داعش الغرب في ضيافة داعش الشرق.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

داعش الغرب في ضيافة داعش الشرق.. بقلم: ميشيل كلاغاصي

تحليل وآراء

الأحد، ٢١ مايو ٢٠١٧

حقًا هي زيارة تاريخية، فداعش الغرب في ضيافة داعش الشرق، حفاوة، وفُرجة، وكأنّ ترامب قد أتاهم بدمية، سحرتهم بجمالها وشعرها وقوامها وبدفء مصافحتها.. هزّ فنجانٍ ووسامٌ وصفقاتُ سلاحٍ معلنة تجاوزت الـ130 مليار دولار وبكلفة إجمالية تصل لنحو 350 مليار دولار للسنوات العشر القادمة.. قممٌ شكليةٌ ثلاث لقرارات صهيو- أمريكية، تحرف البوصلة العربية عن قضيتها المركزية وتستبدل العدو الإسرائيلي بعدو إيراني مفترض، فالحاجة ماسة لـ"ناتو" عربي - إسلامي لخوض الحروب والمعارك الدينية والطائفية القادمة!
مال خبيث وعقائد غريبة وطقوس الدم والقتل وتقطيع الرؤوس وأكل أعضاء البشر.. سلاح، فتن ودجل، نكاح، سوق نخاسة، جلد، سجن، كم أفواه، وتشدق بدعم الحريات.. تحت ستار الدين؟!
فالملك يهزُّ ويقرأ الفنجان، فيما البلاد متروكة لولي ولي العهد بلا خبرة سياسية ولا حتى عسكرية!، و لرجل أمريكا عادل الجبير، والبلاد تئن تحت وطأة التقشف والجوع والحروب الداخلية والخارجية والعدوان على الشقيق والجار اليمني، إلى قيادة المعارك الإرهابية في سورية والعراق واليمن ولبنان.. وغير مكان.

لا بدّ وأنها الغيرة من فرعون وكل آلهة الماضي السحيق، ووجدوا في ثنائية الإله – الحاكم فرصة للبقاء والإستمرار! فكرّسوا عقليتهم لإرضاء إلههم المزعوم في طقوس ظاهرية مسروقة خاوية المضمون، وهرعوا لتقديم الذبائح وسيلة لنيل رضاه، وبحثوا عنه في الحاضر فوجدوه في جورج بوش الأب والإبن وأوباما ونتنياهو واليوم في ترامب، وفي آلهة الخصب الجديدة "ليفني، هيلاري، ميلانيا، إيفانكا"، فكانت ذبائحهم ضحايا ورشاوى علّها تقيهم شرّ تلك "الآلهة" وغضبها وانتقامها وعقابها.. فرقصوا معهم رقصة القرد والعجين، وأثبتوا ولاءً كبيرًا لأمريكيين هزئوا بهم وهددوهم بالفناء وبمحاسبتهم، وبحمايتهم من غضبهم.

فقد رحل أوباما الذي كرهه السعوديون والخليجيون، وجاء من يقولون عنه رجل أفعال نتيجة استهدافه عدة مرات الجيش والشعب السوري، ولم يتمكنوا من إدراك أنّ الساسة الأمريكيين هم أوجه عديدة لعملة واحدة وأنّ البحث الجدي عن التغيير في الموقف الأمريكي يكون بالبحث عن المعدن الأصلي للعملة ذاتها.

ولا بد لآل سعود أن يعلموا أنّ زيارة ترامب ليست تشريفًا لهم، إنما هي لإخضاعهم لبرنامج التغذية الأمريكي ودفعهم لتوسيع الحروب في المنطقة من بوابة الحرب على سورية، لتشمل إيران ومصر وروسيا ذاتها، وها هي اليوم تخضع إلى تنحيف ترامب السريع الذي سيأخذها نحو الجفاف السياسي الدائم.
فمن المثير للسخرية أن يتحدث السعوديون وصديقهم ترامب عن محاربة الإرهاب، فالزيارة "التاريخية" لا تعدو أكثر من زيارة داعش الغرب إلى داعش الشرق، فإذا كانت الولايات المتحدة تبحث ثمن قبولها الهزيمة في سورية، فأعتقد أنها قد قبضت الثمن في ليبيا والسعودية والإمارات والخليج والأردن.

لم تستوعب المملكة حقيقة ما يجري، وتعتقد نفسها الدولة المحورية وصانعة سياسات المنطقة وربما العالم، وتسمح لنفسها بالتدخل في شؤون كل من حولها، وأنّ من حقها تغيير الحكومات وتنصيب الرؤساء والتحكم بمصائر الشعوب، ولم تفهم بعد أن المتغيرات والمفاصل الجديدة، وحصيلة الإشتباكات والحروب، جعلتها خارج اللعبة السياسية، وأفقدتها قيمتها الفعلية، والتي لا تسمح لها إلّا بنصف صفقة في اليمن بالكاد تحفظ ماء وجهها، وربع صفقة في لبنان، وصفر صفقة في كل من سورية والعراق. ولا بدّ لها أن تدرك أنها على شفير الهاوية وعلى طريق الإنهيار والإنقراض والتحلل الذاتي، وعليها تقبّل نتائج المعارك التي خاضتها وخسرت بنتيجتها الكثير من مالها وسمعتها واحترامها، وأنها غدت مثالًا لدولة الجهل والإجرام والإرهاب والتطرف والتكفير.. بعدما فشلت في مواكبة العصر وتقدم البشر والإنسانية، وأرادتها عودة لعقارب الزمن والتاريخ لمئات السنين، في سلوك متناقض لمن يركبون السيارات الفارهة الفخمة بعقلية راكبي الجمال، بقانون سير لا يشبه قانون سير القافلة، غابت فيه شارات المرور واستبدلوها بفتاوى رفضها العصر الحجري وأغضبت البرونزي فحرقها في بوتقته معادن حمقاء، فكانت جاهلية بامتياز، تعفنت لتكرار أكسدتها وإرجاعها في الحرب على دمشق - أم الحضارات - سياسيًا وميدانيًا وتقهقر الإرهابيين أمام ضربات الجيش العربي السوري الباسل.

لن يطول شهر العسل الأمريكي – الوهابي، فالصفقات تبيح المحظورات، وستجد الرياض نفسها مضطرة لطرد الملك سلمان والإتيان بملكٍ محمي دفع ثمن ملكه، وبما لا يتعدى حدود لقبه الديني، ليكون شاهدًا على الحوار السوري – الأمريكي المباشر، إذ لا يمكن لترامب أن يتجاهل نصر سورية، وبحثه عن حصة بلاده في استثمارات إعادة الإعمار وبتلك الثروات النفطية الهائلة - المستجدة - في سورية والمنطقة، بما سيضعه أمام الشروط السورية بتحجيم دور المملكة في المنطقة، إذا لم نقل إنهاءه تمامًا.
يبدو أن السعوديين لم يروا ما آل إليه مصير مواطنهم أسامة بن لادن في بحر مجهول، على الرغم من كل ما قدمه لأحفاد العم سام وفتح لهم أبواب الحروب الدينية الجديدة في القرن الجديد، ولم يدركوا أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تهتم لأمرهم بعد انتهائها من إفراغ جيوبهم، وطي صفحة دواعشهم.