بعثرات إدارية.. بقلم: سامر يحيى

بعثرات إدارية.. بقلم: سامر يحيى

تحليل وآراء

السبت، ١٣ مايو ٢٠١٧

نمدح فلاناً أو مؤسسة نفاقاً وتزلّفاً بعيداً عن المصداقية والجدية، وننتقد فلاناً أو مؤسسةً طعناً وتدميراً بعيداً عن المنطقية والأخلاقية، ونناقض أنفسنا في الكثير من الأحكام التي نطلقها، لدرجة تتغيّر من مجلسٍ إلى آخر، وأحياناً في المجلس نفسه بتغير الأشخاص أو نطاق الحديث.
كما أن كلاً منا يعتبر أنّه يستحقّ أن يكون في هذا المكان بدلاً من المسؤول الفلاني، بل البعض يعتبر نفسه تم سرقة المنصب منه، ويطالب بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، متناسياً حتى مجرّد اقتراح أسس وصول الشخص لمنصب، أو مخططاً لتطوير المنصب الذي يدّعي أنّه الأحق به من غيره، وعندما يقال من المنصب يعتبر نفسه قد تم ظلمه رغم أنّه ضحّى لأجل الوطن الكثير ولم يحصل إلا على ........... من المال والثروات، ولو كان في بلدٍ آخر لكان من المليارديرات، وإن كان بالمنصب يعتبر نفسه الأفضل بين أقرانه مفتخراً بعدم خسارة مؤسسته أكثر من هذا الحد، ولو كان غيره لدمّرت المؤسسة، متجاهلاً أنّه يعمل لدى دولة مؤسساتٍ، ودوره ضمن مؤسسته تحدي العقبات والمعوقات للوصول لأكبر قدرٍ من النجاح والتقدّم لمؤسسته رغم كل الظروف، بتفعيل دور فريق عمل المؤسسة بالكامل، لا نسب النجاح لذاته، وتحميل كل مسؤولية الفشل والتقصير لفريقه، بدءاً من أدنى مرتبة إدارية لأعلاها، كما أن دوره هو استقطاب الرأي العام لمصلحة مؤسسته، وتوضيح وجهة النظر الحقيقية وإيصال الفكرة الملقاة على كاهل المؤسسة أنّى كان عطاؤها وإنتاجها.  
إننا أحوج ما نكون للبدء بالخطوات العملية اليوم وليس غداً لكي نتمكن من استكمال النهوض بوطننا، وترميم ما تم تدميره، ولا سيّما لدينا مؤسسات قوية وصامدة قادرةً ـــ كما هي عادتها ــ  النهوض بقوّة ضمن الإمكانيات المتاحة، والموارد المتوافرة، وتفعيل جهود أبنائها من دون استثناء، بالاستناد للتشخيص السليم، والنقاش والحوار الفعّال وتبادل الأفكار، مستفيدين من الماضي انطلاقاً من الحاضر واستشرافاً لليوم والمستقبل، ولندع السياسة لساستها، ومكافحة الإرهاب لحماة الديار، وأن نكون عوناً لهم كل منا في مكانه وموقعه، لا عبئاً عليهم نتغنى بانتصاراتهم، ونستمر بتقاعسنا عن أداء أقل واجباتنا تجاه وطننا، إلا بالتنظير.
إننا أحوج ما نكون للاستفادة من الماضي والحاضر، بواقعية ومنطقية، تشاركية وانتماء وطني، بعيداً عن التهويل أو التضليل أو الإحباط والشخصنة والنفاق والاستغلال إلى ما هنالك، ليتحمّل كل منا مسؤوليته الجدية لا تحميلها للآخر.
