إذا ما رجحت الأردن كفة الجنون على كفة العقل..بقلم: عبد المنعم علي عيسى

إذا ما رجحت الأردن كفة الجنون على كفة العقل..بقلم: عبد المنعم علي عيسى

تحليل وآراء

الاثنين، ١٥ مايو ٢٠١٧

لا تزال تقارير تأتي وتروح وهي تحمل معها أخبارا عن حشود عسكرية تتجمع في شمال شرق الأردن امتداداً إلى جنوب شرق البادية السورية باتجاه معبر التنف العراقي، كما تشير تلك التقارير إلى مما تتكون تلك الحشود فتقول، مثلاً، إنها تضم وحدات من «قوات سورية الجديدة» ومن «جيش العشائر» ومن «مغاوير الثورة»، أما بعضها الآخر فيذهب إلى إعلان الخطط التي ستعتمدها تلك الحشود عشية اندفاعها باتجاه الداخل السوري، ومن تلك الخطط أن جزءا منها سوف يلتقي مع الفارين من الدواعش من معركة الموصل لتشكيل قوة ضاربة قادرة على الإمساك بالحدود السورية العراقية لمسافات طويلة في خطوة تهدف إلى محاصرة التمدد الإيراني أو قطع شريانه الواصل إلى الجنوب اللبناني.
في الغضون جاء الإعلان من عمان يوم 7 أيار الجاري عن انطلاق مناورات «الأسد المتأهب» بمشاركة 21 دولة و7400 جندي بقيادة وإشراف أميركيين، وفي العرف العسكري أن المناورات بالقرب من المناطق الساخنة تعني أنها تمثل البروفا النهائية ما قبل العرض الحقيقي، دون أن يعني أن هذا الأخير حاصل لا محال، فالأمر في النهاية يرتبط بقرار سياسي له الكثير من الموجبات التي تتجاوز الجاهزية العسكرية بأشواط.
ما يجعل تلك التقارير تبدو واقعية، هو أن القوى الداعمة لها إقليمياً ودولياً، هي قوى فاعلة في الأزمة السورية، وفوق ذلك يبدو أن لجميعها مصلحة في أن تصبح واقعا على الأرض، فإسرائيل ترى أن من شأن خطوة كهذه أن تؤدي إلى حدوث منطقة عازلة مابين الجغرافيتين السورية والعراقية، الأمر الذي سيؤدي إلى تفريغ الاتفاق النووي الإيراني من محتواه ليصبح بلا جدوى، أياً تكن الخيارات التي ستعتمدها واشنطن في مواجهته، أما السعودية فهي ترى أن من شأن تلك الخطوة، أن تؤدي إلى إضعاف النظام السوري جراء خسارته للمفاعيل المتأتية مما تقوم به القوات العراقية وقوات الحشد الشعبي، وهي في جزء كبير منها تتم بالتنسيق مع دمشق، بما يخدم الأمنين السوري والعراقي، ولربما، لا نزال في الرؤية السعودية، أدت تلك الخسارة للنظام إلى سقوطه، في حين أن تلك الخطوة الافتراضية، تمثل بالنسبة للأميركيين أحد أهم المفاصل التي يجب أن يمر بها مخططه الذي ما انفكوا يعملون عليه حتى إذا ما تعثر أو كبا، كان ذلك مدعاة للمعاودة من جديد.
من الواضح أن المخطط الأميركي يقوم على تقسيم العراق وسورية إلى كيانات جغرافية صغيرة تقوم على أسس مذهبية أو عرقية أو عشائرية لا حول لها ولا قوة، وهي غير قادرة على تهديد إسرائيل، بل إنها ستكون منقادة لهذه الأخيرة بالضرورة، وبذا تزول أهم المخاطر التي كان للمؤسس بن غوريون توصية لأحفاده من بعده عندما قال لهم: «إن الخطر كان يأتينا دائماً من الشرق»، الأمر الذي يفسر أن انشغال الغرب بأمر اللقاء مابين دمشق وبغداد كان أكبر بكثير منه عندما يكون بين دمشق والقاهرة لاعتبارات عديدة، من أهمها غنى العراق بموارده وتمتعه بحيوية حضارية لا تزال مكوناتها الراهنة تنبض بما أنتجته بابل ونينوى وبغداد.
وسط هذه المعادلات فإن أنقرة لن تكون مرحبة بتلك الفكرة لأن الغنائم سوف ترد إلى جيوب الآخرين، لكنها في الآن ذاته لن تستطيع أن تأخذ موقفا رافضا فاعلا منها، خصوصاً في أعقاب التوتر الأميركي التركي الحاصل مؤخراً بعد سريان التصريحات الأميركية التي تؤكد عزم واشنطن على تزويد الأكراد السوريين بأسلحة ثقيلة ونوعية.
