أميركا بين حنكة كيسنجر والضغط الصهيوني.. مأزق أخلاقي أولاًّ

أميركا بين حنكة كيسنجر والضغط الصهيوني.. مأزق أخلاقي أولاًّ

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ مايو ٢٠١٧

معن حمية

أنّ يشدّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب «على الحاجة إلى العمل معاً مع روسيا من أجل إنهاء النزاع في سورية»، فهذا يؤشر إلى أنّ إدارة ترامب قد تلجأ إلى صياغة مقاربات جديدة تتعاطى بموجبها مع أوضاع المنطقة والعالم، خصوصاً أنّ التشديد جاء ربطاً بفحوى اللقاء مع وزير خارجية روسيا الاتحادية سيرغي لافروف، وجرى التصريح به أثناء استقبال وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، حيث قال ترامب: «أجرينا لقاء جيداً جداً مع لافروف»، مضيفاً: «أعتقد أننا سنقوم بأشياء جيدة جداً بشأن سورية. الأمور تتحرك، هذا إيجابي جداً»!

أما لافروف الذي التقى ترامب ونظيره الأميركي ريكس تيلرسون للحصول على دعم واشنطن لخطة موسكو بخفض العنف في سورية، فقد أعلن بأنّ ترامب عبّر عن تأييده لإقامة علاقات «براغماتية» و«مفيدة للطرفين» مع روسيا، إلا أنّ المتحدث باسم الرئاسة الروسية ديميتري بيسكوف رأى أنه من السابق لأوانه التوصل إلى استنتاجات حول عودة الدفء إلى علاقات البلدين بعد لقاء لافروف وترامب، مشيراً إلى أنّ «إجراء الحوار في حدّ ذاته هو بالطبع أمر إيجابي للغاية».

على أية حال، ليست السياسة مصادفات، بل تخطيط مسبق عن سبق ثعلبة، فرئيس الدبلوماسية الأميركية الأسبق هنري كسينجر، لا يشبه أسلافه ولا الذين خلفوه في المنصب، هو استثناء في الدهاء وفي الحنكة السياسة ووضع النظريات، وقد لعب دوراً رئيساً في تحقيق سياسة الانفراج بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي سابقاً.

لا شك في أنّ للأمر صلة بسعي الإدارة الأميركية لوضع أساليب عمل سياسية تعتمدها في التعاطي مع أوضاع وأزمات دولية وإقليمية، وفوضى عالمية، وقد تكون أسباب هذا السعي انعدام فرص إدارة هذه الفوضى من قبل أيّ قوة، ما يعني اعترافاً بفشل مشروع ما سمّي «الفوضى الخلاقة».

وبالمناسبة لا يرى هنري كيسنجر عالماً مستقراً إلا من خلال نظام دولي يقوم على احترام سيادة الدول والامتناع عن التدخل في شؤونها الداخلية، والحدّ من الطموحات التوسعية للدول من خلال إنشاء نظام لتوازن القوى بينها. وهو أكد هذه النظرية

في كتاب أصدره في العام 2014 بعنوان «النظام الدولي»، وفيه رأى أنّ التغيير لا يجب أن يحصل عن طريق الفوضى، وأنّ الاستقرار يحتاج إلى إنشاء نظم للأمن الإقليمي في المناطق الجغرافية المختلفة، والربط بين هذه المناطق في إطار النظام الدولي.

ولا يخفي كيسنجر في كتابه أنّ الولايات المتحدة تعاني مأزقاً أخلاقياً في إدانتها للرئيس الأسد، باعتبار أنّ خصوم الأسد هم المجموعات الأكثر تطرفاً، والتي تحتاج أميركا لمحاربتهم استراتيجياً. وهو يرفض النظر إلى الحرب في سورية بأنها صراع من أجل الديمقراطية وتطبيق معايير حقوق الإنسان، لا بل يؤكد أنها حرب للتفتيت، ويستنتج كيسنجر أنّ كلّ ما يحصل من فوضى في الدول يخدم فكرة إقامة نظام دولي مبني على الإسلام وفقاً لمشروع مؤسّس الإخوان المسلمين حسن البنا، والذي استكمله سيد قطب.

وعليه، يتبادر السؤال: هل لدى الإدارة الأميركية هامش لسلوك سياسي ومقاربات تجاري تفكير كيسنجر وحنكته، فتذهب إلى اعتماد سياسة الانفراج مع موسكو، وتتخلى عن سياسة الفوضى الخلاقة المولدة للإرهاب والتطرف؟ هذا التحوّل لا شك في أنه يصبّ في مصلحة أميركا قبل غيرها، فالواقعية تؤكد أنّ أميركا لم تعُد وحدها من يقود العالم، لكن ماذا عن تأثير لوبيات الضغط الصهيوني التي أرغمت ترامب على اتخاذ قرار قصف مطار الشعيرات بالصواريخ؟