هل تعجز المؤسسات الوطنية، بشتى انتماءاتها، وكذلك الشخصيات الوطنية، باللقاء والحوار والنقاش البناء سواءً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو اللقاءات والحوارات الجدية بعيداً عن التنظير، لتبادل وجهات نظرها بتطوير المؤسسات الوطنية، بدلاً من شتم المؤسسات القائمة، من دون أن نقدّم أي اقتراح، أو نستفيد من تجارب سابقة، أو نلفت انتباه القائمين على المؤسسة على الطريق الصائب الذي نراه، وقد تراه هي بطريقة مختلفة، فالقائم على العمل ليس كما المشاهد من بعيد، وبالحكمة والحنكة نستطيع إيصال المعلومة الصحيحة بالطريقة السليمة التي يتقبلها العقل ومبنية على الحكمة والمنطق، ونجمع بين تجاربٍ سابقة وحالية لنخرج بفكرةٍ حقيقية، ولاسيّما في ظل انتشار مراكز الدورات التدريبية ومنح الشهادات الأكاديمية ـ وهمية أم جدّية ـ مقابل إهمال أو انحسار دور مراكز الأبحاث والدراسات والجامعات في تقديم الخبرات والأفكار القابلة للتطبيق على أرض الواقع. وهل يوجد ما يمنع تواصل مجموعة من مدّعي المعرفة، لمناقشة اختراع وضعه مخترعٌ أو فكرة، بدلاً من إطلاق الحكم، قبولاً أو رفضاً، بل العمل على دراسة إمكانية جعله اختراعاً حقيقياً، فالفكرة قد تولّد أفكاراً أكثر قابلية للتطبيق إن تمَّ نقاشها وتداولها بشكلٍ جدي علمي وعملي.
المواطن والشعب هو كل منا، ونحن جزء منه، وما وجود هذا المسؤول أو ذاك في المؤسسات الحكومية إلا لخدمة المواطن، وليس ليخدمه المواطن، ولذلك هو يتحمّل الموقف السلبي أو الإيجابي للمواطن تجاه مؤسسته، وكما قلت سابقاً لا يوجد مسؤول يعمل بيديه، فكل منهم لديه فريق عمل متكامل للنهوض بمؤسسته والقيام بالمهام الملقاة على عاتقها، وعندها نستطيع فقط تحويل البيئة الحاضنة للفقر والجهل والتخلّف، إلى بيئة حاضنة للعلم والمعرفة والأخلاق الكريمة، لا نسمح للأعداء بالتسلل من بين ثناياها لتدمير وطننا، فلن يتوقّف الأعداء عن محاولات تدميرنا.
في ظل انتشار موجة إطلاق دراسات وإحصاءات عن حاجة المواطن لتأمين أدنى متطلباته المعيشية، والمطالبة بزيادة الرواتب، واتهام الآخر بالتعطيل، أن نطرح حلولاً حقيقية وواقعية، لتفعيل عملية الإنتاج، والبحث عن موارد جديدة تصب في مصلحة الوطن والمواطن، بعيداً عن إثقال كاهل المواطن، وعن تحميل الوطن أعباءً كبيرة، فكم من الثروات والموارد التي نتناساها والتي تصب بمصلحة المجتمع، لنلهث وراء موارد رقمية قد تكون نظرياً تصب في موازنة الحكومة وزيادة دخلها، لكنّها عملياً تدميرية على المدى الحالي قبل المستقبل، فقط ما نحتاجه هو تفعيل الضمير الوطني، والتشخيص السليم ودراسة الأسباب والنتائج.
   إن ربط العلم بالعمل بشكلٍ جدي وواقعي، والانتقال من التنظير والاجتماعات واللقاءات الخلبية، إلى تفعيل أبحاث الطلبة وعقد لقاءات عمل بينهم وبين المؤسسات كل ضمن اختصاصه، يؤدي للوصول إلى خلاصة تصب في مصلحة المؤسسة، وتزيد من تفكير وإبداع هذا الطالب.
إن دماء الشهداء الزكية، وعرق حماة الديار في كل بقاع ترابنا المقدّس، تنادينا لنتحمّل المسؤولية، في تأمين الحياة الكريمة، بحكمة وحنكة وسرعة، بعيداً عن التسرّع والروتين، "والشجرة التي لا نرى ثمرها بمراحل نضوجه، من المستحيل أن نرى ثمرها ناضجاً". وسنبقى ندور في حلقةٍ مفرغة، نبدّل الأشجار ولا نحصد الثمار، مستفيدين من دورة الحياة الطبيعية، محمّلين المناخ المسؤولية، ونسمح للعدو التسلسل بين ثنايا تقاعسنا عن أداء واجبنا.