هل تلتزم تركيا باتفاق مناطق تخفيف التوتر؟. بقلم: جمال محسن العفلق

هل تلتزم تركيا باتفاق مناطق تخفيف التوتر؟. بقلم: جمال محسن العفلق

تحليل وآراء

الجمعة، ١٢ مايو ٢٠١٧

 تبنّت تركيا أردوغان موقف العداء للشعب السوري منذ اندلاع العدوان الدولي على سورية، وخلال السنوات السبع الأخيرة لم تتصرّف تركيا إلا وفق سياسة التوسع والعدوان، وفي أفضل الحالات كانت ممرّاً آمناً للإرهاب باتجاه سورية، فالعمق اللوجستي للجماعات الإرهابية كان أنقره، وحلم أردوغان بالصلاة في المسجد الأموي في دمشق كان الشغل الشاغل له وللجماعات الإرهابية التي كانت تتلقى الدعم منه او عبره، وطالما تحدث أردوغان عن مناطق آمنة أراد منها إنشاء جيب إخواني في الشمال يكون أداة في يده يحارب فيه الأكراد الذين لم يستطع الاتفاق معهم وبنفس الوقت يحقق له هذا الجيب توسّع ولاية حلب الممتدّة من الشمال السوري حتى طرابلس في لبنان، فهذا الحلم عند العثمانيين الجدد هو تحضير لعام 2023 وهو تاريخ انتهاء اتفاقية لوزان التي أجبرت الدولة العثمانية على التوقيع عليها بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ورسمت حدود تركيا الحالية، وهذا الحلم لم يخفه أردوغان في أكثر من مناسبة، حيث أعلن وجوب مراجعة تلك المعاهدة والتي يعتقد انه سيحصل على الضوء الأخضر من المجتمع الدولي للمطالبة بإرث الدولة العثمانية السيئة الصيت وصاحبة التاريخ الأسود بالجرائم ضدّ الإنسانية.

وتصادف توقيع اتفاق تخفيف التوتر في أستانة مع الذكرى المئوية لمذابح الأرمن والذكرى المئوية لإعدام شهداء النهضة العربية في دمشق وبيروت على يد السفاح العثماني.

فتركيا التي وقعت على اتفاقية مناطق تخفيف التوتر ليست دوله حليفة أو صديقة للشعب السوري ومدى التزامها بهذا الاتفاق هو محلّ شك، بل يقين انها لن تلتزم فكيف ستحارب تركيا فصائل طالما دعمتها، فالنصرة ليست أفضل من داعش التي تدّعي تركيا انها تريد محاربتها، وحركة نور الدين زنكي لا تختلف عن النصرة او داعش، وكذلك ما تبقى من فصائل تحمل السلاح وتقتل السوريين وتحارب الجيش السوري جميعها تسبح في فلك الإرهاب الذي ينسب مرّة إلى القاعدة ومرة لغيرها، ولكن الجوهر واحد والأساس هو إخواني مقرّه انقرة التي يخرج علينا حاكمها كلّ مرّة مرتدي جلباب الخلافة الضائعة. وقد قال اردوغان مرة انّ تركيا هي قائد العالم الإسلامي والمدافع عن مصالحه في وقت لم تصوّت تركيا لصالح قرار اليونيسكو بسحب سيادة الكيان الصهيوني عن مدينة القدس، وهو دليل على انّ تركيا اليوم لا يمكن ان تكون قائدة للعالم الإسلامي، ولا يمكن ان تكون دولة ضامنة لاتفاق يحقن دماء المسلمين، وفكرة انّ تركيا يمكنها ان تقاتل من صنعتهم ودرّبتهم هي فكرة غير قابلة للتطبيق وانْ كانت تركيا شكلاً ملتزمة بالاتفاق.

ورغم إدراكنا انّ للسياسة وجهين وجه معلوم يعلن في الصحافة وشكل مجهول او مخفيّ يكون ضمن الغرف المغلقة، فقد يكون لدى الروس أصحاب المبادرة ما يطمئنهم إلى أنّ تركيا سوف تلتزم باتفاق استانة وقد تكون الدول المعنية وخصوصاً ايران وسورية قد اطلعوا على هذه التطمينات، ولكن على المستوى الشعبي فالسوريون لديهم شكوك كبيرة في أخلاق أردوغان وسياسته، فالاسم المعروف لأردوغان عند عموم السوريين هو لص حلب، ولا يعتقد الشعب السوري انّ الذئب يتغيّر إذا ما لبس ثوب الحمل، فتركيا لا تختلف عن الكيان الصهيوني في المراوغة والسعي نحو الهدف حتى لو وقعوا ألف وثيقة. وما يحدث في الجنوب اليوم هو ارتداد لاتفاق مناطق تخفيف التوتر الذي لم توقع عليها أكثر الدول المشاركة في سفك الدم السوري، وهو ما يثير تساؤلات كثيرة عن دور أنقرة مع الدول الحليفة لها لينوبوا عنها في إضعاف الاتفاق والالتفاف عليه. ففكرة المناطق الآمنة في الجنوب ليست فكرة أردنية كما يريد الإعلام تصويرها إنما هي فكرة قديمة للكيان الصهيوني حيث تعتبر «إسرائيل» انّ المنطقة الجنوبية في سورية يمكن إخضاعها لشيء شبة سلطة تكون منفصلة عن دمشق العاصمة وبنفس الوقت جيب يحمي الكيان الصهيوني وامتداد لأراضي الجولان العربي السوري حتى السويداء، وهو ما يطرح اليوم في مناورات الأردن تحت عنوان محاربة الإرهاب، ودائماً يكون هو العنوان العريض الذي يخفي خلفه مشروعاً جديداً لدعم الإرهابيين، فمنذ أعلنت أميركا حربها على الإرهاب العالمي وهذا الإرهاب يتوسع وينتشر.

في سورية ما زال الرهان على قوة الجيش السوري والقوات الحليفة والرديفة له وما قبول اتفاق مناطق تخفيف التوتر الا مرحلة اختبار لمدى صدق الدول الإقليمية والدولية، ومصداقية تلك الدول ساقطة بالعموم ما دام المال السياسي هو الذي يحكم وهو الذي جلب دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، ففي زمن ليس بالبعيد كان هناك رجالات دولة يعملون في السياسة، اما منذ سنوات فقد أصبحت مصالح المال هي من تصنع الزعماء في الغرب وتحركهم مصالح الشركات التي تموّل وصولهم للرئاسة.

البناء