوجود والأمن لـ"دولة اليهود" مع محيطها الإسلامي، والذي قال ترامب أنه يعول كثيرًا على مملكة آل سعود في هذا المجال. فقبيل زيارة ترامب قد ضمن في جيبه مفاتيح خزائن آل سعود المضمونة أصلًا، عبر صفقات أسلحة بعشرات المليارات من ضمنها منظومة "ثاد" المضادة للصواريخ، كما أن أفضل صورة لتظهير "المروق" الإيراني على المستوى الديني والشر الإيراني على المستوى السياسي، هي اتحاد ديني إسلامي مسيحي يهودي يستثني محور "الشر والمروق" الإيراني، ولكن هذا السيناريو أسوأ كوابيس السعودية، فأمريكا ستربح المال وأقصى خسائرها الخروج من المنطقة، أما آل سعود فسيخسرون ملكهم وأموالهم، والمنطقة ستربح زوالهم كضرورة حتمية لزوال "إسرائيل".