يبقى الأردن الذي يتنازع سياساته الآن خياران اثنان أحلاهما مر، فهو من جهة يدرك أن هجوما ينطلق من أراضيه باتجاه الجنوب السوري، لن يكون في مصلحته وله محاذير عدة ضارة بأمنه الوطني، والقوات التي ستعبر من الأردن باتجاه سورية ستكون قد فتحت قناة عبور للنار السورية باتجاه الأردن، ومن جهة ثانية فإن الأردن من الصعب عليه الوقوف بوجه قرار أميركي على هذا المستوى إذا ما اتخذ أو حان وقت تنفيذه، فدون ذلك تداعيات لن يكون الأردن بقادر على احتمالها، لكن وعلى الرغم من ذلك يبقى الرهان على الأردن نفسه في أن يقوم بتغليب صوت العقل على صوت الجنون كما فعل في محطات عديدة على امتداد الأزمة السورية وما سبقها.
في خريف عام 1970 شكل انقسام القيادة السورية حول التدخل العسكري السوري في الأردن لنصرة منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة الملك حسين، مدخلا لحالة من عدم الاستقرار عاشتها سورية على مدى ذلك الخريف، أو هي مثلت النقط التي أدت إلى امتلاء الكأس السورية المحتقنة، الأمر الذي دفع نحو انعطافة 16 تشرين الثاني 1970 التي ومهما قيل فيها، مثلت حماية للأمنين السوري والأردني في الآن ذاته، ومناسبة هذا الكلام الآن هو أن حالة الخريف العام 1970 ماثلة الآن أيضاً، لكن مع وجود حالة تبادل أدوار حاصلة فيها، ولسوف تكون تداعيات ذلك التدخل المفترض، أكبر بكثير من تلك التداعيات التي كان يمكن أن تنعكس على الداخل السوري فيما بعد خريف العام 1970، ففي الحالة الأردنية سوف يؤدي اعتبار جيشها كقوة معادية أو غازية، إلى احتمال انفكاك ذلك العقد الوطني القائم مابين العشائر الأردنية وبين العرش الهاشمي الذي قامت على أساسه إمارة شرق الأردن عام 1947.
من الصعب علينا هنا أن نصدق أن العرش الهاشمي ينتابه حلم التوسع الجغرافي، فدون ذلك معوقات هائلة في الذروة منها أن جميع المحاولات التي قامت لتغيير حدود سايكس بيكو 1916 على مدى قرن أو يزيد، جميعها كانت فاشلة، وقد أظهرت تلك الحدود متانتها وصلابتها تبعا لحال التوازنات الدولية القائمة، فالأمر يلزمه حال توافق دولي كان متوافراً في تلك اللحظة 1916 ولم يكن متوافرا في أي لحظة من لحظات المراحل الماضية.
منذ أن بدأت الأزمة السورية في آذار 2011، اتسم الموقف الأردني بميل واضح نحو التعقل، فلا هو ينجر إلى مطالب الرياض أو الدوحة أو أنقرة إلى نهايتها، وفي الآن ذاته لا يصد تلك العواصم في مطالبها، محافظاً بذلك على أمنه الوطني ولوازم استقراره وعلى تدفق المساعدات الخارجية التي تمكن الأردن من تجاوز أزماته الاقتصادية المزمنة، ككيان يعتمد بالدرجة الأولى في اقتصاده، على المساعدات الخارجية، الأمر الذي يحدد سياساته بالضرورة، ولطالما استطاعت تلك المواقف أن تحمي الأردن الذي وإن قيل إبان هبوب رياح الربيع العربي عام 2011، أن هناك قراراً غربيا وأميركيا يقضي بعدم المساس بالتركيبة الأردنية أو استقرارها، إلا أن وعود الخارج لا يمكن لوحدها أن تحقق تلك المرامي كلها إذا لم ترتبط بدفع أهل الدار النار عن بيوتهم وعن ساكنيها، وبمعنى آخر لا يمكن للغرب أن يحفظ الأمن الأردني إذا لم يحفظ الأردن أمنه قبل كل شيء.
قد يكون القرار كبيراً في هكذا سيناريوهات، أو هو أكبر بكثير من حجم الأردن، وقد يكون من الصعب عليه الوقوف بوجه تلك المخططات، إلا أن الرهان الأكبر يبقى على القرار الأردني الذي يعي بدقة حساسية الجيوبولتيك الذي يعيش الأردن فيه، وهو على كل حال سبق أن فعلها أواخر عام 2006 عندما كان المخطط الخليجي الغربي يقوم على إثارة نعرات عشائرية على الحدود مابين الأردن وسورية تمهيدا لحصول تدخل عسكري خارجي في الداخل السوري، كان الدور المرسوم للأردن آنذاك محورياً، ولذا فإن تراجع هذا الأخير في اللحظات الأخيرة عن أداء الدور المرسوم له، كان كفيلا بانتهاء ذلك المخطط الذي وضع في أعقاب إخفاق اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وانسحاب الجيش السوري من لبنان في 26 نيسان 2005 كبديل لهما بعدما إخفاق الحدثين في تحقيق مرامي ذلك المخطط.